خلال فترة زمنية لم تتعد الثلاث سنوات تلقت الإدارة الأمريكية ثلاث صدمات مدوية خلفت خسائر سياسية لا يمكن الحكم بشأن أبعادها الكاملة بعد. في أبريل 2010، أنزلت ويكيليكس وهي منظمة دولية غير ربحية على موقع إنترنت مشهد فيديو عن ضربة لطائرة أمريكية في 2007 قتلت فيها قوات أمريكية مجموعة من المدنيين العراقيين والصحفيين. وبعدها في يوليو سربت ويكيليكس يوميات الحرب الأفغانية، وهي مجموعة لأكثر من 76900 وثيقة حول الحرب في أفغانستان لم تكن متاحة للمراجعة العامة من قبل وفضحت تلك الوثائق سلسلة من أكاذيب إدارة واشنطن. ثم سربت في أكتوبر 2010 مجموعة من 400000 وثيقة فيما يسمى سجلات حرب العراق بالتنسيق مع المؤسسات الإعلامية التجارية الكبرى. وفي نوفمبر 2010 بدأت ويكيليكس بالإفراج عن برقيات الدبلوماسية للخارجية الأمريكية مما أحرج إدارة البيت الأبيض وكشف تآمرها حتى على العديد من حلفائها. وتلقت ويكيليكس الثناء والانتقادات على حد سواء. وفازت بعدد من الجوائز بما في ذلك جائزة الإيكونومست في وسائل الإعلام الجديدة في 2008، وجائزة منظمة العفو الدولية لوسائل الاعلام البريطانية في 2009. وفي عام 2010 وضعت الديلي نيوز النيويوركية ويكيليكس الأولى من بين المواقع "التي يمكن أن تغير طريقة قراءة الأخبار بالكامل"، وقد سمي جوليان أسانغ كأحد الإختيارات الأولى للقراء لشخصية سنة 2010 ولكنه لجأ إلى سفارة الإكوتور في لندن ليتجنب تسليمه في النهاية إلى الولاياتالمتحدة. قبل أن تهدأ العاصفة التي أثارها نشر موقع ويكيليكس لجزء من أسرار الحكومة الأمريكية، وإبتداء من شهر يونيو 2013 شرع إدوارد جوزيف سنودن المتعاقد التقني والعميل الموظف لدى وكالة المخابرات المركزية، الذي عمل كذلك كمتعاقد مع وكالة الأمن القومي في تسريب آلاف الوثائق المتعلقة بتفاصيل برنامج تجسس ومواد مصنفة على أنها سرية للغاية من وكالة الأمن القومي، منها برنامج "بريسم" إلى صحيفة الغارديان وصحيفة الواشنطن بوست. التسريبات كشفت تجسس واشنطن على اقرب حلفائها حتى في حلف "الناتو" وعلى مئات الملايين من مواطني مختلف الدول بما في ذلك الأمريكيين. سنودن الذي حاولت واشنطن بكل الطرق استعادته وسجنه أو إعدامه أشار إلى أنه كان يعمل براتب جيد يصل إلى مائتي ألف دولار سنويا، وكان لديه منزله الخاص في جزيرة هاواي، ولكنه أضاف "أنا مستعد للتضحية بكل ما أملك لأن هذا التجسس والتآمر يشكل تهديدا حقيقيا للديمقراطية التي ننادي فيها ببلادنا". وعند سؤاله عما إذا كان خائفا، قال "أنا لا أخاف من شيء لأن هذا كان قراري"، ولكني أخاف "أن تتعرض عائلتي للأذى". مماطلات وسرية يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 وبعد مماطلات استمرت زهاء خمس سنوات نشرت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي نسخة مختصرة لتقرير يندد بالاحتجاز السري من طرف جهاز المخابرات المركزية لأشخاص يشتبه بارتباطهم بالقاعدة وتعذيبهم بشكل وحشي أدى إلى الوفاة في العديد من الحالات، وهي ممارسة سمح بها بشكل سري في عهد الرئيس السابق جورج بوش. وبعدما عملت لخمس سنوات، مستندة إلى أكثر من 6 ملايين وثيقة، غالبيتها سرية، أصدرت اللجنة تقريرا يشمل أكثر من 6 آلاف