تتراكم في ليبيا وحولها مكونات تشكيل بؤرة ضخمة لنشر حالة الفوضى وعدم الإستقرار تمتد من كل الشمال الأفريقي حتى منطقة الساحل وشواطئ القارة السمراء على المحيط الأطلسي، وتتدخل في عملية التشكيل هذه رزمة من القوى الدولية والإقليمية، طرف يسعى لإعادة الإستقرار وآخر يهدف إلى فرض الهيمنة وإعادة تشكيل التوازنات بما يخدم مصالحه ويرفع من أسهمه في النظام العالمي الذي لم تكتمل أركانه منذ إنهيار الاتحاد السوفيتي خلال عقد التسعينات من القرن الماضي. بعد أكثر من ثلاث سنوات من الفوضى التي أعقبت تدخل الولاياتالمتحدة الأمريكية عبر حلف الناتو في ليبيا لإسقاط النظام، أخذت ليبيا تتقدم ولو ببطء نحو الإستقرار عبر حكومة عبد الله الثني المنبثقة عن إنتخابات شهر يونيو 2014، حكومة تسعى لإنهاء فوضى المليشيات والسلاح، ولكنها تواجه تحديات كبيرة، خاصة بعد أن رفضت حركة الإخوان الاعتراف بهزيمتها وفقدانها شرعية مواصلة الحكم، وأصرت على تشكيل حكومة موازية وإستخدام القوة لإسقاط البرلمان المنتخب والحكومة المنبثقة عنه. المسجل أنه في الوقت الذي نجحت فيه القوات النظامية الليبية الموالية للحكومة الجديدة في بسط سلطتها تدريجيا وألحقت هزائم متتالية بالتنظيمات المسلحة التي حولت البلاد إلى ساحة قتال وفوضى مستمرة، أخذت العديد من القوى الغربية تتحرك تحت غطاء تبريرات مختلفة لمنع حسم الصراع لصالح الحكومة عبد الله الثني. دفع ليبيا إلى التفكك تقول مصادر رصد أن نجاح النواة الجديدة للجيش الليبي في إلحاق الهزائم بمليشيات فجر ليبيا وإقترابها من السيطرة الكاملة على مدينة بنغازي وتحركها في إتجاه العاصمة طرابلس في الغرب، أزعج المخططين في البنتاغون ودوائر أخرى مقربة من واشنطن، ولهذا كان من الضروري التحرك، وفي خطوة أولية سعت القوى المناصرة للمليشيات المدعومة من طرف حركة الإخوان للعمل على نزع الشرعية عن حكومة الثني والبرلمان المنتخب في شهر يونيو 2014، وبالتالي تمهيد الأرضية لتحرك غربي مناهض لحكومة الثني. يوم الخميس 6 نوفمبر وبعد إجتماع تم تحت إشراف مليشيات فجر ليبيا قضت المحكمة العليا بحل البرلمان المنبثق من انتخابات 25 يونيو رغم نيله الإعتراف الدولي. وقبلت المحكمة العليا الطعن المقدم في دستورية البرلمان المنتخب في 25 يونيو وقضت بحله. وافادت وكالة الانباء الليبية التابعة لمليشيات فجر ليبيا ان "الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا تقبل الطعن في عدم دستورية" الانتخابات واصدرت بالتالي حكما "يقضي بحل البرلمان". وجاء قرار المحكمة بعد ان قدم نائب من حركة الإخوان طعنا في دستورية قرارات البرلمان. كما قبلت المحكمة ايضا بشكل مفاجئ الطعن بشان تعديل الدستور الذي قاد الى انتخابات 25 يونيو وهو ما يلغي الاقتراع وكل النتائج الناجمة عنه. يشار أنه قانونيا يعتبر قرار المحكمة العليا نهائي لا يقبل الطعن. المحلل فرج نجم ذكر ان "القرار يمنح الشرعية" للبرلمان المنتهية ولايته "المؤتمر الوطني العام" الخاضع لهيمنة الاخوان، والذي عاود نشاطه بطلب من "فجر ليبيا" حتى قبل قرار المحكمة. صلاح المخزوم نائب رئيس المؤتمر الوطني العام سارع من جانبه إلى التاكيد بأن هذه الهيئة تحترم قرار القضاء. وذكر المتحدث باسم المؤتمر الوطني العام عمر حميدان ان المؤتمر "اصبح الآن الهيئة الشرعية الوحيدة في