التقيت مخرجا سينمائيا من السودان بجلابيته التقليدية السودانية في مهرجان سينمائي. يحب المشاركون في المهرجانات السينمائية عادة أن يحضروا المهرجانات في ليالي الإفتتاح والختام وفي أوقات السهرات بملابس تقليدية شعبية فهي مثيرة للتصوير وتجلب أنتباه الفضائيات وأيضا تجلب إنتباه الحسناوات. الملابس التراثية الغريبة والمتنوعة تجلب الإنتباه أكثر مما تجلبه الأفلام! ملابس شعبية موريتانية وملابس شعبية خليجية وملابس شعبية هندية وملابس شعبية سودانية. لمحت الزي الذي يلبسه المخرج السوداني وهو صديق لي، لمحته بالعمامة السودانية والجلابية السودانية العريضة البيضاء. ولكن ما جلب إنتباهي للمرة الأولى أن ثمة جيب كبير في ظهر الجلابية وليس في مقدمتها. ظننت للوهلة الأولى أنه لبس الجلابية بالمقلوب، وعندما ذهبت لكي أنبهه، شاهدت مقدمة الجلابية صحيحة ومزررة عند الصدر. سألته لماذا تضعون الجيب وهو كبير الحجم في خلف الجلابية وليس في المقدمة كما هي العادة. كان الصديق يمزح كثيرا فقال لي: "نحن – السودانيين- شعب فقير. لم يهبه الله نفطا كثيرا سوى في الجنوب الذي إقتطع منا. لكننا شعب حالم ووديع عندنا تاريخ عريق وطبيعة متنوعة ساحرة يشقها النيل الأزرق منسابا حنونا. كل تلك المواصفات جعلتنا شعبا وديعا ولكننا شعب خجول جداً، وإباء النفس طاغ على شخصياتنا. في ذات الوقت فإن إقتصادنا قائم على المساعدات الخارجية فالنفط لم يستخرج من بلادنا بعد فنطلب الدعم ومنه دعم إنتاج الأفلام من مهرجانات الخليج السينمائية. عندما نطلب الدعم من بلدان الثراء لبناء مؤسسات الدراسات أو مؤسسات البحوث أو مؤسسات الثقافة أو إنتاج الأفلام، فإننا نحتاج إلى مال وسيولة نقدية ليست بحوزتنا فنحضر المهرجانات مثلا للحصول على دعم لإنتاج الأفلام، لكننا نخجل من تسلم المساعدة المالية وجها لوجه، فنضع جيوبنا في الظهر كي يوضع بها المال دون أن ننظر إلى الداعم ولا أن ينظر هو إلينا .. نحن نستحي من طلب المساعدة. هذه هي الطريقة التي نحصل بها على المال الحلال الذي يسميه الله "الزكاة" حتى لا يقرأ الموسرون ملامح الأستحياء على وجوهنا، فنضع جيوبنا في ظهورنا" هذه الجلابية التراثية أقترح أن نستوردها لنهديها لكثير من وزراء الحكومات العربية من المرتبطين بأجندة الخارج على حساب مستقبل ألأوطان ويتقاضون ثمن عمالتهم من خارج بلدانهم. فيضعون أموال الدعم في جيوبهم الخلفية حتى لا تبدو الجيوب الأمامية منتفخة فينكشف السر أمام كاميرات التلفزة أثناء اللقاءات "الوطنية" المتلفزة وحتى لا تصبح الفضيحة بجناجل! سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا [email protected]