صفحة، نشر منه ملخص من 524 صفحة فقط حيث ظلت آلاف الصفحات الباقية محاطة بالسرية. فقد وافقت اللجنة على التقرير السري في ديسمبر 2012 وصوت اعضاؤها في ابريل 2014 لنزع السرية عن عشرين من خلاصاته وعن ملخص من حوالي 524 صفحة شطبت منها المعلومات الأكثر حساسية. التقرير أفاد بأن الوكالة "خدعت روتينيا الكونغرس والرأي العام حول المعلومات التي استقتها من استجواب المشتبه بهم بالارهاب". بعد نشر ملخص لجنة الإستخبارات ب 48 ساعة وفي محاولة لتخفيف وقع تسريبات تتوقعها الأجهزة الأمريكية، أقر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "جون برينان" بكذب الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج بوش في إحدى الذرائع التي استخدمتها لتبرير الغزو الأمريكي للعراق خاصة علاقته بهجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. وجاء هذا الإقرار الأمريكي المتأخر ليكشف الأكاذيب التي تتستر وراءها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لفرض هيمنتها على العالم كما أنه يأتي في وقت تواجه فيه ال "سي آي إيه" فضائح عديدة. ويوفر هذا الإعتراف أساسا قانونيا لمحاكمة وإدانة جورج دبليو بوش وطاقمه بالكذب والتحايل لتبرير ارتكاب جريمة حرب ما زال العراق والشرق الأوسط، بل والعالم كله، يدفع ثمنها. عدد من الملاحظين أشاروا إلى أن الكشف عن هذه الحقيقة بعد يومين فقط من نشر أجزاء من تقرير الكونغرس بشأن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان أثناء استجواب المخابرات الأمريكية للمتهمين بالإرهاب، يكرس ملامح وجه قبيح كصورة جديدة للإدارة الأمريكية أمام العالم، لا تبدو فيها أفضل حالا من أي نظام أمني في غياهب العالم الثالث، حيث يمكن للرئيس أن يلفق ما يشاء من الأدلة المخابراتية المزعومة، لشن حرب تودي بحياة مئات الآلاف من الأبرياء، ثم يطلق زبانية التعذيب للحصول على ما يناسبه من اعترافات من المتهمين، بعيدا عن أي سلطة للقانون أو مراعاة لحقوق الإنسان. وكانت مجموعة ماكلاتشي الصحافية أول من كشف وجود رسالة وثيقة لبرينان الذي عين عام 2013، بشأن كذب واشنطن لتبرير غزو العراق. يوم الخميس 11 ديسمبر، اعلن السناتور ليفن انه طلب من "السي آي ايه" رفع السرية عن هذه الوثيقة لاظهار "الخداع" الذي مارسته ادارة الرئيس السابق جورج بوش بحق الامريكيين قبل اجتياح العراق الذي كلف الولاياتالمتحدة خسائر مادية وبشرية فادحة. التشدق بالدفاع عن الحرية العديد من الملاحظين يشكون أن المخابرات المركزية ستستجيب لطلب السناتور ليفن خاصة وأن برينان حاول في مؤتمر صحافي استثنائي في مقر سي آي ايه، نقل مباشرة عبر التلفزيون، وهو الأول في التاريخ الأمريكي الدفاع بشكل ملتوي عن عمليات التعذيب حيث قال، "ليست هناك أية وسيلة لمعرفة ما اذا كانت بعض المعلومات التي تم الحصول عليها بفضل تلك الوسائل كان يمكن الحصول عليها بوسائل أخرى"، ورفض استخدام عبارة "تعذيب". وردا على أسئلة من صحافيين، ذكر بأن الوكالة "ارتكبت أخطاء". ودعا إلى "تحقيقات" في هذه الأخطاء. لكنه اعترض على سؤال عن "محاكمة" الذين ربما ستدينهم التحقيقات. واعترف برينان بأن بعض الاستجوابات مع المتهمين بالإرهاب كانت "قاسية