سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في حوارمع الأستاذ الباحث محمد العلمي الوالي حول الدكتور رشدي فكار: كان يلقي الدرس وكأنه سيل فائض من العلم والمعرفة موسوعته الحوارية مع الغرب رائدة عالميا كان يجتمع في مكتبتي مع كبارالمفكرين أمثال الدكتور سامي النشاروالدكتورعبد الله عنان
مرت أربعة عشرعاما تقريبا على وفاة المفكرالموسوعي المصري الدكتوررشدي فكارالذي أقام ردحا من الزمن في المغرب وحاضرودرس وأنتج بين كلياته ومعاهده ومكتباته، ولايزال ذكره الطيب في القلوب. وكانت المجلة الإسلامية التي كان يعدها الإعلامي المتميزالمرحوم ذ. الخضرالريسوني وتبثها الإذاعة الوطنية قد سجلت حوارا حول الدكتوررشدي فكاريوم 22/9/2000 أجراه ذ. الريسوني مع الأستاذ الباحث محمد العلمي الوالي نقدم فيما يلي نصه بهذه المناسبة : هذا الحوارمعكم الأستاذ الشريف محمد العلمي وموضوعه حول رفقتكم لحوالي ثلاثة عقود مع الراحل الكريم الأستاذ المفكر الدكتوررشدي فكار، عن هذه الحقبة الطويلة من الزمن، نريد أن نعرف ماهي علاقتكم مع الأستاذ الراحل رشدي فكار؟ وكيف بدأت ؟ أولا بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله، أشكر الأستاذ والأخ الريسوني على دعوته لتقديم نظرة عن حقيقة معاشرتي لشخصية من الشخصيات العالمية التي أسدت الخدمات الجليلة للعالم العربي والإسلامي وهوأحد أقطاب الفكرالاجتماعي والإسلامي وأستاذي الجليل، ولو أنني كنت أتمنى أن أكون في جلسة أخرى لكن مع الأسف جاءت الظروف هكذا والحمد لله، فالأستاذ فكار رحمه الله عرفته في دروسه في كلية الآداب التي كانت القاعة فيها تمتلئ بالطلبة من عدة فروع، من التاريخ، ومن الفلسفة وخاصة مادة علم الاجتماع ومدارسه، والأدب، وكانت تكتظ بالطلبة ولا يمكن لك إنْ لم تأتِ باكراً أن تجد مكاناً هناك، بحكم الدروس التي كان يلقيها خاصة حين يتحدث عن المدارس الاجتماعية في أوربا وفي فرنسا، وقد تميزبفن الإلقاء الذي لايمكن لك أن تمل كلامه لأن الله منحه صوتا جهوريا، وكان رحمه الله يلقي الدرس وهو في راحة شاملة وكأنه سيل فائض من العلم والمعرفة، ويمكن أن نقول إنه رجل موسوعي بكل معنى الكلمة، لأن كثيراً ما كان يجتمع في مكتبتي مع كبارالمفكرين أمثال الدكتور سامي النشاروالدكتورعبد الله عنان موسوعته الحوارية مع الغرب رائدة عالميا كانت تطرح أسئلة خارج الموضوع وكان يجيب عليها بمعلومات تسدي فوائد لا بأس بها، على كل معرفتي بالدكتور رشدي فكاررحمه الله كانت حين أتى عندي إلى المكتبة الجامعية التي تأسست منذ حوالي أربعين سنة وهي تقع في شارع محمد الخامس بالرباط، وكان يتردد علي بحكم أنني كنت مهتما بكتب علم الاجتماع وبالكتب الدينية والفلسفية والتاريخية والجغرافية وغيرها من العلوم الإنسانية، فنظر إلى المكتبة وقال لي :»إنك تعرف الاختيارات الجميلة ودقيق في اختياراتك لهذه الكتب، فسأرسل لك كل الباحثين الذين يكونون في حاجة إلى بعض المصادروبعض المراجع التي تساعدهم في بحوثهم، وفي تحصيل المعرفة». وهكذا بدأت العلاقة واستمرت وكان يتردد علي كثيراً إلى أن انتقلت إلى شارع علال بن عبد الله في محل كنت أبيع فيه الملابس والذي تحول فيما بعد إلى مكتبة «عالم الفكر»، وكذلك كان يأتي الكثيرمن العلماء ومن ضمنهم وأعظمهم أستاذي الدكتورسامي النشار رحمه الله الذي يمكن أن نقول إنه من رواد الكتابة في الفكرالفلسفي الإسلامي ومؤلف كتاب «مناهج البحث عند مفكري الإسلام» و«نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام» والذي طُبع عدة طبعات، وكان يلتقي معه وتقع الحوارات كل في ميدانه، وكانت المصارعات الفكرية كثيراً ما تقع وتطرح وجهات النظرمختلفة، لكن في الأخيرنخرج بنتيجة جميلة جداً وكان فكارذا صدررحب للنقاش وللاختلاف ولِقبول كل من لديه رأي لا يمكن أن يلغى