تعزز المشهد السياسي الإسباني مؤخرا بميلاد حزب سياسي جديد، اختير له من الأسماء " بوديموس" (معناه باللغة العربية قادرون)، ولقد تم وضع اللبنات والهياكل الأساسية للحزب، بعدما كان ينشط في السابق في إطار جماعات و تنسيقيات سياسية ذات توجه فكري يساري. ويعتبر هذا الحزب ظاهرة سياسية جديدة بإسبانيا لأنه استطاع تصدر المشهد السياسي في شهور وأصبح زعيمه وأمينه العام "بابلو إغلسياس" الوجه الأبرز، الذي تتصدر صوره وتصريحاته وسائل الإعلام الإسبانية المختلفة. وبلا أدنى شك سيلقي هذا الحزب بتأثيراته على العلاقات المغربية الاسبانية خاصة في الملفات الترابية مثل ملف سبتة ومليلية، حيث أن غالبية قيادة حزب "بوديموس" من اليسار الراديكالي الذين لا يعترفون بالتواجد الإسباني في المدينتين المغربيتين سبتة ومليلية. ويؤكدون دائما على حق الشعوب في تقرير مصيرها وخاصة في جهة كتالونيا . وفي ظرف وجيز، منذ تأسيسه الجنيني في شهر فبراير الماضي وحتى الآن، يشكل الحزب ظاهرة سياسية بإسبانيا تثير الإعجاب كما تثير القلق بسبب أطروحاته الراديكالية. ولقد أكد زعيمه "بابلو إغلسياس" في أول خطاب له بصفته أمينا عاما للحزب على ضرورة وضع حد للتوافق الذي نتج عن الانتقال الديمقراطي في أواسط السبعينات لأنه قاد البلاد إلى كارثة سياسية وثقافية تؤدي إسبانيا فواتيرها الآن. ولقد أحدث تقدم شعبية الحزب الجديد خاصة خلال الانتخابات الأخيرة للحصول على مقاعد بالبرلمان الأوروبي زلزالا سياسيا في إسبانيا، خاصة بعد تنازل الملك خوان كارلوس عن العرش لصالح ابنه الأمير فيلبي الذي أصبح يحمل لقب الملك فيلبي السادس، حيث أكدت قيادة الحزب الجديد على أنه إذا حصلت على الأغلبية في الانتخابات التشريعية القادمة فستصوت لصالح قرار زوال الملكية بإسبانيا. في الوقت ذاته، دفع الحزب الاشتراكي إلى تجديد هياكله بالرهان على سانشيس الشاب بدل ألفريدو روبالكابا، ونهج حزب اليسار نفس الشيء بانسحاب كايولارا من المعترك لصالح غارثون لاشاب الذي لم يتجاوز 30 سنة من عمره. ورغم ارتباط العلاقات الدولية بمعايير وبروتوكولات من الصعب تجاوزها، إلا أنه مع هذا الحزب تبقى العلاقات بين الرباط ومدريد في حالة وصوله إلى الحكم أو تزعم المعارضة مرشحة للتغيير. و يتجلى السبب في تسجيل أوروبا تغييرا سياسيا في الملفات الداخلية، فالقارة العجوز تشهد ظهور قوى سياسية ترغب في إعادة ترتيب وتنظيم البيت السياسي على أسس مختلفة عن تلك التي جرى إرساؤها بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت رغم خضوعها لتغييرات. ومن أبرز هذه التغييرات مناهضة القوى السياسية سواء اليسارية الراديكالية أو اليمينية المتطرفة لقرارات الاتحاد الأوروبي ومطالبتها بإعادة النظر في العلاقات مع الآخر. وشهد العالم مؤخرا تغييرات من هذا النوع بعد وصول اليسار إلى الحكم في عدد من الدول مثل بوليفيا والإكوادور وفنزويلا والبرازيل حيث عمدت إلى إحداث تغيير في علاقاتها الدولية بالانتقال من معسكر الغرب إلى معسكر دول بريكس (روسيا والصين وجنوب إفريقيا والهند).