وبغيضة" وأن سبب ذلك هو أن بعض المحققين "تجاهلوا التعليمات الصادرة لهم" وأن "بعض العاملين في الوكالة تجاوزوا صلاحياتهم، وينبغي أن يخضعوا للمساءلة". وفي الكونغرس عبر الجمهوريون عن اسفهم لموعد نشر التقرير. وعبروا عن مخاوف من ان تعطي هذه الشفافية حجة "لأعداء" امريكا وان تثير اعمالا انتقامية مثلما حصل بعد الكشف عن فضيحة سجن ابوغريب العراقي في 2004. وزارة العدل الأمريكية من جانبها إدعت ان الملف سيبقى مغلقا بسبب عدم وجود أدلة كافية وأنه لا توجد نية للمتابعة. على العكس من هؤلاء وفي الولاياتالمتحدة ندد المدير العالم للاتحاد الأمريكي للدفاع عن الحريات انتوني روميرو بوقوع "جرائم بشعة"، قائلا "انه تقرير فاضح ويتعذر قراءته بدون الشعور بالسخط لواقع ان حكومتنا قامت بهذه الجرائم الشنيعة". وحثت عدة منظمات للدفاع عن حقوق الانسان ومحامون واشنطن على إجراء محاسبة عن هذه الأعمال ومحاكمة مسئولي السي.اي.ايه المشاركين في هذا البرنامج. مؤكدة أن تقرير التعذيب يضع الأمريكيين في حيرة من أمرهم حول مدى ديمقراطية وشفافية أكثر بلدان العالم تبجحا بالدعوة للحرية، ناهيك عن التشدق بإنسانيتها. تقرير لجنة الاستخبارات أثار ردود فعل مستنكرة في العالم مع مطالبة واشنطن بالتحرك ازاء هذا الأمر. مقرر الأممالمتحدة حول حقوق الإنسان بن ايمرسون طلب إطلاق ملاحقات قضائية بحق المسئولين الضالعين في هذه القضية. وقال "لقد تم وضع سياسة على مستوى رفيع في ادارة بوش اتاحت ارتكاب جرائم منهجية وانتهاكات فاضحة لحقوق الانسان العالمية". ودعت منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان البريطانية "كايغ" إلى ملاحقات قضائية أيضا، مؤكدة ان "هناك في التقرير أدلة واضحة تبرر فتح ملاحقات قضائية". برلين نددت ب"انتهاك خطير للقيم الديموقراطية" كما أكد ذلك وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير. واعتبر الاتحاد الاوروبي ان هذه المعلومات "تثير تساؤلات هامة بشأن انتهاك حقوق الإنسان من قبل السلطات الأمريكية والعاملين في وكالة الاستخبارات" كما علقت المتحدثة باسم الجهاز الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي كاترين راي. وقال كينيث روث مدير هيومن رايتس ووتش "يجب عدم وضع تقرير مجلس الشيوخ على الرف او في اسطوانة مدمجة لكنه يجب ان يستخدم كأساس لتحقيق جنائي بشان استخدام وسائل تعذيب من قبل مسؤولين أمريكيين". وسط هذه الزوبعة أشارت مصادر رصد أن هناك 15 وكالة أمن وتجسس أمريكية إلى جانب المخابرات المركزية، ولا أحد تطرق إلى ما تقوم به، وما تم الكشف عنه بالنسبة ل "السي آي ايه" ليس سوى قمة جبل الثلج العائم حيث يختفي الجزء الأكبر منه تحت الماء. الدفاع عن الجرائم المثير أن هناك من إنبرى للدفاع عن الجرائم المرتكبة، حيث ندد العديد من الجمهوريين بالتقرير واعتبروه منحازا وكلف دافعي الضرائب أربعين مليون دولار. نائب الرئيس السابق ديك تشيني دافع بقوة عن إدارة الرئيس جورج بوش وتقنيات الاستجواب المشددة هذه معتبرا أنها "مبررة تماما". وقال متحدثا لصحيفة نيويورك تايمز انه "تم السماح بالبرنامج .. والتدقيق فيه من وجهة نظر قانونية من قبل وزارة العدل" معتبرا أن عناصر "السي اي ايه" الذين