يحسم التونسيون اليوم الأحد السباق المحتدم على قصر قرطاج الرئاسي بين الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي (مستقلّ) والباجي قايد السبسي مرشّح حزب "نداء تونس"الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، في فصل جديد من المسيرة الديمقراطية الناشئة التي تشهدها البلاد. وأسفرت نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها 27 مرشحا، الشهر الماضي، عن تأهل السبسي، بحصوله على 39.46 % من الأصوات، والمرزوقي بحصوله على 33.43 %، للدور الثاني، بفارق لا يتجاوز 6 %، مما يزيد من حدة المنافسة في الاستحقاق الانتخابي المقبل. وتعد الانتخابات الرئاسية المرحلة الأخيرة من "الفترة الانتقالية" التالية لثورة يناير 2011 التي أطاحت بنظام حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وهي الفترة التي شهدت بداية انتخابات المجلس التأسيسي في 2011، ثم وضع دستور جديد للبلاد مطلع العام الجاري، قبل تنظيم انتخابات تشريعية، أواخر الشهر الماضي، ينتظر أن تسفر، مطلع العام المقبل، عن حكومة ائتلافية منبثقة من أغلبية برلمانية بقيادة حزب "نداء تونس". ومع انتهاء هذه الفترة، تقف تونس على أعتاب ما يمكن تسميته ب"الجمهورية الثانية" بالنظر إلى أن نظام الحكم في "الجمهورية الأولى" في عهدي الراحل الحبيب بن بورقيبة وبن علي، كان أحادي الطابع خلافا للتعددية السياسية التي تم إقرارها بعد ثورة 2011. وسيتولى الرئيس المنتخب القادم الحكم لمدة 5 سنوات وفقا للفصل 75 من الدستور التونسي الجديد الذي نص أيضا على أنه "لا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين، متصلتين أو منفصلتين (أي إجمالا 10 سنوات)". وفي حالة الاستقالة، تعتبر تلك المدة "مدة رئاسية كاملة". ويحظى الباجي قائد السبسي بحافز معنوي بعد فوزه بالمرتبة الأولى في الدور الأول من الرئاسيات، كما نال حزبه أكبر عدد من المقاعد (86 مقعدا بنسبة حوالي 40 % من مقاعد البرلمان ال217) في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا ان مناصري المرزوقي يرون أيضا ان فرص فوزه قائمة بعد نجاحه في التأهل للدور الثاني والحاسم من هذا الاستحقاق في وقت كانت قد ذهبت فيه بعض الاستطلاعات إلى توقع نجاح السبسي من الدور الاول وحصوله على أكثر من 50 % من الأصوات. ودعي قرابة 5.3 مليون ناخب تونسي للتوجه لمراكز الاقتراع بدءا من الثامنة من صباح الاحد (7 تغ) وحتى السادسة مساء (17 تغ)، للإدلاء بأصواتهم في هذا الاستحقاق الذي يأتي ضمن أول انتخابات رئاسية "ديمقراطية" من نوعها في تاريخ تونس الحديث، كما يجمع العديد من المتابعين للشأن التونسي، حيث ترى العديد من المنظمات الحقوقية الداخلية والخارجية أن الانتخابات التي جرت بالأخص في زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، لم تكن نزيهة ولم تعكس تعددية سياسية حقيقية. ويتوزع الناخبون التونسيون على 33 دائرة انتخابية تضم إجمالا أكثر من 10 آلاف مكتب اقتراع، منهم 27 دائرة في 24 محافظة تونسية و6 بالخارج. وبدأ الناخبون المقيمون بالخارج التصويت، أول أمس الجمعة، ويقدر عددهم بحوالي 380 ألف في 45 دولة موزعين على 387 مكتب اقتراع، وتتصدر فرنسا الدول التي توجد فيها أكبر نسبة من الناخبين التونسيين بالخارج ( 53 %) أي أكثر من النصف. وانطلقت الحملة الانتخابية للرئاسيات يوم الثلاثاء الماضي 9 ديسمبر الجاري، وانتهت أول أمس الجمعة، لتدخل البلاد يوم السبت في فترة "صمت انتخابي". وخيم جو من التوتر مع انطلاق الحملة للانتخابية للمرشحين، بدأت بتصريحات حادة أطلقها المرشح المستقل المنصف المرزوقي ينبه فيها من "عمليات تزوير" قد تطال جولة الإعادة وهو ما اعتبره حزب منافسه قائد السبسي "تهديدا للأمن والسلم الاجتماعيين" ومحاولة