الدم المغدور تسلل محمود ليلا إلى حظيرة أبقار عمه الموجودة بإحدى القرى التابعة لمنطقة المضيق، وارتكن بإحدى الزوايا الفارغة بالحظيرة منتظرا اللحظة التي خطط فيها لتنفيذ مشروعه الشيطاني. وفي ساعات متأخرة من الليل وبعد أن أطفأ سكان القرية أنوار بيوتهم، سمع البشير (عم محمود) ضجيجا وفوضى ب «زريبة» بيته فنهض مسرعا بعد أن حمل في يده عصا من أجل الدفاع عن نفسه إذا ما استلزمه الأمر ذلك . وبعد خروج البشير نحو «الزريبة» تأكد له أن الضجيج المنبعث منها كان مصدره الأبقار والتي كان محمود يرغمها على التحرك من أجل أن يلفت انتباه عمه، هذا الأخير الذي ولج الحظيرة ليدرأ الخطر عن ماشيته ظنا منه أن حيوانا مفترسا هاجمها أو لصا يحاول الظفر بإحدى أبقاره، وإذا بالقدر يخبئ له تفاصيل جريمة مرعبة ستنتهي بنهاية حياته. حيث أن محمود «الغادر» كان متربصا له وراء باب الحظيرة، وانهال عليه بعصا على مستوى الرأس بمجرد دخوله، وأرغمه على السقوط أرضا بضربات متتالية لم يتمكن من مقاومتها. وعندما انهار متأثرا بالضربات القوية التي وجهت له قام المتربص به بتوجيه طعنات قاتلة له على مستويات متعددة من الجسم ثم ذبحه ليتأكد من موته، وفرّ هاربا من موقع الجريمة تاركا وراءه عمه البشير يقاوم سكرات الموت، غارقا في دمه المغدور. اكتشاف الجثة في وقت مبكر من صباح ليلة الجريمة نهض الحاج عيسى كعادته متوجها نحو صوان البيت حيث توجد بئر يجلب منها الماء من أجل تسخينه للوضوء وأداء صلاة الفجر . وفي طريقه نحو البئر لاحظ الرجل في زاوية ما قرب الحظيرة ِرجلا آدمية ممددة، فزع منها في بداية الأمر، لكن فضوله أرغمه على الاقتراب منها، وما إن دنا حتى صدم من هول الفاجعة ، إذ تبين له أن الرجل تعود لابنه الأصغر «البشير» والذي وجده مضرجا في دمائه لا يحرك ساكنا . هرول الحاج عيسى إلى داخل البيت وأنار أضواءه ثم سارع إلى إيقاظ كل من فيه، وهو لازال لم يصدق ما رأته عينه فأخبر الجميع بما رآه، فتوجهوا نحو المكان الذي وجدت فيه جثة البشير، وإذا بصراخ نساء البيت وعويلهن يكسر سكون صباح تلك القرية. ليستيقظ سكانها على هول جريمة نكراء، الضحية فيها شاب لم يتمم سنته الرابعة والثلاثين، محبوب لدى الجميع والجاني لازال مجهولا لديهم. وبعد ساعات من الزمن حضر إلى مكان الجريمة عناصر من الضابطة القضائية مرفوقين بسيارة الإسعاف التي حملت الضحية إلى مستودع الأموات، فيما باشر رجال الضابطة القضائية تحقيقاتهم في النازلة. الطريق إلى القاتل حقق رجال الضابطة القضائية مع كل أفراد الأسرة بمن فيهم محمود، وبدا لهم أن الوصول إلى القاتل هو أبعد مما يتصور حيث ظنوا أن القاتل لا يمكنه أن يكون من أفراد تلك العائلة أو من أقاربها أو جيرانها، كما أن المجني عليه كان ذا سمعة طيبة، مما يبدد فرضية ظهور قاتله بين أفراد عائلته. غير أن أحد المحققين كانت له وجهة نظر أخرى، خصوصا لما بدا له أن