نفذوا هذا البرنامج "ينبغي تقليدهم اوسمة عوضا عن انتقادهم". وفي مقال نشر في صحيفة "واشنطن بوست" ندد خوسيه رودريغيز المسؤول السابق في هذا البرنامج في السي اي ايه ب "القدر الكبير من النفاق" الذي يبديه السياسيون في هذا الملف. وكتب "فعلنا كل ما طلب منا .. ونحن على يقين بان ذلك كان فعالا". في حين أنشأ مسئولون سابقون في وكالة ال"سي آي ايه" موقعا الكترونيا للرد على حملة الانتقادات العنيفة التي طاولتهم. والموقع واسمه "سي آي ايه سيفد لايفز دوت كوم" ومعناه السي آي ايه انقذت ارواحا، يمثل خطوة في مجال العلاقات العامة غير معهودة من جانب عملاء في الاستخبارات، وهو لا يرمي إلى التشكيك في لجوء الوكالة إلى تقنيات استجواب قاسية بل على العكس من ذلك يهدف إلى إثبات فعالية هذه التقنيات ودحض ما خلص إليه تقرير مجلس الشيوخ من أنها لم تنقذ أرواحا ولم تكن وسيلة فعالة للحصول على معلومات أو تعاون من قبل المعتقلين بل لطخت سمعة الولاياتالمتحدة في العالم. ونشر الموقع رابطا يقود إلى مقال نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" وكتبه ستة مسئولين سابقين في "السي آي ايه" هم المدراء السابقون للوكالة جورج تينيت وبورتر غوس ومايكل هايدن، إضافة إلى كل من جون ماكلولين والبرت كالاند وستفين كابس الذين شغلوا منصب نائب مدير الوكالة. حتى الأطباء ما زاد من حجم فضيحة خرق حقوق الإنسان على يد الإدارة الأمريكية الكشف عن تورط طواقم من الأطباء في التعذيب. وقد أعرب المعنيون بالأخلاق الطبية عن غضبهم العارم حيال مشاركة أفراد طبيين في جلسات الاستجواب منذ تواتر أنباء عن ذلك في وثائق تخص "سي آي إيه" ووزارة العدل تم الكشف عن بعضها عام 2009. ستيفين ميلز بروفسور أخلاق مهنة الطب بكلية الطب بجامعة مينيسوتا وعضو مجلس إدارة مركز ضحايا التعذيب، أكد إن استخدام ال "سي آي إيه" لأساليب، مثل الإطعام عن طريق المستقيم، أمور غير معروفة من قبل. وأضاف أنه "ليس هناك شيء ما يدعى الإطعام عن طريق المستقيم، فهذا أمر غير ممكن فيزيولوجيا، ذلك أن القولون ليس به بطانة قادرة على امتصاص العناصر الغذائية.. هذا الأمر لا يمت للإجراءات الطبية بصلة، وإنما مجرد وسيلة لإحداث أقصى مستويات الألم". أما الجمعية الطبية الأمريكية، فأعلنت في بيان أصدرته، يوم الجمعة 12 ديسمبر 2014، أن "مشاركة الأطباء في أعمال التعذيب والاستجواب القسري تعد انتهاكا لجوهر القيم الأخلاقية". ودعت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" لمحاسبة المسئولين الطبيين المتورطين في برنامج الاستجواب، منوهة بأن مشاركتهم "كانت محورية لتوفير حماية قانونية" لمن يتولون تلك الاستجوابات. إلا أن جورج جيه أناس، رئيس قسم القانون الطبي والأخلاق الطبية وحقوق الإنسان بجامعة بوسطن، اعترف بأن "المجتمع الطبي ليس بيده ما يفعله سوى التنديد بهذا الأمر، لأن أحدا لا يعلم هوية هؤلاء الأشخاص"، المعروف أن جميع الأسماء محجوبة في التقرير. كما أنه من الجدير بالذكر أن مكتب الخدمات الطبية من الكيانات غير المعروفة داخل "سي آي إيه". ويتبع المكتب إدارة الدعم، وتدور مهامه التقليدية حول توفير الرعاية الصحية للعاملين بالوكالة. وفي سؤال له حول مكتب