البلاد"، مشيرا الى ان المؤتمر سيقرر خارطة طريق جديدة لليبيا. البرلمان المنتخب في يونيو رفض قرار المحكمة، في حين شدد نواب فيه على انهم لن يعترفوا بقرار المحكمة، وقال النائب عصام الجهاني على صفحته في فيسبوك ان "النواب لن يعترفوا بقرار اتخذ تحت تهديد السلاح". وتشكلت في ليبيا مطلع سبتمبر 2014 حكومتان وبرلمانان، بعد أن رفضت حركة الإخوان هزيمتها في إنتخابات يونيو. وكان رئيس الحكومة الموازية عمر الحاسي التي لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي قد دعا الى انتخابات تشريعية جديدة قائلا لفرانس برس انها" ضرورية لوضع حد للفوضى". ويقع الجزء الغربي من البلاد تحت سيطرة مليشيات تابعة عمليا لحركة الاخوان تطلق على نفسها إسم قوات فجر ليبيا وتسيطر هذه المجموعات المسلحة على العاصمة طرابلس منذ شهر أغسطس بعد رفضها نتائج الانتخابات التشريعية. بينما تسيطر الحكومة المعترف بها دوليا على الشرق بإستثاء أجزاء من بنغازي حيث تدور معارك كبيرة منذ أشهر في حين يجتمع برلمانها في مدينة طبرق الساحلية. التحرك الأمريكي بعد قرار المحكمة الليبية بأربع وعشرين ساعة ويوم الجمعة 7 نوفمبر 2014 قالت مصادر مطلعة في الولاياتالمتحدة إن إدارة البيت الأبيض بصدد "محاربة" القائد العسكري الليبي خليفة حفتر عبر فرض عقوبات تحت غطاء معاقبة الفصائل "المتناحرة" في الصراع الليبي، متجاهلة أن حفتر مخول رسميا وكجزء من الجيش الليبي التابع لحكومة معترف بها دوليا العمل على إنهاء فوضى المليشيات الإرهابية في البلاد. وذكر مسئولون أمريكيون إن العقوبات تستهدف الحيلولة دون تحول ما سموه حرب بالوكالة تغذيها قوى اقليمية إلى حرب أهلية شاملة ولإرغام زعماء متشددين على التفاوض. لكن المصادر أكدت أن خطوة كهذه تعني ترجيح كفة الميليشيات الموصوفة بالإسلامية المتشددة على أرض الواقع بسبب استحالة فرض عقوبات مؤثرة عليها، وهو أمر يبرهنه عجز واشنطن عن فرض عقوبات مشابهة على مثيلاتها في مناطق أخرى من العالم، يضاف إلى ذلك الدعم الذي تحصل عليه مليشيات الإخوان من دول حليفة لواشنطن كقطر وتركيا والذي لم تتحرك ضده إدارة الرئيس أوباما. وأدى التدخل الخارجي إلى تفاقم القتال بعد ثلاثة أعوام من سقوط نظام معمر القذافي حيث تدعم قطر وتركيا قوات على صلة بتنظيم الإخوان في حين تدعم مصر والإمارات العربية المتحدة الحكومة الجديدة. وتزود قطر وتركيا المتشددين بالسلاح والمال والدعم الاستخباراتي. وستكون العقوبات الأمريكية منفصلة عن عقوبات محتملة للأمم المتحدة تهدف إلى الضغط على الفصائل والمقاتلين الليبيين للمشاركة في مفاوضات سياسية ترعاها المنظمة الدولية ويرأسها مبعوث الأمم المتحدة بيرناردينو ليون. وستستهدف العقوبات الأممية حال تطبيقها الأفراد أو الجماعات المشاركة في القتال وليس داعميهم الأجانب وستجمد اصولهم بالاضافة إلى فرض حظر على السفر. ويبرر المسئولون الأمريكيون مشروع فرض عقوبات مرشحة لتصعيد أوسع، بأن تدخل قوى خارجية مثل مصر والإمارات يفاقم من حدة الصراع مؤكدين أن الدولتين تسلحان وتمولان القوى المناهضة لحركة الإخوان. ويروج الأمريكيون أقوالا عن أن اللواء حفتر أصبح وكيل مصر الكبير في ليبيا اذ ترى حكومة القاهرة ان وجود أنصار للإخوان وحركات متشددة على حدودها مع ليبيا يمثل تحديا رئيسيا لأمنها القومي. وتقول الولاياتالمتحدة