العائلة برمتها تتعامل على غير طبيعتها مع زوجة الابن المتوفى، فتحقق من الأمر وتأكد له أنه ثمة سر في هذه القضية ربما سيمنحه رأس الخيط للوصول إلى الجاني. وهذا ما تأتى له بعد مرور يومين من الجريمة. حيث وصل إلى علمه أن الزوجة غادرت بيت أهل زوجها واستقرت لدى أختها بتطوان، فانتقل المحققون إليها لطرح بعض الأسئلة عليها، وتبين لهم أن لها مشاكل يصعب حلها مع عائلة الضحية. ثم عادوا إلى القرية و قاموا باستنطاق أخت المتوفى، فأخبرتهم أن العائلة لا يمكنها أن تقبل بعيش خائنة بينهم، وأكدت لهم أن الكل كان يعلم بالعلاقة التي تربط زوجة أخيها المقتول بابن أخيها محمود، وأن أخاها المتوفى ضبط قبل مصرعه بأيام زوجته مع ابن أخيه في إحدى غرف البيت في وضع مثير للشكوك، وأنه كان يتأهب لتطليقها. سقوط المجرم تعامل عناصر الضابطة القضائية مع المعطيات الجديدة بذكاء وقاموا بإحضار زوجة القتيل وابن أخيه محمود إلى مركز الدرك. وعملوا على إعادة التحقيق مع الاثنين كل واحد بمفرده وفي غرفة منعزلة عن الآخر، فواجهوا الزوجة بحقيقة علاقتها بابن صهرها مما يجعلها تقتل زوجها بعد أن كشف أمرها أو تشارك في قتله، فاعترفت بعلاقتها مع محمود و نفت أن تكون قد فكرت يوما في قتل زوجها، وقالت إن أقصى ما كانت تفكر فيه هو الهروب مع عشيقها. وفي غرفة أخرى حيث يجري التحقيق مع محمود أبلغه رجال الدرك أنه متهم بقتل عمه بتواطؤ مع زوجة هذا الأخير وأنهما خططا لذلك بعدما انكشف أمر خيانتهما له، كما أوهموه بأن زوجة أخيه اعترفت بكل شيء... فلم يضبط محمود أعصابه وسقط في فخ المحققين وقال لهم إن زوجة أخيه بريئة من جريمة القتل وأنه هو الوحيد الذي يعرف تفاصيلها ولم يسبق له أن أخبر أحد بها، واعترف بجريمته مؤكدا أنه أقدم على ارتكابها بدافع الرغبة في الظفر بزوجة عمه التي عشقها، و أقر أنه لدى علمه أن عمه ضرب في الليلة التي قتل فيها زوجته فكر في خطة تمكنه من قتله لتبقى له ويتزوجها، وبالفعل تمكن من ذلك بعد أن نصب له شركا في حظيرة الأبقار، وأكد أنه لم يكتف بطعن الضحية 14 طعنة في مستويات متعددة من جسمه بل بادر إلى ذبحه ليتأكد من وفاته. وتوجه بعدها إلى عمله حيث يقوم بحراسة إحدى الشركات الفلاحية الموجودة بالمنطقة ليلا، ليتخلص من ملابسه التي لطخها بالدم ومن أداة الجريمة، وفي ذات الوقت ليوهم الجميع أنه كان في العمل ليلة وفاة عمه. صدمة أهل الجاني على إثر التصريحات التي أفاد بها محمود مصالح الضابطة القضائية قامت عناصرها باعتقاله، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والفساد والمشاركة في الخيانة الزوجية. فيما تم اعتقال زوجة المجني عليه بتهمة الخيانة الزوجية، وتقديمهما إلى العدالة لتقول كلمتها فيهما بعدما تمت إعادة تمثيل الجريمة بحضور السلطات المحلية والقضائية والأمنية وسكان القرية وأهل الضحية البشير، هؤلاء الذين صدموا من هول ما كشفته التحقيقات.