الخدمات الطبية، أجاب المتحدث الرسمي باسم الوكالة بأن "العاملين الطبيين ب"سي آي إيه" هم ضباط مخابرات مخلصون وملتزمون بأرفع معايير مهنتهم الطبية". غير أن أحد خبراء مكتب الخدمات الطبية تحدث عن وجود تعارض مصالح لدى أطباء النفس العاملين بالبرنامج، وهم متعاقدون وليسوا من العاملين بالوكالة، حيث تولوا مسئولية استخدام عمليات مثل الإيهام بالغرق أو ما يطلق عليه أساليب الاستجواب المعززة وتقييم مدى فاعليتها مقابل أجر يبلغ 1800 دولار يوميا، أو ما يعادل 4 أضعاف ما يتقاضاه المحققون الذين ليس لديهم خبرة في استخدام مثل تلك الأساليب". سوابق الصدمات التي لحقت بموجهي سياسة البيت الأبيض عن طريق الكشف عن بعض الوثائق السرية، لها سابقاتها، كانت بدايتها المؤثرة نسبيا خلال عقد السبعينات حين كشف بيتر باكستون فضيحة معهد توسكيغي حول دراسة مرض الزهري حيث قام الأطباء بجمع 600 أمريكي من أصول إفريقية، منهم 399 فردا مصابا بالزهري وأخبروهم أنهم مصابون بمرض في الدم دون تحديد نوعه، وطلبوا إليهم المتابعة بشكل دوري على مدار 40 عاما دون تقديم أي علاج لهم، رغم اكتشاف البنسلين كعلاج مؤقت لمرض الزهري أثناء فترة إجراء الدراسة، إلا أن التجربة استمرت حتى قام باكستون بالكشف عنها، وقتها كان عشرات من هؤلاء الرجال قد ماتوا بتأثير المرض. في عام 1997 قدم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون اعتذارا رسميا عن هذه التجربة التي وصفها بالعنصرية واللاإنسانية. خلال عقد الثمانينات كان جاري ويب يعمل صحفيا في جريدة "سان خوسيه ميركوري نيوز" حين شرع في كتابة عدة مقالات كشف فيها عن غض المخابرات الأمريكية الطرف عمدا عن نشاط تجار المخدرات من نيكاراغوا الذين كانوا يوزعون الكوكايين في قلب لوس أنجلوس عام 1980 بينما كانت إدارة الرئيس رونالد ريغان تحميهم من الملاحقة القضائية والأمنية وتستخدم الأموال المستخلصة وبالتعاون مع إسرائيل لتزويد إيران بالأسلحة خلال حربها ضد العراق من سنة 1980 حتى سنة 1988 خلافا للموقف الرسمي وقتها المتميز بالعداء بين تجاه طهران، وكذلك لتمويل حركات "الكونترا المسلحة المناوئة للنظام في نيكاراغوا. فقد جاري ويب عمله في الصحيفة بعد فترة من المفاجأة التي فجرها، قبل أن يعثر عليه مقتولا بأعيرة في الرأس. في سنة 1971 نشر دانييل إلسبرج الذي كان يعمل في أحد القطاعات المكلفة بالدراسات في وزارة الدفاع الأمريكية ومحللا لدى مؤسسة راند البحثية التي تعد التقارير الإستراتيجية للإدارة الأمريكية ما سمي بأوراق البنتاغون، لصالح جريدة نيويورك تايمز في عهد الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الذي اتهم إلسبرج بالخيانة، وأصدرت المحكمة العليا قرارا بمنع نشر باقي الوثائق قبل أن يتم نقض الحكم والسماح بالنشر. تعلقت الوثائق بمخالفات ارتكبتهما إدارة الرئيس ليندون جونسون بشأن العمليات العسكرية في فيتنام وتضمنت الكذب على الكونغرس وأن واشنطن تورطت في قتل نيغو دييم رئيس فيتنام الجنوبية في انقلاب عسكري رغم كونه حليفا سابقا لها، كما اتهمت التسريبات إدارة جونسون بالكذب على الشعب حين وعده بتقليص العمليات في فيتنام في نفس الوقت الذي كان يستعد فيه لغزو فيتنام الشمالية، باختصار