سبق وأن كتبت عن محاولات الاخوان الحثيثة التي مارستها من أجل اختراق المجتمع، وسبب اهتمامي بهذا الموضوع هو ان الجمعيات ذات التوجه الوطني والعقائدي الصحيح تسعى دائما الى التماهي مع المجتمع والاندماج فيه وليس اختراقه، فالجسم الغريب هو الذي يخترق، أما الجسم الطبيعي فهو الذي ينشأ ليندمج، ورغبة الاخوان في الاختراق تقوم على أساس عقائدي يرى ان المجتمع ليس مسلما أو أنه على أقل تقدير يعيش مع اسلام ناقص، ووفقا لأفكار الجماعة فان المجتمعات الجاهلية لا يجوز الاندماج معها حتى ولو من أجل اصلاحها، ولكن يجب اختراقها لتغيير تركيبتها العقائدية، واذا كانت الجماعة قد استطاعت ان تخترق بعض مؤسسات الدولة كالشرطة والقضاء والجيش الا أنها في ذات الوقت وجدت أنه لا مناص من اختراق المجتمع المدني، ولا يكون ذلك الا من خلال مراكز الأبحاث الاخوانية التي تعتبرالذراع الفكرية لجماعة الاخوان المسلمين، والمصدر المعلوماتي لها، والتي من خلاله تستطيع التوغل في أعماق المجتمع ومؤسساته بحرية كبيرة من غير ان يجابهها أحد بالحظر القانوني وعدم الشرعية، بالاضافة الى قيامها بوظيفة الجسر أو الكوبري الموصل بين الجماعة ومنظمات المجتمع الدولي. كانت البداية منذ ان أصبح «عمر التلمساني» مرشدا رسميا لجماعة الاخوان المسلمين عام 1976 وقتئذ كان العديد من الأخوان سواء ممن كانوا قد تركوا الجماعة أو خرجوا من السجون قد بدأوا في العودة الى أحضانها مرة أخرى فأراد التلمساني استغلال ملكاتهم الفكرية فاستثمر مقر جماعة الاخوان في شارع سوق التوفيقية بمنطقة وسط البلد، الذي كان في ذلك الوقت مقرا لمجلة الدعوة والتي كانت قد بدأت في الظهور بعد توقف فترة طويلة في تأسيس مركز للدراسات أطلق عليه اسم «تقوى» وذلك بالتعاون مع «محمد المسماري»، و«عبدالله سليم» المحاميان، ثم اشترك معهما فيما بعد الدكتور «عبدالله رشوان»، ليعد أول مركز اخواني يهتم بالأمور البحثية. ومن بعد بدأت مراكز الأبحاث الاخوانية في الظهور بكثرة في منتصف الثمانينيات وبداية التسعينيات، وكان سبب هذا الظهور المبكر المتزايد هو فشلهم في دخول المنظمة «المصرية لحقوق الانسان» التي كانت مكونة من نشطاء ناصريين وشيوعيين بالاضافة الى بعض الليبراليين مثل المرحوم «عبدالعزيز محمد» عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، و«يحيى الجمل» الفقيه الدستوري والوزير السابق. وعندما حاول الاخوان دخول هذه المنظمة والسيطرة عليها ومصادرتها لخدمة مصلحتهم وقف القائمون عليها وقفة حادة ضدهم، ولم يسمحوا لهم حتى بالانضمام لعضوية الأمانة العامة للمنظمة، وان كانوا قد سمحوا بدخول شخصيات اسلامية مستقلة محسوبة على جماعة الاخوان مثل الدكتور «محمد سليم العوا» الذي كان عضوا بالأمانة العامة للمنظمة. أيقن الاخوان من فشلهم في دخول مثل هذه المنظمات فبدأوا في التوسع في انشاء مراكز حقوقية وبحثية، وفي الحقيقة ان هذه المراكز كانت غطاء سياسيا للجماعة استغلتها الجماعة زمنا طويلا وجعلتها عملا موازيا للنقابات المهنية التي كان الاخوان قد بدأ في عملية غزوها. وتزايدت أعداد مراكز الأبحاث الاخوانية بشكل كبير حتى وصل عددها مابين 20 الى 25 مركزا، انتشرت في العديد من المحافظات كالقاهرة والاسكندرية والغربية والدقهلية والعديد من المحافظات الأخرى، وقد كان الاخوان في بادئ الأمر ينشؤون هذه المراكز على كونها جمعية وفقا لقانون الجمعيات، الا أنهم عندما وجدوا صعوبة في تكوين تلك المراكز بعد ان كشفت الجهات الادارية أغراضها وأصبحت ترفض اعطاء الترخيص لها لجأوا الى تغيير طريقة انشاء مراكزهم، وأصبحوا ينشئونها على أنها شركة مساهمة يكون رأس مالها ألف جنيه فقط، وفور اصدار السجل التجاري يصبح من حق أصحاب الشركة ممارسة عملهم في المجالات البحثية دون أي رقابة! وقد كان هذا هو الحل السحري الذي اهتدى اليه الاخوان أو كان هو «عصا موسى» التي شقت لهم طريق العمل السياسي دون رقابة أو مؤاخذة، ثم فتحت لهم المجال بعد الثورة وأثناء حكمهم للظهور الزائف بمظهر المدافع عن حقوق المجتمع وحرياته. واذا نظرت حاليا لواقع جمعيات حقوق الانسان في مصر فستجد ان معظمها اخواني الهوى أو الولاء، تتحرك بها الجماعة لتخدم أهدافها، وتُصدر من خلالها بيانات «الشجب والاستنكار والادانة» لتعطي انطباعا مضللا لدى الرأي العام الدولي ان هناك مؤسسات مدنية مستقلة تقف مع الجماعة في حروبها التي تشنها ضد مصر.