ومسئولون من حلفائها دون أن يحاولوا إخفاء عدم رضاهم إن الإمارات العربية المتحدة تنظر إلى القيادة في مصر على أنها سد حماية لكل دول الخليج العربي ضد المتشددين ولهذا قدمت الامارات للقاهرة دعما ماليا وعسكريا. ويذكر دبلوماسيون غربيون أن السعودية وهي داعمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تؤيد التدخل المصري والإماراتي في ليبيا ولكن لا يعتقد انها تقوم بأي دور مباشر في دعم حكومة الثني. واشنطن تستدعي دعم حلفائها يوم السبت 8 نوفمبر أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية قلقها البالغ إزاء ما سمته حالة الاستقطاب السياسي في ليبيا وأكدت أن التحديات التي تواجه ليبيا تتطلب حلولا سياسية من خلال مشاورات بين الجهات المعنية، وشددت الخارجية الأمريكية في بيان مشترك مع كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ومالطا وإسبانيا والمملكة المتحدة على ضرورة وقف العلميات العسكرية وعلى دعم جهود الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وبذل الجهود لمساعدة اللبيبين. وقال البيان "تشعر حكومات الولاياتالمتحدةوكندا وفرنسا وألمانيا ومالطا وإسبانيا والمملكة المتحدة بالقلق العميق إزاء حالة الاستقطاب السياسي في ليبيا وندرس بدقة قرار المحكمة العليا وعواقبه ونشير أن التحديات التي تواجه ليبيا تتطلب حلولا سياسية ونحن ملتزمون بمساعدة الليبيين في هذا الوقت العصيب". وأضاف البيان "نحث جميع الأطراف على وقف العمليات العسكرية والامتناع عن اتخاذ خطوات تزيد من حالة الاستقطاب والانقسام داخل البلاد ونؤكد على دعمنا الكامل لجهود الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ونحث جميع الأطراف على التعاون معه لضمان إجراء مشاورات فورية وشاملة بين الجهات المعنية للاتفاق على طريقة للمضي قدما". الجنوب الليبي ومثلث "الجهاديين" تفيد تقارير مصادر رصد أوروبية أن منطقة الجنوب الليبي أصبحت ملاذا آمنا وطريقا سهلة لعبور الجهاديين الليبيين والأجانب في بلدان المغرب العربي وشمال إفريقيا خصوصا أولئك المحملين بالأسلحة التي نهبت من الترسانة العسكرية للعقيد الراحل معمر القذافي، وتضيف أن هؤلاء ينفذون عمليات عسكرية بعضها تحركه أجهزة استخبارات دول كبرى ترفع علنيا شعارات محاربة الإرهاب وتزج بقواتها من حين لآخر للتدخل في دول داخل القارة الأفريقية وخارجها. في العاصمة الفرنسية باريس يقول مراقبون أن ما يدل على تجدد أنشطة الجهاديين في الصحراء الليبية العملية العسكرية الفرنسية التي استهدفت في 10 اكتوبر قافلة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال النيجر، قالت عنها الرئاسة الفرنسية إنها "كانت تحمل أسلحة من ليبيا إلى مالي". حينها دعا وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان المجتمع الدولي مجددا إلى "التحرك" لمواجهة المخاطر القادمة من ليبيا، خصوصا بعد فرار المتشددين من شمال مالي بعد الحملة العسكرية الفرنسية في 2013 إلى جنوب ليبيا للاستفادة من الفوضى هناك، وشراء الأسلحة والتدريب ثم العودة. ووفقا لخبراء، فإن هؤلاء الجهاديين يمرون عبر ما يعرف باسم "مثلث السلفادور" الواقع بين مالي والجزائر والنيجر، والذي لطالما اتخذ طريقا لتهريب المهاجرين السريين والمخدرات، إضافة إلى تأمين تنقل سلس للإرهابيين بين