شديد كانت الوثائق توجه أصابع الإتهام ضمنيا بتضليل الشعب والكونغرس لأربعة رؤساء أمريكيين هم أيزنهاور وكيندي وجونسون ونيكسون. هناك فضائح كثيرة تم الكشف عنها ومنها التمويل الأمريكي للعديد من المنظمات غير الحكومية في عدد من بلدان العالم لقلب أنظمتها والتجسس عليها، والعلاقات والتعاون مع تنظيمات توصف غربيا بالإرهابية لتمزيق وحدة الدول وضرب استقرارها. ويقدر عدد من المحللين أنه مع مرور الأيام وتقدم التقنيات وخاصة المعلوماتية سنكشف المزيد من أسرار سياسات البيت الأبيض. المشكلة التي تواجه الإدارة الأمريكية حاليا هي الحيلولة دون تسرب المزيد من المعلومات على شكل وثائق رسمية عن مشاريعها السياسية والعسكرية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا وشرق أوروبا حيث تدور صراعات وحروب متعددة الأطراف. العديد من المحللين أسهموا في تحديد الأهداف الأمريكية ومنها مشروع الشرق الأوسط الجديد الخاص بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أسس عرقية ودينية ومناطقية، ولكن هناك من يرفض القبول بهذا التحليل، الأمر سيتبدل إذا حدث تسريب جديد. يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسئولين أمريكيين قولهم أنهم متأكدون من وجود مسرب آخر للمعلومات السرية مثل سنودن داخل الحكومة، وأن تحقيقات أجرتها الحكومة كشفت وجود شخص جديد يعمل على تسريب وثائق بالغة السرية تتعلق بالأمن القومي الأمريكي. وقالت المصادر إن الأدلة التي تمتلكها الحكومة حول وجود "المسرب" الجديد تستند إلى معلومات سرية وردت في مقال نشره مؤخرا موقع "انترسبت" الذي يديره الصحفي غلين غرينوود، الذي كان له السبق في نشر وثائق سنودن بالتنسيق معه. وقد نشر الموقع مؤخرا مقالا يتناول الزيادة الكبير في حجم مخزون المعلومات المتوفر لدى الحكومة الأمريكية حول أسماء من تسميهم الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم في عهد الرئيس باراك أوباما ويصل عددهم إلى ما يفوق المليون ونصف، وينقل الموقع التفاصيل عن وثيقة صادرة من مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي تعود إلى أغسطس 2013. معسكرات تدريب جديدة نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية في ديسمبر 2014 معلومات عن علاقات زعيم داعش أبو بكر البغدادي مع القوات الأمريكية في العراق تحت عنوان "تنظيم الدولة.. قصة من الداخل" مستندة إلى شهادات شخصيات عايشت بعض قيادات التنظيم وسط المعتقلات: في معسكر "بوكا" الشهير بالعراق، كان البغدادي منعزلا عن بقية المعتقلين منذ وصوله إلى هناك في فبراير 2004 بعد أشهر من مساهمته في تأسيس ما سمي "جيش أهل السنة والجماعة"، الأمر الذي زاد من غموضه وتوجس الآخرين منه، لكن السجانين المشرفين على "بوكا" كان يرون "البغدادي" من منظار آخر، حيث اعتبروه وسيطا واقعيا. ومع ترسخ فكرة "تصالحيته" في أوساط سجانيه، سمح الأمريكيون بالإفراج عنه بعد بضعة أشهر من اعتقاله، وذلك في ديسمبر 2004. ويؤكد تحقيق الصحيفة البريطانية نقلا عن شاهد سماه أبو أحمد أن أبو بكر البغدادي كان يحظى "بإحترام كبير جدا من قبل الجيش الأمريكي"، مضيفا: كان البغدادي إذا رغب بزيارة المعتقلين في مهجع آخر