كتب عبد العالي باروكي وهو أستاذ باحث بمعهد الدراسات الاسبانية والبرتغالية في التقديم الذي خص به ترجمة كتاب خوان غويتيصولو «إسبانيا في مواجهة التاريخ، فك العقد» بأن هذا الكتاب قد يحمل بعض المقالات التي تعود الى القرن الماضي، لكنها في مضمونها تبدو كأنها كتبت في الأسبوع الأخير أو الأسبوع الذي قبله وهذا ما يجعل هذه المقالات تحتفظ بقوتها. ويذهب خوان غويتيصولو إلى أبعد من تحليل ظاهرة الهجرة بعينها ليطرح أسئلة محرجة حول العدل الإنساني وأبعاده الديمقراطية في البلدان التي تعتبر نفسها حاملة لمشعل القيم فهو يقلب الزوايا وينظر من خلال كل الأبعاد ويفتح ملفات التاريخ ويسائل ذاكرته باعتباره إسبانيا وكاطلانيا وأوروبيا ليصل في النهاية إلى الإقتناع بتعدد أصوله وانتماءاته ليكون بذلك مواطنا عالميا. وأشار باروكي في مقدمة هذا الكتاب إلى أن خوان يتكلم في هذه المقالات أحيانا لغة الاقتصاد، وأحيانا لغة عالم الاجتماع، وأحيانا أخرى لغة رجل السياسة، وأحيانا لغة عالم اللسانيات، لكنه في النهاية لا يتكلم إلا لغة واحدة كما قال هو نفسه ، «لست عالم اجتماع ولا رجل اقتصاد ولا سياسيا ولا متخصصا (...) ولكني كمواطن بسيط يمكن أن تفيد تجربته في شيء». ويضيق أن هذا الكتاب يقرب القارئ من فترات حاسمة من تاريخ إسبانيا سواء في عهد فرانكو، أو في مرحلة الانتقال الديمقراطي أو ما بعد انضمام إسبانيا الى السوق الأوروبية المشتركة، هذه الفترات تؤرخ لمواقف الاسبان من المغاربة على الخصوص ومن كل الجنسيات والأقليات المنتشرة في البلد، كمايتوغل صاحب الكتاب في كل القضايا التي تهم التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لإسبانيا ليعطينا تحليلات يمكن إسقاطها على العديد من الدول النامية اليوم، المرتبطة أساسا بالتحولات البنيوية والعلاقة بين المتغيرات الاقتصادية والقيم الاجتماعية التي تحدث في هذه المجتمعات، وكيف أن عدم استيعابها يؤدي بلا شك إلى أخطاء تاريخية، تحسب لهذا المجتمعات على مر السنين. ونجد ضمن هذا الكتاب مقالة بعنوان «إسبانيا ومهاجروها وترجع كتابتها الى سنة 2000 يقول فيها غويتيصولو، إن المساحة الحالية المستغلة فلاحيا في ألخيدو تصل الى 17 ألف هكتار، وتصل المساحة المزروعة إلى 6000، أما عدد السكان الإجمالي لشرق ألميرية النازحين في أغلبيتهم من مناطق أخرى لاندلسيا فهو 138 ألف شخص وتصل الأرباح السنوية لزراعة الخضر والفواكه في الحقول المغطاة إلى 312 مليون بسيطة ويبلغ عدد المهاجرين في وضعية قانونية أو بدون وثائق في المنطقة كلها من أدرا إلى روكيتاس دي مار حوالي 40 ألف مهاجر. وتضيف المقالة أنه بفضل السياحة والهجرة اكتشف الإسبان قيم المجتمعات المتقدمة وأخذوها أخذ حديث العهد باعتناق ديانة ما، أي جمع الثروة والارتقاء، دون أخذ العراقيل بعين الاعتبار هذه هي قواعد الدين النقدي الجديد (والذي قد أسميه اليوم بالكالفيني) الذي يعتنقه كل سنة مئات الآلاف من المريدين. أما الفشل والفقر، فهي أمور يستنكرها الإسباني المتوسط وكلما تقدمنا خطوة مع التطرف المعهود لدينا حرقنا المتسولين بنفس الطريقة التي حرقنا بها، منذ قرون مضت، البروتستانت والكفار. وتتضمن المقالة فقرة تتحدث عن الاستغلال الإنساني للمهاجر ويعتبره نتيجة مباشرة لارتفاع وتيرة التغيرات الاجتماعية وللعجز الأخلاقي والثقافي لمزارعي شرق ألميريا في استيعاب وضعهم الجديد، فارتفاع عدد سيارات الميرسيدس يقابله ازدياد في كراهية «المورو» المستعبد في الحقول المغطاة. وهنا مفارقة قاسية: المهاجر المرغوب فيه داخل الحقول المغطاة ليس مرغوب فيه خارجها، ومجرد حضوره يثير الانتباه. وبدون مبالغة أو سخرية، نجد أن عمدة روكيتاس ينصح السينغاليين الذين استقطبهم للعمل بتفادي الظهور في الأماكن العامة (وهو شيء يبدو صعبا بالنسبة لمجموعة يبلغ معدل الطول عندها حوالي متر وثمانين!!!) ونتيجة لهذا الميز يعيش المغاربيون في أكواخ بلا ماء ولا إنارة، أو في مزارع مهجورة كانت تخزن فيها الآلات الفلاحية أو الأسمدة. وآخرون يقضون لياليهم داخل صناديق خشبية، فلا أحد تقريبا يؤجر لهم سكنا في الضاحية الحضرية ل إلخيدو ، ولا يسمح لهم بالجلوس في المقاهي أو الحانات ، منفيون في بحر البلاستيك، وفي مناطق تفتقد لأدنى البنى التحتية، ولا تتوفر فيها قبل مظاهرتهم الاحتجاجية حتى وسائل النقل التي قد تقلهم إلى الأسواق التجارية التي يقتنون منها حاجياتهم بصعوبة، اينما حلوا تستقبلهم جداريات تحمل شعارات مثل «اخرجوا إليها المورو» و «مغاربة لا، روسيات نعم». وكما كتب أحد المثقفين المحليين فهم يعتبرون مجرد وسيلة تساعد على الحفاظ على الإنتاج، مثلهم مثل أية آلة، وما عدا هذا الدور فكل شيء ممنوع عليهم. إن الاستغلال المفرط انتقل إلى ألميرية، فبعض أرباب الشركات يكترون مخازنهم ب 15 ألف بسيطة للرأس، وهكذا تحولت أرض أحلام الآلاف من المغاربة إلى أرض الكوابيس، فالمعاملة التي يلقونها حسب الصحافة أقل من تلك التي تلقها الحيوانات.