شمال إفريقيا وبلدان منطقة الساحل والصحراء، لاسيما عبر ليبيا التي لها حدود واسعة مع الجزائر والنيجر. ومنذ سقوط معمر القذافي في العام 2011 ونهب ترسانته العسكرية، ازدهرت حركة تهريب الأسلحة في هذه المنطقة خصوصا مع الحدود الواسعة التي يسهل اختراقها، والتي تخرج عن نطاق السيطرة. الأكاديمي الليبي محمد محمود الفزاني يقول إن "الجنوب الليبي أصبح ملاذا للمتشددين بعد الحملة العسكرية الفرنسية في مالي وسقوط النظام في ليبيا"، لافتا إلى أن "الحدود بين النيجر وليبيا والجزائر تصعب جدا مراقبتها". وأضاف أن "هذه المنطقة الشاسعة سهلة الاختراق ولا يمكن لأي قوة عسكرية أن تدعي القدرة على السيطرة عليها ما لم تملك أحدث التقنيات والعدد الكافي من الجنود". وأوضح الفزاني وهو الخبير في الحركات الموصوفة بالإسلامية أن "المتشددين يعرفون تماما المنطقة ويمكنهم التسلل كما يحلو لهم بلا مشاكل وهم على اطلاع جيد بالأوقات المناسبة للتسلل من خلال عيونهم في عدة مناطق بل وفي مؤسسات الدول الرسمية". وأشار إلى أن "تجربة المتشددين في تلك المناطق وخبرتهم لها جعلتهم يتحركون ويتنقلون باستمرار، ويتجنبون إثارة الانتباه ويقيمون حيث يلزم قواعد لوجستية لخزن السلاح والمؤمن مطمورة في الرمال يمكنهم العثور عليها لاحقا بتقنية جي بي اس وغيرها". ولفت إلى أنهم "لا يعيرون اهتماما للحدود الرمزية في هذه الصحاري المترامية ويتمركزون في مناطق مختلفة لبضعة أسابيع حيث يعرفون أنهم بأمان حتى وإن كانت الظروف المناخية قاسية". وأكد الفزاني أن مناطق الجنوب الليبي كانت مقرات دعم لوجستي للحركات الجهادية في تلك المناطق كان آخرها والمعلن عنه الدعم الذي قدمه ليبيون متشددون للذين اقتحموا حقل الغاز في آن أمناس بالجزائر في يناير 2013 والذي راح ضحيته 37 أجنبيا". غير أن مسؤولا محليا في مدينة سبها قلل من أهمية تواجد المتشددين في تلك المناطق، قائلا "حتى وإن وجدوا فإنهم بأعداد صغيرة". وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه لوكالة فرانس برس إن "الجهاديين لا يتمركزون في منطقة من مناطقنا ولكنهم يتنقلون بأريحية عبر الحدود والصحراء الشاسعة من وإلى ليبيا". لكن جايسون باك، وهو باحث في التاريخ الليبي في جامعة كامبريدج ورئيس موقع "تحليل ليبيا" على شبكة الإنترنت، قال إن الجنوب الليبي "هو أكثر بكثير من مجرد منطقة عبور". وأضاف أن "الجهاديين تراجعوا من شمال مالي إلى جنوب ليبيا وأنشأوا معسكرات للتدريب وعملوا من هناك عبر شبكات التهريب". وتابع باك "لقد رصدت الطائرات دون طيار ووكلاء الاستخبارات الغربية تلك المعسكرات"، لافتا إلى أن "هناك روابط بين هذه الجماعات والميليشيات الليبية المتمركزة في الشمال الشرقي لليبيا". وتسيطر الجماعات الجهادية فعليا على مدينة درنة شرق ليبيا، في حين تسيطر مليشيا أنصار الشريعة على طرابلس. وقد أكد المتحدث باسم رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي لوكالة فرانس برس وجود معسكرات تدريب للمتشددين في الجنوب خارج سلطة الدولة. وقال العقيد أحمد المسماري إن "الجيش يعاني من نقص الإمكانيات والموارد وغير قادر على توفير دوريات منتظمة في تلك المناطق الشاسعة خصوصا مع خوضه لمعارك ضارية في الشمال" سعيا لاستعادة السيطرة على مدينتي طرابلس وبنغازي. ووفقا لمسؤول في جهاز المخابرات