تعد هذه السنة، لحظة تربوية فارقة بالنسبة للنظام التعليمي ببلادنا، إذ ستعرف مباشرة المجلس الأعلى للتربية والتكوين أعماله بعد تنصيب أعضائه خلال الصيف، والبداية الفعلية لتطبيق مجموعة من الاجراءات والاصلاحات التي أقدمت عليه الوزارة ونتحدث هنا عن الباكالوريا الدولية والباكالوريا المهنية وإحداث مسلك الادارة التربوية بالمراكز الجهوية لمهن التعليم، وتمديد سن التقاعد للعاملين في القطاع بمرسوم استثنائي وخصوصا المحالين على التقاعد بداية الموسم وذلك حتى نهاية السنة الدراسية، التنزيل الفعلي لإصلاح أنظمة التقاعد، التفكير الجدي في إدماج الجامعات لتصبح أقطابا تعليمية... وعلى الرغم من قبول المعنيين والشركاء بهذه الاجراءات من عدمه وما أثارته طريقة التنزيل من نقاش ،فإن السنة ليست سنة عادية، ولا لحظة تكرار خطابات أكدت الأيام عدم مصداقيتها، وعمقت أزمة الثقة بين الفاعل التربوي والسلطات الوصية، وبين المدرسة المغربية ومحيطها. الإصلاحات والتدابير المتخذة هذه السنة تطرح من جديد نوايا سلطات التربية والتكوين على المحك، خاصة فيما يخص ما المسكوت عنه في الصلاح كالبرامج والمناهج ولغة التدريس وملف التفتيش وملف العالم القروي، وتقييم برنامج "تيسير" وعملية مليون محفظة، والمدرسة الرقمية... وهي ملفات يعتبرها فاعلون نقابيون ومهتمون بالشأن التربوي ويرفضون ما تتحجج به الوزارة بضرورة إعطاء الأولوية للبنيات التحتية كبناء المؤسسات وتجهيزها، على حساب تصحيح اختلالات المناهج والبرامج التربوية، وتحيينها، وتصحيح الأخطاء الكبرى التي شابت ميثاق التربية والتكوين، وما ينخر المدرسة العمومية والتعليم المغربي من اختلالات كبرى التي تعطي الانطباع أن المغرب التربوي اليوم بكافة متدخليه لن يبق مستقرا فقط على القضايا و المشاكل التي كرست تأخر تعليمه وتخلفه ليس على المستوى الدولي فقط بل على الخريطة العربية الإفريقية وحتى الإقليمية، و لكنه سوف ينجر لا قدر الله إلى الأسوأ بسبب ازدياد عدد خريجيه من العاطلين، و بسبب اتساع رقعة العنف داخل مؤسساته و التهميش لأطره و والانتشار المتنامي للتعصب والمخدرات، وتحويله إلى حقول تجارب على حساب الإفلاس المتواصل للسياسة الحكومية، و برامجها و إستراتيجيتها . في السابق عندما تحدث الحسن الثاني عن السكتة القلبية التي كانت تهدد المغرب فقد غير الدستور وفتح المجال للمعارضة للمشاركة في التدبير،الشعب من جهته تلقف اللحظة وعانقها بصدق وانخرط بفاعلية في الأوراش المقترحة يحدوه أمل وضع البلاد على سكة التنمية. وقد سجلت حينها مثلا أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات المغربية (بغض النظر عن صدقية النسبة). الآن تتكرر نفس الملامح مع اختلاف الزمن والأسباب، لكن مع اعتراف الجميع بالحالة التي وصل إليها التعليم ، وتدخل أعلى سلطة في البلاد من خلال خطابين متتابعين لسنتين حول وضعنا التعليمي وآفاق الخروج من هذه الأزمة ، نتمنى أن تتلقف الحكومة وكذا الفاعلون والمعنيون الاشارات والاجماع الوطني حول هذه القضية للانتقال من مراحل الفحص السريري والتشخيص والإنذار، التي طالت، إلى مرحلة الجراحة و العلاج.