توالت التهنئات على الرئيس التونسي المنتخب، الباجي قائد السبسي، عقب انتخابه كأول رئيس منتخب بطريقة حرة، وكان الملك محمد السادس، في طليعة قادة العالم الذين هنئوا السبسي بفوزه، حيث أعرب جلالته في برقية إلى الرئيس المنتخب، عن متمنياته له بكامل التوفيق في مهامه السامية لقيادة الشعب التونسي، "في هذه المرحلة الهامة من تاريخه العريق، وصولا إلى تحقيق ما يتطلع إليه من مزيد التقدم والازدهار، في ظل الطمأنينة والأمن والاستقرار ". من جهته تعهد الرئيس التونسي المنتخب الباجي قائد السبسي، بأن يكون "رئيساً لكل التونسيين"، داعياً مواطنيه إلى نسيان انقسامات فترة الحملة الانتخابية. وقال قائد السبسي البالغ من العمر 88 سنة، والذي أعلن عن فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد المنصرم، في كلمة متلفزة "أؤكد أني سأكون إن شاء الله رئيساً لكل التونسيات والتونسيين"، مضيفاً: "الحملة الانتخابية انتهت وعلينا الآن أن ننظر إلى المستقبل". وشكر السبسي الذي فاز بأكثر من 55 في المائة من الأصوات، منافسه الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي الذي حصل على 44 في المائة من الأصوات. وقال: "أتوجه بالشكر إلى السيد الرئيس السابق، منصف المرزوقي، الذي هاتفني منذ حين وهنأني على ثقة الشعب. أشكره وأقول له إن الشعب التونسي لا يزال في حاجة إليه وأنا شخصياً إلى نصائحه". وفي رد فعل على مواجهات بين محتجين ورجال أمن في بعض مناطق الجنوب التونسي حيث حل المرزوقي في الطليعة إثر إعلان النتائج، دعا قائد السبسي إلى الهدوء، مضيفاً: "الحملة الانتخابية انتهت وعلينا الآن أن ننظر إلى المستقبل". هو ما دعا إليه المرزوقي بدوره أنصاره، من الانضباط وقبول نتيجة الانتخابات. يذكر أن قائد السبسي عاد للنشاط السياسي بعد ثورة 14 يناير 2011، التي أسقطت نظام حكم الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، وفرضت عليه الهروب خارج البلاد. وهو الذي أبعد منذ سنة 1991 (زمن حكم بن علي)، بعد أن شغل مهام رئيس مجلس النواب، ليتفرغ لحياته الخاصة، وللنشاط الثقافي والفكري، إذ صدر له مؤلف مهم حول الزعيم الحبيب بورقيبة، وهو عبارة عن شهادة على جوانب مهمة من نضال بورقيبة ضد الاستعمار الفرنسي، وكذلك معايشة لكامل فترة حكمه، التي استمرت قرابة نصف قرن (1956-1987). من هو الرئيس الجديد؟ بدأ قائد السبسي نشاطه السياسي في خمسينيات القرن الماضي، قبل حصول تونس على الاستقلال، حيث تعرف وهو طالب جامعي، على الزعيم الحبيب بورقيبة، ثم تقلد عدة مناصب هامة في الدولة خلال فترة حكمه، في قطاعات هامة كالدفاع والداخلية والعلاقات الخارجية والدبلوماسية. تم استدعاء قائد السبسي، في مارس 2011 بعد استقالة محمد الغنوشي، ليكلف من قبل الرئيس فؤاد المبزع برئاسة الحكومة. في فترة فارقة من تاريخ تونس، اتسمت بهيمنة ما يعرف ب"الحالة الثورية"، والتي عرفت آنذاك بطغيان الحراك الاحتجاجي، وبضعف مؤسسات الدولة وبفراغ أمني، تزامن مع انفجار الثورة الليبية وهروب آلاف الليبيين للاستقرار في تونس. فاستطاع السبسي مواجهة التحديات التي كانت تعصف بوحدة المجتمع وباستقرار الدولة. كما وضع اللبنات الأولى للانتقال الديمقراطي في مرحلة أولى، ثم المشاركة في إعلان الجمهورية الثانية في مرحلة ثانية. وتمكن الرجل المخضرم كما يصفه أنصاره، خلال فترة حكمه القصيرة (8 أشهر)، بفضل خبرته وتجربته الطويلة، ومعرفته بمؤسسات الدولة - وهو الذي شارك في تأسيسها - من تهيئة البلاد في ظرف داخلي وخارجي، تغلب عليه كل مظاهر عدم الاستقرار، من تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وتسليم السلطة لحزب إسلامي، مكرساً بذلك تقليد التداول السلمي على السلطة، وهو جوهر الممارسة الديمقراطية. السياسي لا يتقاعد.. بعدها، اختار مراقبة المشهد من بعيد، من دون أن يخفي مطامحه في العودة بحسب تسريبات المقربين منه، وهو القائل: "السياسي لا يركن للتقاعد إلا بالموت". وفعلاً لم تطل فترة "الاستراحة"، ليقرر العودة من جديد، في يناير 2012، بعد أن تبين له وجود مخاطر تهدد بانحراف المسار عن السكة التي وضع هو نفسه أسسها. لينتصب معارضاً لحكم الإسلاميين، الذين خيل لهم - وهم في سدة الحكم - أنه قد "مكن" لهم في أرض تونس. دعا السبسي، في بيان شهير- 26 يناير 2012 - إلى إعادة التوازن للحياة السياسية، وهو "البيان/ المبادرة" الذي مهد لتأسيس حركة "نداء تونس". هذا الحزب الذي سيتمكن بعد سنتين من إزاحة "النهضة" الإسلامية من الحكم، وتصعيد رئيسه الباجي قائد السبسي إلى رئاسة تونس. تضمن البيان "دعوة كل القوى الحية في البلاد ومثقفيها الرافضين للتطرف والعنف توحيد قواهم من أجل قيام بديل يقوي التوازن السياسي ويضمن آليات التداول السلمي". لقد تمكن السبسي بحيوته - وهو الشيخ التسعيني - وبما له من كاريزما، من إحياء تراث "البورقيبية" في ذاكرة التونسيين، حتى في صفوف الشباب الذين لم يعاصروا فترة بورقيبة، وذلك عبر إعادة الروح للمشروع المجتمعي البورقيبي، خاصة بعد أن أصبح مهدداً بالتمدد "الإخواني". وبسرعة تحول لشخص مجمع لجل روافد المجتمع التونسي المتمسك بمدنية الدولة، وبما تحقق من مكاسب حداثية، لفائدة المرأة والأسرة، التي تعد من خصوصيات التجربة التونسية.