الليبية "هناك تقارير عن وجود ثلاثة معسكرات سرية" في جنوب ليبيا حيث يتم تجنيد مئات الجهاديين من شمال أفريقيا، وأفريقيا الوسطى وغربها إضافة إلى جنوب الصحراء الكبرى وتدريبهم ليتم إرسالهم فيما إلى شمال مالي أو سوريا أو العراق ومصر وتونس وموريتانيا. وأضاف أن "هذه المعسكرات باتت الممول الأول بالجهاديين الجاهزين للقتال مع مختلف الجماعات المتشددة في أماكن متعددة من العالم". سياسات الاحتواء أتهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما مرارا وتكرارا من جانب خصومه وفي مقدمتهم أعضاء الحزب الجمهوري بإتباع سياسة مشبعة بروح التأخير والتردد في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه أمريكا. ويقول النقاد إنه ماطل في إرسال مزيد من القوات إلى أفغانستان لكسب نصر حاسم ضد حركة طالبان قبل إنسحاب قوات الناتو، ثم لاحقا في العراق لوقف تقدم كل من المقاومة العراقية وحركة داعش وبالتالي أصبح خطر عودة حزب البعث للحكم في بغداد واردا، كما فشل في التصدي للمخاطر في ليبيا بعد سقوط حكم الإخوان، وفي تقديم الدعم الكافي للمسلحين في سوريا ثم تراجع عن التدخل عسكريا ضد حكومة دمشق بسبب التحذيرات الروسية. ويضيف النقاد أن إدارة أوباما فشلت في ردع الجيش المصري عن التدخل لإسقاط حكم حركة الإخوان، ولم تفرض عقوبات كافية ضد سلطات القاهرةالجديدة كفيلة بإعادة الرئيس محمد مرسي إلى القصر الجمهوري. في دفاعهم عن سياسة أوباما يقول أنصاره، أن الرئيس الأمريكي يتبع تكتيكات من شأنها الوصول إلى النتائج المرجوة دون ركوب مخاطر كبيرة ومكلفة ماديا وبشريا على عكس ما كان يقوم به الرئيس السابق بوش. المحلل برايان مايكل كتب عن سياسة أوباما الحذرة والذكية حسب تقديره: ولكن هل هذا أمر سيئ بالضرورة؟ فالمماطلة المحسوبة اعتبرت على مر التاريخ استراتيجية عسكرية فعالة. ويرجع تاريخها على الأقل إلى الحرب البونيقية الثانية في القرن الثالث قبل الميلاد. ففي ذلك الوقت، نجح جيش هانيبال القرطاجي، الذي يضم مجموعة من الفيلة، كدلالة على قوته، في غزو شمال إيطاليا، متجها من شمال أفريقيا عابرا إسبانيا وجبال الألب. وألحقت قواته بجحافل روما الجبارة هزيمتين مذهلتين، أدخلتا البلاد في حالة من الذعر. حكم الجمهورية الرومانية خلال أوقات السلم كل من مجلس الشيوخ وقنصلان منتخبان، كانت مهمتهما العمل سوياً مدة عام كامل. ولكن خلال الأزمات، كان لمجلس الشيوخ خيار تعيين زعيم واحد فقط لتسهيل القيادة. وعين مجلس الشيوخ خلال فترة حكم هانيبال كوينتس فابيوس ماكسيموس، الذي خدم في ذلك الوقت في منصب القنصل مدة فترتين كاملتين. وتوقع الجميع أن يهزم فابيوس ماكسيموس، وهو زعيم محبوب وخبير في القيادة، قوات هانيبال بسرعة، ولكنه لم يفعل. وتجنب بدلاً من ذلك الخوض في معارك كبرى، في حين ضيق على جيش هانيبال الخناق ومنعه من الحصول على الإمدادات، ما أدى إلى تدهور وضعه وقدراته تدريجياً. وعرفت هذه باستراتيجية الاحتواء. ولكن الرومان لم يكونوا مسرورين بهذه الاستراتيجية. فالإعراض عن معركة ما لم يكن طقسا رومانيا، وإنما إهانة لعظمة روما. وعليه، نعت الناس فابيوس مكسيموس ب "كونكيتر" أي المُؤخر. وقصدوا إهانته بذلك. واستبدل فابيوس مكسيموس ليحل محله قنصل آخر، كان عازما على مواجهة هانيبال مباشرة. وسارت جحافل فرق الروم الثماني تحت