نحن نرى بدرجة مائة وثمانين ونسمع بدرجة ثلثمائة وستين. نحن نسمع الصوت من كل الإتجاهات والجهات، ولكننا لا نسمع صوت العقل وهو الأقرب إلى الأذن! ولو كنا نستمع لصوت العقل لعرفنا الصالح من الطالح والحديث هنا للمسؤولين العرب وليس للجمهور العربي الذي هو غافل أيضا عن سماع حقائق كثيرة تدور حوله، ذلك بغياب الوعي. فالوعي العربي صراحة متدن وسبب التدني يعود إلى عملية طويلة إتبعتها السلطات العربية عبر وسائل إعلامها في عدم توفير مناهج علمية للتعليم والتدريس والدراسات العليا بحيث أصبحت القيم الجمالية والمعرفية ضعيفة جدا لدى الإنسان العربي. الصوت جميل وصوت العقل هو الأجمل، وعلى المسؤولين الإستماع إلى صوت العقل قبل فوات الأوان، لأن الأوان إذا فات فسوف يحرق الأخضر واليابس! العشاق والرومانسيون تأيتهم أحيانا مكالمة بصوت ناعم فيعشق صاحبته ويظل يحلم بها وبهيأتها ولون عينيها وقد تكون صاحبة الصوت ليست جميلة لا بالمفهوم التقليدي للجمال ولا بالمفهوم النسبي، لكن سامع الصوت يظل يحلم. فالأذن تعشق قبل العين أحيانا. ألأطفال في أوربا وهم في السنوات الأولى يختبرون سمعهم في معرفة إتجاهات الصوت فيما إذا كان الطفل سليم الإتجاهات الصوتية. فهم يسمعونه أصوات طيور وأصوات ريح من إتجاهات مختلفة وينتبهون إلى إلتفاتات الطفل فيما إذا كانت بإتجاه الصوت الآتي إلى غرفة الإختبار. حدثني صديق عن مهندس صوت يعمل في الإذاعة. أتهم بأنه تحدث بسخرية عن رئيس البلاد. هكذا نقل الخبر للرئيس ولا أحد يعلم مدى صحة نقل الخبر من قبل الواشي. إستشاط الرئيس غضبا وقال ماذا يعمل هذا الشخص فقيل له مهندس صوت، قال أقطعوا إذنه! أستدعي المخرج الإذاعي ومهندس الصوت الطيب وقالوا له نحن سوف لن نقطع لسانك حتى لا تنطق بالسخرية ضد القائد والرئيس بل سوف نقطع إذنك حتى لا تسمع الأصوات وتبقى عاطلا عن العمل! قطعوا إذنه وهاجر من البلاد بإذن واحدة. وما أن حصل على اللجوء السياسي أو الإنساني في بلدان الغرب حتى أرسلوه للمستشفى وأخذوا قطعة لحم صغيرة جدا من إذنه الثانية وزرعوها على فأر من فئران التجارب حتى نمت قطعة اللحم على ظهر الفأر ونحتوها على شكل إذن مناسبة لأذنه الثانية ولحموها له حتى باتت جزءا من وجهة! جاء في القرآن الكريم " وإذا قرئ القرآن فإستمعوا إليه وإنصتوا" الإستماع يحتاج إلى إذن واحدة ولكن الإنصات يحتاج إلى أذنين أثنتين! لذلك فالعرب يستمعون ولكنهم لا ينصتون أي لا يحسنون السمع المتسم بالوعي. الغرب يعيدون إلينا آذاننا كي ننصت لصوت السماء! سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا [email protected]