مسبقة للتأثير على النتائج. وفي ضوء فوز حزبه، نداء تونس، بأكثرية المقاعد في التشريعيات الأخيرة، حرص السبسي أكثر من مرة في حملته الانتخابية الجارية على التأكيد على أن حزبه لا يسعى لاحتكار السلطة بالجمع بين الحكومة والرئاسة، وأنه لن يحكم منفردا، فيما يقدم المرزوقي نفسه للتونسيين على أنه يمثل أكبر ضمانة لاستمرار مكاسب ثورة 2011 التي اطاحت بديكتاتورية بن علي، ويعتبر ان فوز السبسي، الذي شغل عدة مناصب وزارية وسياسية هامة في عهدي بورقيبة وبن علي، سيعيد تونس إلى "نقطة الصفر"، وسيلغي مكاسب الثورة ويعيد "النظام القديم" للحكم. ورسميا، تقف "حركة النهضة" (توجه إسلامي)، ثاني أكبر كتلة في البرلمان المنتخب (69 مقعدا)، على الحياد بين السبسي والمرزوقي. وفي ضوء قرار الحركة بعدم الدفع بمرشح رئاسي لها حرصا على التوافق الوطني وعدم احتكار السلطة، فقد تركت لمرشحيها حرية الاختيار، إلا ان مسؤولي حركة "نداء تونس" وحلفاءهم مثل "الجبهة الشعبية"، يبدون قناعة بأن مناصري النهضة يؤيدون المرزوقي، وهو ما يتجلى بالفعل في التعليقات التي ينشرها شباب الحركة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تحمل، منذ الدور الأول للرئاسيات، دعوات صريحة لانتخابه. من جانبه، أعلن "الاتحاد الوطني الحر" (ليبرالي) ثالث كتلة برلمانية بزعامة سليم الرياحي، تأييده للسبسي، فيما أعلنت الجبهة الشعبية (تحالف من احزاب يسارية) رابع كتلة برلمانية بزعامة حمة الهمامي، عدم دعمها للمرزوقي وتأييدها للسبسي شريطة إعلان برنامجه "بشكل واضح". وناهزت نسبة المشاركة الإجمالية في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية 63 % رسميا فيما بلغت نسبة الاقبال في الانتخابات البرلمانية التي سبقتها 69 %. في المقابل، ينتظر ان تسجل الانتخابات الرئاسية المقبلة رقما قياسيا من حيث عدد المراقبين والملاحظين لعملية الاقتراع، حيث يشارك نحو 88 ألف ما بين مراقبين وملاحظين، منهم 50 ألف تابعين للمترشحين الاثنين في رصد عملية الاقتراع في تونس والخارج، وفقا لما أفادت به عضو الهيئة العليا للانتخابات لمياء الزرقوني الأناضول. ومن بين هؤلاء أيضا ملاحظون تابعين لمؤسسات اقليمية ودولية ومنظمات حقوقية غربية على غرار الإتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومركز جيمي كارتر الأمريكي. وقبل أيام قليلة من اقتراع الأحد، صدرت تهديدات منسوبة لتنظيم الدولة الأسلامية بتنفيذ اغتيالات سياسية فضلا عن إدانة العملية الانتخابية بشدة، وهو ما ساهم في زيادة وتشديد الإجراءات التأمينية الخاصة بالعملية الانتخابية، حيث من المنتظر أن تجند كل من وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ما يناهز ال100 ألف عنصرا لتأمين سير جولة الإعادة مثلما فعلت في الدور الأول وقررت الهيئة الزيادة في عدد المكاتب التي سيتأخر فتحها إلى 120 أغلبها في المناطق الحدودية الغربية. ووفقا للقانون الانتخابي المعتمد في مايو 2014 من الجمعية التأسيسية، فانه يلزم للفائز الحصول على الأقل على 50 بالمائة+1 من الأصوات، وان تساوى المترشحين في عدد الأصوات يعتمد مباشرة الأكبر سنا ويعلن رئيسا للجمهورية، وسيكون في هذه الحالة الأخيرة السبسي هو الفائز (88 عاما) وليس المرزوقي (69 عاما). وينتظر ان تعلن رسميا النتائج الكاملة للانتخابات في موعد اقصاه يومين من عملية الاقتراع. وفي ما يلي عرض لأبرز القوى السياسية وشرائح الناخبين الداعمة لكلا المرشحين: الباجي قائد السبسي الداعمون من القوى السياسية : - حزب افاق تونس ذو التوجه النيوليبرالي والذي يترأسه ياسين ابراهيم وحصل على 8 مقاعد في التشريعيات الاخيرة. - الاتحاد الوطني الحر، بزعامة سليم الرياحي، الحزب اليبيرالي الحاصل على 17 مقعدا في