قيادة القنصل الجديد لتدمير قوات هانيبال. والتقى الجانبان في منطقة كاناي، في ما تبين لاحقا أنه أكبر كارثة عسكرية في روما. وذبح ما بين 50 إلى 70 ألف جندي روماني، وأسر أكثر من عشرة آلاف جندي آخر. وجعلت كارثة كاناي فابيوس مكسيموس يبدو بطلا، وبحث الرومان مرة أخرى عمن أسموه ب "المُؤخر" لإنقاذ الجمهورية. وأصبحت صفة "كونكيتر" عنوانا يدل على التعقل والحكمة والاحترام. ومنذ ذلك الحين، اتبع قادة عسكريون آخرون ما أصبح يعرف باسم الاستراتيجية "الفابية"، ومن بينهم الرئيس الأمريكي جورج واشنطن، الذي تجنب الخوض وجها لوجه في معارك مع البريطانيين، خلال السنوات الأولى من حرب استقلال الولاياتالمتحدة. النهج الفابي قد يكون للاستراتيجيات معنى في حال أفضى التورط في مغامرة عسكرية إلى نتائج مكلفة وغير مجدية، أو في الحالات التي يكلف فيها العمل العسكري عددا كبيرا من الضحايا، بحيث ينقلب رد فعل الناس ضد الجهد المبذول عسكريا. ولكن حتى عندما يكون الإحجام عن الحرب هو الخيار الصحيح، لا تكتسب الاستراتيجيات الفابية شعبية خاصة. فالناس يفضلون الانتصارات السريعة، مقارنة بالحملات الواسعة متدنية النتائج. وقد يضعف تواصل المعركة لفترة طويلة الروح المعنوية، وقد يستهدف دعم الجهد المبذول في الحرب. وقد تغضب الاستراتيجية الفابية قادة داخل البلاد، وقد تثير فزع الحلفاء في الخارج. فجزء من حروب اليوم هو تلاعب في المفاهيم، وقد تبدو هذه الاستراتيجيات نوعا من الاسترضاء. وعلاوة على ذلك، قد يقود التأخر في مواجهة الأعداء بقوة إلى نتائج كارثية. فهل كان ينبغي على العالم عدم التدخل مبكرا، على سبيل المثال، لوقف هتلر؟ وسيجادل المؤرخون ما إذا كان نهج أوباما المتشكك في دخول الصراعات أمرا حصيفا أو نوعا من الضعف. فالأدلة حتى الآن غامضة. وقال الرئيس الأمريكي إن الحرب على "داعش" ستكون "حملة طويلة الأمد"، حيث لا تتضمن "حلولاً سريعة". ولم يحدد أوباما أي موعد نهائي لاستكمالها. الإدارة الأمريكية لم تؤطر نهجها علنيا، كجزء من استراتيجية فابية، ولم تستخدم أي إدارة أمريكية هذا المصطلح. ولكن الزعماء الذين يتبعون الاستراتيجيات الفابية لا يعلنون عن مواعيد محددة لانسحاب قواتهم، ولا يضعون خطوطاً حمراء لحروبهم. عرقلة جهود محاربة الإرهاب في إنتقاد واضح للمناورات الغربية اتهم رئيس الحكومة الليبية عبد الله الثني المجتمع الدولي بالتلكؤ والمماطلة في مساعدة بلاده في حربها المعلنة ضد الإرهاب والتنظيمات المتطرفة. وقال الثني في حوار صحفي يوم 9 نوفمبر إن "الجميع يماطل في مساعدتنا". وأضاف أن "لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي تتعامل ببطء شديد مع طلبات الحكومة الليبية لشراء الأسلحة لصالح الدولة الليبية لتطهيرها من الإرهاب والتطرف، وتتعامل معها بروتينية وبيروقراطية شديدة تؤخر وصولها إلى الجيش الليبي". واعتبر الثني أنه يتعين على العالم أن يفهم أن الشعب الليبي وحكومته ماضيان بإصرار في مكافحة الإرهاب، لافتا إلى أن الشعب الليبي قرر أن يخوض معركته بنفسه ولا يريد من أحد أن يقاتل نيابة عنه. وأوضح أن مجموعات مختلفة دخلت في مؤسسات الدولة خاصة المؤتمر الوطني العام "البرلمان السابق المنتهية ولايته"، وحاربت المحاولات التي بذلها الليبيون من أجل إعادة بناء الجيش والشرطة لحماية الوطن والمواطن وإرساء