نظرا لسعة معرفته وهي ميزة شخصية فكاررحمه الله. واجتمع كذلك في ذلك المكان مع أستاذي عبد الله عنان رحمه الله الباحث المؤرخ الكبيرفي الفكرالأندلسي وهو أكبررائد في كتابة تاريخ الأندلس وكتب موسوعة كبيرة في هذا الميدان «دولة الإسلام في الأندلس»، يمكن أن نقول إنه من أهم الموسوعات التي صدرت في هذا الموضوع. فضلا عن ذلك كان الدكتورفكاريتمتع بصحة جيدة وكان يصعد إلى الدرج الأول عندي في الدكان. كانت هي الصومعة. طبعا هي الصومعة. فلما صعد إلى هناك وجد لديَّ مكان فارغا، قال لي :»يا امحمد هل تريد أن نجعل صومعة هنا، صومعة فكارية؟» فقلت له:» لماذا لا، أنت أحق بها أنت صاحب المحل». وسلمته مفاتيح المكتبة، فبدأنا نرتب تلك الصومعة الجميلة والتي يصعب الصعود إليها، بل لايكاد حتى الشباب يستطيعون الصعود إليها. لكنه رحمه الله كان يصعد إليها ببساطة حتى كنت في بعض الأحيان أخشى أن يصيبه مكروه وكان يجيبني ويقول:» لاتخشى عليَّ يا امحمد «فالأبطال تموت وقوفا»». وهذه قولة لمارتن هيدغر 1889-1976 Martin heidegger وهو أحد مؤسسي الوجودية الألمانية الملحدة والداعي الأساس لها. على كل، كانت تلك الصومعة بالنسبة لي محجا للباحثين الذين يأتون لمراجعة أبحاثهم ورسائلهم الجامعية ولمناقشتها والتدقيق فيها مع الفقيد رحمه الله، وكان يزودهم بمعلومات هامة ولايبخل عليهم بوقته الثمين، بل كان في كثيرمن الأحيان يمد مساعدات مادية لبعض الطلبة الذين يكونون في حالة فقرأولا يستطيعون شراء الكتب وبعض المراجع. أما بالنسبة للأعمال التي قام بها وأنجزها في هذه الصومعة فيمكن أن نقول إنها كثيرة وهي عصارة تفكيره خلال المدة أو الفترة الزمنية العلمية التي عاشها في حياته، فقد كتب موسوعة في علم الاجتماع العربي الإسلامي سمَّاها «نحو نظرية حوارية إسلامية» في ثلاث مجلدات وهي نظرية في حد ذاتها تحاورالغرب من خلال الحضارة التي يسيطرعليها في عصرنا هذا، والتي أصبح الإنسان الآخرملغى فيها بالنسبة للغرب، فالدكتورفكاررحمه الله طرح نظريته في هذه الموسوعة وحاورالغرب خاصة من خلال القرن التاسع عشر وإلى نهاية القرن العشرين. ما تقييمكم للأعمال التي قدمها الغرب في هذا العصر؟ طبعاً الغرب تفوق، ولكن الغرب لايمكن أن نقول عنه إنه اعتمد على مصادره العلمية من التراث الغربي فقط، وإنما هناك تراث إسلامي عظيم استغله وطوره واستخلص منه ما يهمه في ميادين عديدة في التاريخ وفي الجغرافية وفي الحضارة وفي القوانين وفي علاقة الدين بالفلسفة، فلذلك كتب فكارهذا الكتاب أوهذه الموسوعة ليظهرعلاقة حوارية جديدة مع الغرب خاصة وأنه ينطلق من شخصية هامة جداً وهي شخصية «سان سيمون» المسيحي والإنسان الذي قدم خدمات جليلة للإنسانية جمعاء، وكان من منشئي علم الاجتماع بالنسبة للنظرية الغربية، وكذلك من رواد الفلسفة الاشتراكية التي تطورت وأصبحت لها جمعيات دولية قبل أن يأتي ماركس ويطورها ويخرج منها الجانب الديني. ففكاريعلم علم اليقين أن العالم العربي يعاني أزمات عديدة لانريد أن ندخل في تحديدها لأن أزمة الإنسان الغربي تحولت وانصبت على الإنسان المسلم المعاصر. وهذه الأزمات وهذه المعاناة حاول في هذه الموسوعة التي سماها «نحو نظرية حوارية إسلامية» تواضعا منه. حوارية إسلامية مع الغرب. ويمكن أن نقول حوارمع المسلم كذلك ومع المجتمع العربي والإسلامي كذلك حوارمع العرب في إطارحضاري شامل، ونذكرأنه سبق «صامويل هانتكتون» في مسألة حوارالحضارات في هذه الموسوعة، فهي موسوعة هامة جداً كان يتأمل في الصومعة ونجده بعض الأحيان كأنه غيرموجود ينسى نفسه بحكم أنه يكون منهمكا في التفكيرالعميق الذي كان من الصعب علي التحدث معه، كنت أصعد إلى الصومعة بهدوء ولاأستطيع أن أقلقه لأن الرجل يكون في قمة التفكيروقمة وضع القوانين لهذه النظرية حتى فلا أريد أن شوش عليه طبعا.