مجلس نواب الشعب الذي انخرط فعليا في حملة نداء تونس كما دعا أنصاره إلى انتخاب السبسي. - الأحزاب القومية والعروبية كحركة الوحديين وحركة النضال الوطني وحركة ثوابت. - حزب المبادرة والحركة الدستورية وهي أحزاب ذات توجه "دستوري"، أي نسبة إلى الحزب الذي كان ينتمي إليه الحبيب بورقيبة الرئيس الأسبق لتونس وهو الحزب الحر الدستوري التونسي. - حزب العمل الديمقراطي والعمل الوطني الديمقراطي والمسار الديمقراطي الاجتماعي وحزب الديمقراطيين الاشتراكيين (يسار). - ائتلاف الجبهة الشعبية، بزعامة حمة الهمامي، الذي يمثل شقا كبيرا من اليسار التونسي، وإن بقي موقفها غير واضح، إذ دعت عموم الشعب إلى قطع الطريق أمام عودة من اعتبرته "المرشح الفعلي لحركة النهضة وحلفائها"، المرزوقي،" معتبرة أنهم سبب فيما وصلت إليه البلاد من وضع أمني صعب واغتيالات سياسية، وسبب في فشل ثلاث سنوات من الحكم، أدّت "بالبلاد إلى حافة الهاوية". كما تركت الجبهة حسب بياناتها المجال للناخبات والناخبين بالتّصويت أو عدم التصويت للباجي قائد السبسي أخذًا بعين الاعتبار مختلف التوجهات الانتخابية لمكوّنات الجبهة الشعبية وأنصارها وقاعدتها الانتخابية. ورأى متابعون أنها بذلك تبدو الأقرب لدعم السبسي وأن في ذلك الموقف دعوة ضمنية للتصويت لفائدة الباجي قائد السبسي. - عدد من الفنانين من مطربين وممثلين، ورؤساء أندية رياضية. الناخبون: - المنتمين لحزب التجمع المنحل (حزب الرّئيس السابق بن علي) - قسم من الشباب المعطلين عن العمل والمستائين من حكم "الترويكا" (في العامين الماضيين برئاسة حركة النهضة) التي يعتبرون أنها لم تحقق الكثير اقتصاديا واجتماعيا. - الناخبون ذوو التوجه المناهض للتيار الإسلامي، حيث يرون في السبسي ضمانة قوية لمواجهة هذا التيار. - جغرافيا: منطقة الساحل (محافظاتالمنستير والمهدية وسوسة) والشمال الغربي وعدة مناطق من العاصمة تونس، وبالأخص الأحياء الراقية. محمد المنصف المرزوقي - المؤتمر من اجل الجمهورية، وهو الحزب الذي أسسه المرزوقي واستقال منه عقب توليه رئاسة البلاد أواخر 2011. - التيار الديمقراطي الذي يترأسه محمد عبو والحاصل على ثلاث مقاعد في الانتخابات التشريعية والذي انشق عن المؤتمر من أجل الجمهورية. - حركة وفاء بقيادة عبد الرؤوف العيادي وهو حزب منشق عن المؤتمر من أجل الجمهورية. - التيار النقابي الراديكالي وهو شق يساري هام في تونس يتبنى فكرا ماركسيا لينينا دَعا إلى التصويت لفائدة المنصف المرزوقي معتبرا أن ذلك يندرج ضمن التفكير في مستقبل البلاد ومن أجل تحقيق توازن في الساحة السياسية. - الحزب التونسي وهو وسطي عبر عن مساندته للمرزوقي "تصديا لشخص الباجي قايد السبسي لا غير على اعتبار تاريخه السابق وتزويره للانتخابات عندما كان في وزارة الداخلية"، كما جاء في نص بيانه. - مجموعة أحزاب صغيرة: حزب البناء الوطني بقيادة رياض الشعيبي، حزب الإصلاح و التنمية بقيادة محمد القوماني، حركة البناء المغاربي يقيادة نور الدين ختروش، حزب العدالة و التنمية بقيادة عبد الرزاق بالعربي، الحركة الوطنية للعدالة والتنمية بقيادة مراد الرويسي - عدد من الفنانين. الناخبون: - تعد كوادر حركة النهضة وقواعدها أقرب للتصويت للمرزوقي على الرغم من الموقف الرسمي الذي اتخذتمه قيادات الحركة منذ الدور الأول من الانتخابات الرئاسية والذي التزمت فيه الحياد والبقاء على نفس المسافة من كل المرشحين تاركة الخيار لقواعدها حتى يختاروا من يروه صالحا لهم. ويبدو ذلك جليا من خلال عدد من صفحات المواقع الاجتماعية لشباب النهضة والتي تدعم صراحة المرزوقي. - عدد مهم من الشباب دي التوجه الثوري الرافضين لعودة النظام السابق. - أغلب الناخبين في الجنوب التونسي وجهات واسعة في الوسط. *وكالة أنباء الأناضول