الأمن. ونفى الثني وجود أي تضارب داخل قيادة قوات الجيش الليبي، مؤكدا أن كل القطاعات والوحدات في الجيش الليبي تخضع لأوامر رئاسة الأركان العامة التابعة لوزارة الدفاع وتتقيد بالتعليمات الصادرة إليها، معلنا أن كل العمليات بين المؤسسة العسكرية والسلطات السياسية تتم في توافق تام. وقال الثني، الذي يدير حكومته بشكل مؤقت من مدينة البيضاء في شرق ليبيا، إن حكومته سوف تعود إلى العاصمة طرابلس عندما يعلن الجيش الليبي تحريرها بالكامل ويتم تأمين كل مؤسسات الدولة وتمكين العاملين فيها من القيام بأعمالهم تحت إشراف الحكومة الشرعية. في غضون ذلك وفي رد غير مباشر على الدعم الخارجي الذي تحصل عليه المليشيات التابعة للإخوان من دول حليفة لواشنطن، أقر مجلس النواب الليبي إقالة مفتي البلاد، الشيخ الصادق الغرياني، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، من منصبه بعد أن حرض على مقاومة الحكومة بالسلاح وإنحاز إلى مليشيات فجر ليبيا. الدفاع عن سياسات أوباما ونتنياهو في نطاق الدفاع عن سياسة الرئيس اوباما خاصة في المنطقة العربية قدم عدد من كبار المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية والخارجية عروضا أمام الكونغرس مؤكدين أن واشنطن مهتمة بما سموه استقرار ليبيا ومنع التدخل الأجنبي في شؤونها. ويقدر عدد لا يستهان به من المحللين أن المواقف الأمريكية من القضايا الموصوفة بالساخنة في منطقة الشرق الأوسط متوازية ومتطابقة في أهدافها سواء تعلق الأمر بليبيا أو سوريا وفلسطين ولبنان ومصر والسودان والصومال واليمن ومنطقة الخليج العربي وشمال أفريقيا. هذه السياسة ترتكز على إعادة رسم الحدود بما تراه واشنطن وسيلة لنظم مستقرة قادرة على المساهمة في بناء عالم تسوده القيم الأمريكية. المحلل السياسي جوشوا لانديس، مدير مركز أوكلاهوما لدراسات الشرق الأوسط، ذكر إن خطة الإدارة الأمريكية بدعم الثوار السوريين ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يعرف ب"داعش،" لن تعمل. وأضاف: "بحسب معلومات مركز الاستخبارات الأمريكية فإن هناك أكثر من ألف ميليشيا في سوريا.. الرئيس أوباما دعم الثوار المعتدلين بمبلغ وصل إلى نصف مليار دولار وهذه الأموال لن تكفي لدعم جيش". وأشار المحلل الأمريكي إلى أن الحل الممكن هو أن يتم تقسيم سوريا إلى جزئين، الجزء الأول إلى الشمال وهو دولة سنية فيها الميليشيات الإسلامية وداعش، وإلى الجنوب دولة لنظام بشار الأسد". وأردف قائلا: "علينا قبول الواقع، هناك دولة إسلامية سنية تمتد من أطراف بغداد إلى حلب بسوريا، وأن القيام بقصفها أمر غير مجد، وأن الحل يكمن في قبول هذه الدولة ومحاولة دعم قيادات أفضل لها". رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكي، الجنرال مارتن ديمبسي صرح من جانبه، أن حملة أمريكية من أجل تحويل كفة موازين القوى من الرئيس بشار الأسد للمعارضة "ستكون مهمة ضخمة، تكلفتها مليارات الدولارات، وقد تعود بنتائج عكسية على الولاياتالمتحدة". ووضع ديمبسي أمام مجلس الشيوخ الأمريكي خمسة خيارات عسكرية متاحة لوقف "الحرب المعقدة في سوريا" إذا قرر الرئيس باراك أوباما التدخل في هذه الحرب، موضحا تفاصيل تتعلق بلوجيستيات وتفاصيل كل خيار منها، فأشار إلى أن الهجمات بعيدة المدى على الأهداف العسكرية للنظام السوري من شأنها أن تتطلب "مئات الطائرات والسفن والغواصات، وإمكانات مساعدة أخرى" وستكون تكلفتها "المليارات". وتتنوع هذه الخيارات بين تدريب قوات المعارضة إلى شن غارات جوية وفرض منطقة حظر جوي على سوريا والسيطرة على الأسلحة الكيماوية وقصف مواقع محددة. وأكد ديمبسي على الطبيعة الأساسية للتخطيط، وابلغ لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ "تنظر عملية تقدير القائد حقا في ... ما هي المهام المحتملة وما هو ترتيب العدو للمعركة وما هي قدرات العدو ... ما هي القوات المتوفرة ومقدار الوقت. ومن ثم المهمة والعدو والتضاريس والقوات والوقت. هذا هو تقدير القائد". وحذر ديمبسي من أن الدفاعات الجوية السورية أكثر تقدما بكثير من تلك التي كانت في ليبيا أو البوسنة. وقال "لديهم أنظمة دفاع جوي تفوق في تطورها تقريبا خمسة أمثال الأنظمة التي كانت موجودة في ليبيا وتغطي خمس المساحة... كل دفاعاتهم الجوية تنتشر على الحدود الغربية وهي مركز سكانها". وعبر ديمبسي عن تردده في أن يناقش علنا مسألة الدول التي تورد الأسلحة إلى سوريا. وفي وقت لاحق إتبع رئيس الأركان الأمريكي الإدلاء بتصريحات حول موردي الأسلحة إلى ليبيا. وقال آرام نركيزيان المحلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن مسئولي الدفاع لهم مبررهم في انتهاج سياسات حذرة خاصة تجاه سوريا نظرا لقوتها العسكرية وانقساماتها السياسية. وقال نركيزيان "الحقيقة ان سوريا أكبر وأكثر تعقيدا من أن يمكن القفز عليها دون أخذ نبض حقيقي عن اللاعبين وما هي الاحتمالات الحقيقية وكيف يمكن أن يحدث هذا في ارض الواقع". وبخصوص قضية الوضع في فلسطين المحتلة قال الجنرال مارتن ديمبسي يوم الخميس 6 نوفمبر إن إسرائيل بذلت "جهودا استثنائية" للحد من سقوط ضحايا من المدنيين في الحرب الأخيرة في غزة وإن البنتاغون أرسل فريقا ليستخلص الدروس المستفادة من العملية. وأقر ديمبسي بصحة التقارير الاخيرة التي تنتقد سقوط قتلى مدنيين خلال حرب غزة التي استمرت 50 يوما هذا العام لكنه أبلغ مستمعين في نيويورك بانه يعتقد أن قوات الدفاع الإسرائيلي "فعلت كل ما في وسعها" لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين. واتهم تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش في سبتمبر إسرائيل بارتكاب جرائم حرب بمهاجمتها ثلاثة مدارس تديرها الأمم المتحدة في قطاع غزة في حين قال منظمة العفو الدولية في تقرير نشر يوم الأربعاء 5 نوفمبر إن إسرائيل اظهرت "لا مبالاة قاسية" للمذابح الناجمة عن الهجوم على أهداف مدنية. وسئل ديمبسي عن التداعيات الاخلاقية لتعامل إسرائيل مع الحرب في غزة خلال ظهور له في مجلس كارنيغي للاخلاق في الشؤون الدولية في نيويورك فقال للحضور "أعتقد تماما أن إسرائيل بذلت جهودا استثنائية للحد من الأضرار التبعية والضحايا من المدنيين". وأضاف "في هذا النوع من الصراع حيث تكون ملتزما بمبدأ لا يلتزم به عدوك فسوف تكون عرضة للانتقادات عن سقوط ضحايا من المدنيين". وقال ديمبسي إن حركة حماس حولت غزة إلى "مجتمع تحت سطح الأرض تقريبا" بالانفاق التي تحفرها في كل مكان في القطاع الساحلي. وتابع "سبب هذا بعض التحديات الكبيرة لقوات الدفاع الإسرائيلية. لكنهم قاموا ببعض الاشياء الاستثناية لمحاولة الحد من سقوط ضحايا من المدنيين منها". عمر نجيب [email protected]