يستطيع فعل ذلك، بينما لم يكن الآخرون يستطيعون ذلك". وكان كل ما يفعله "البغدادي" يتم تحت مسمع ومرأى الأمريكيين، ولو لم يكن هناك سجن أمريكي في العراق، لما كان هناك تنظيم الدولة الآن.. كان "بوكا" مصنعا. مصادر رصد روسية وأوروبية ذكرت أن هناك أربعة معسكرات تدريب جديدة إقيمت خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2013 وسنة 2014 بمساهمة أمريكية خاصة من طرف المخابرات المركزية، أثنتان في تركيا وواحدة في دولة خليجية وأخرى في شرق ليبيا لتدريب المعارضين للنظام السوري الموصوفين غربيا بالقوى المعتدلة. نظريا من المفروض أن يكون المتدربون من السوريين، ولكن الواقع هو أن الجزء الأكبر وهو الغالب مكون من المصريين والليبيين والعراقيين والتونسيين وغيرهم من دول شمال أفريقيا والساحل ومواطني دول خليجية عربية. ليس كل هؤلاء يعدون للقتال في سوريا بل في مناطق أخرى منها بلادهم الأصلية. نفس المصادر أن تفيد تدريبات على العمليات البحرية تنظم لمجموعات محددة من المواطنين العرب، وكذلك أساليب تلغيم الممرات المائية ومهاجمة معامل توليد الطاقة الكهربائية وتعطيل الملاحة الجوية سواء في المطارات أو إفتعال الحوادث الجوية والبرية وخاصة خطوط السكك الحديدية إلى غير ذلك. حرب "داعش" ستستمر سنوات في إشارة إلى أن الحرب الأمريكية ضد "داعش" ستستمر سنوات وهو ما يعزز القائلين بأن التنظيم هو بمثابة حصان طروادة للإدارة الأمريكية للتدخل، وافق الكونغرس يوم الجمعة 12 ديسمبر 2014 على الميزانية السنوية العسكرية الجديدة، وفيها اعتمادات إضافية للحرب ضد "داعش"، ومنها تدريب القوات العراقية المسلحة، والمعارضة السورية المعتدلة. تبلغ جملة الميزانية العسكرية 577 مليار دولار، منها 64 مليار دولار للحروب في الخارج، وتشمل أغلبية هذه الميزانية استمرار الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، واستمرار الحرب ضد ما تسميه واشنطن الإرهاب، ودعم إسرائيل، ودعم حلف الناتو ردا على زيادة التوتر في علاقات الحلف مع روسيا، ومواصلة برنامج تحديث الأسلحة النووية الذي تشرف عليه وزارة الطاقة. وبالنسبة ل"داعش"، تشمل الميزانية الجديدة 3.4 مليار دولار للقوات الأمريكية التي تقاتل التنظيم من الجو. و1.6 مليار دولار لتدريب القوات الكردية العراقية لمدة عامين. ومبلغ مماثل لتدريب المعارضة السورية، ولمدة عامين أيضا. وجاء في التقرير المرافق لمسودة الميزانية أن الحرب ضد "داعش" سوف "تستمر لفترة طويلة من الزمن". الإرهاب في خدمة من؟ خلال الثلث الأول من شهر ديسمبر 2014 أكد الجنرال ليونيد إيفاشوف رئيس المركز الدولي للتحليل الجيوسياسي في موسكو أن الإرهاب هو أداة جرى استخدامها بنشاط أوسع بعد أحداث سبتمبر 2001 في أمريكا وقال "إنه كان من مصلحة الأمريكيين أن يتسللوا إلى منظومات الأمن للدول وإلى منظومة القانون الدولي ليكونوا قضاة وحكاما في النزاعات الدولية لكل العالم لذلك قاموا بإيجاد أغلب تنظيمات الإرهاب". الإرهاب إيديولوجيا عابرة للحدود والتنظيمات الإرهابية أصبحت أداة في تطبيق هذه الإيديولوجيا التي جرى إطلاقها من أجل القضاء على أي حضارة تقف ضد الغرب ولهذا الغرض يجري تأسيس هياكل محددة تشكل شبكات يقودها مركز في واشنطن أو في تل أبيب. وأشار إلى أنه تحدث منذ عام 1991 عن أن الأمريكيين أطلقوا العنان لعملية تدمير الحضارة الإسلامية لأنهم اعتبروا أنها تشكل خطرا عليهم. ولفت إيفاشوف إلى أن الرسالة السنوية التي وجهها الرئيس فلاديمير بوتين إلى الجمعية الاتحادية الروسية تعتبر تحولا جيوسياسيا وتأكيدا على عودة روسيا إلى طريقها التاريخي المجرب مبينا أن سوريا من الأصدقاء الحقيقيين الجيوسياسيين لروسيا. وأضاف "إن لا أحد بإمكانه فرض العزلة على روسيا لا بالعقوبات ولا بالاستفزازات السياسية لأن موسكو من جانب آخر لم ولن تنغلق على ذاتها أبدا" مشيرا إلى أن روسيا تصبح اليوم زعيما سياسيا عالميا وأصبحت الصين زعيما اقتصاديا عالميا بينما ينزاح الأمريكيون خارج هذه الأطار لذا هم يحاولون بواسطة القوة العسكرية والاستفزازات السياسية وبالتنصت والضغط إخضاع قادة بعض الدول لإرادتهم ولخدمة مصالحهم". وبين إيفاشوف أن شعوب العالم تتضامن اليوم مع السياسة الروسية وأن النخبة الرافضة للهيمنة من قيادات العالم هي إلى جانب روسيا مؤكدا أن النخبة الأمريكية والأوساط المالية الأمريكية تكونت على حساب كوارث الشعوب الأخرى واستغلالهم للدول من خلال التدخلات العسكرية كما في الشرق الأوسط حيث دمروا العراق وقضوا على ليبيا وتحولت كل ثروات هذين البلدين لصالح الشركات الأمريكية. وأوضح رئيس المركز الدولي للتحليل الجيوسياسي أنه عندما نلاحظ كيف تتدحرج الولاياتالمتحدة للمرتبة الثانية بعد الصين اقتصاديا وبعد روسيا سياسيا من السهل التوقع ما الذي سيصيب أمريكا فيما بعد حيث نشاهد اليوم مواقف المواطنين الافروأمريكيين المعارضة لهذا النظام الدموي الذي ينتهج عمليا سياسة الإبادة العرقية. وبين إيفاشوف أن الولاياتالمتحدة ونتيجة لهذا الواقع تحاول إشعال فتنة حرب ما وتجند الرأي العام العالمي ضد موسكو. وحول الإعلام الغربي قال إيفاشوف "إن هناك خمس وكالات تقوم في البدء بتقييم هذا الحدث أو ذاك على الطريقة الأمريكية المعادية لروسيا ومعارضي واشنطن ويتوجب على باقي عالم الصحافة والإعلام الغربي أن يعيد ويكرر هذا التقييم وهذا الباقي يعد بملايين الصحفيين الذين ينبغي على كل منهم التقيد بهذا التقييم وإلا سيتعرض للطرد من العمل مباشرة إذا كتب غير ذلك ما يدل على ديكتاتورية الهرم الإعلامي في الغرب الذي يعتبر آداة رئيسية في السياسة الإستراتيجية للولايات المتحدة بتحقيق الحلم الأمريكي حول الهيمنة العالمية التي تتطلب إخضاع المصادر المالية والإعلامية والإيديولوجية لها وجعل وسائل الإعلام نوعا من أسلحة الدمار الشامل". وأشار إيفاشوف إلى أوضاع الدول التي تدخل الأمريكيون في شؤونها وإلى ما وصلت إليها تحت شعارات زائفة من قبيل حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الصحافة وغيرها بما في ذلك يوغسلافيا سابقا والعراق وليبيا وغيرها مبينا ان هذه التدخلات أفقدتها مقومات الدولة الوطنية واصطدم مواطنوها ببعضهم البعض وفقدت ثرواتها النفطية وطرقها الإستراتيجية وما زالت قياداتها تحت رحمة الولاياتالمتحدة وبريطانيا وشعوبها تتقاتل فيما بينها، فهذه هي سياستهم الإستراتيجية المسماة بسياسة "الفوضى الموجهة". عمر نجيب [email protected]