وجه بنك المغرب صفعة مؤلمة للحكومة حين ضمن تقريره الفصلي معطيات وأرقام تسفه وتتناقض مع التوقعات التي بنت على أساسها حكومة بن كيران مشروع قانون ماليتها للسنة الجارية . وكشفت توقعات والي بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري أن الحكومة أخطأت التقدير حين وعدت قبل سنة بتحقيق نسبة نمو في حدود 4,2 في المائة بالنسبة للسنة الجارية في الوقت الذي تفيد حسابات بنك المغرب أنها لن تتجاوز في أحسن الأحوال 2,5 في المائة . تقرير بنك المغرب الذي تعرض العلم مضامينه و تستطلع أراء خبراء إقتصاديين لاستنطاق أرقامه يعبر عن تشريح موضوعي للوضع الاقتصادي للبلاد بعيدا عن لغة التفاؤل المجازفة التي عودتنا حكومة السيد بن كيران على ترديدها دون تحفظ تستلزمه حساسية الظرفية و تحدياتها. وفي هذا الإطار، أدلت الأخت مونية غولام عضوة الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب بتصريح جاء فيه: «لقد أكدنا خلال مناقشة قانون المالية لسنة 2014 أن معدل نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2014 لن يتجاوز 3 في المائة، وعلى الرغم من أن كل التوقعات، خاصة توقعات المندوبية السامية للتخطيط، كانت تشير إلى أن معدل نمو اقتصادنا الوطني برسم سنة 2014 سيتسقر في حدود 2,5 في المائة، الا أن الحكومة أصرت على اعتماد نمو 4,2 في المائة لسنة 2014 في بناء قانون المالية وتوقع المداخيل الجبائية وكذا عجز الميزانية الذي حددته الحكومة في 4,9 في المائة. لقد كان من الواضح أن معدل نمو الاقتصاد الوطني سيكون ضعيفا بالنظر لتوقعات السنة الفلاحية وكذا الإجراءات «أللااقتصادية» المتخذة من طرف الحكومة، والتي افرزت حالة من فقدان الثقة والانتظارية وسط كل الفاعلين، خاصة الاقتصاديين، مما كان له انعكاس سلبي على وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. اليوم، وبعد أن راجعت الحكومة بنفسها هذا المعدل من 4,2 الى 3,5 في المائة، وبعد أن خفض بنك المغرب توقعاته الى 2,5 في المائة، فان الحكومة مدعوة إلى إقرار مراجعة جديدة لتوقعاها وخفض معدل نمو سنة 2014 الى 2,5 في المائة، مما سيكون له انعكاس على تنفيذ قانون المالية لسنة 2014 وبالتالي سيرتفع عجز الميزانية العامة عن المستوى الذي التزمت به الحكومة والمحدد في 4,9 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي كل هذا يؤكد منظورنا في حزب الاستقلال وفي الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، أن الحكومة لا تتوفر على سياسة اقتصادية متكاملة وواضحة المعالم وأنها تكتفي بإجراءات ارتجالية معزولة، مما يؤثر سلبا على مستويات النمو والتشغيل إن مراجعة بنك المغرب للسعر المرجعي للفائدة الى هذا المستوى الذي لم يعرفه الاقتصاد الوطني من قبل لأكبر دليل على الركود الاقتصادي الذي تعرفه بلادنا والذي لا شك انه سيكون له انعكاس على وضعية سوق الشغل وعلى معدل البطالة وعلى المعيش اليومي للمواطنين والمواطنات». وأضاف أن وتيرة النمو الاقتصادي تباطأت إلى 1,7% في الفصل الأول من 2014 ، مع تحسن الناتج الداخلي الإجمالي غير الفلاحي بنسبة 2,2% وانخفاض القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 1,6%. وأخذا بعين الاعتبار التطورات الأخيرة للمؤشرات المتوفرة خلال السنة، يتوقع ارتفاع الناتج الداخلي الإجمالي غير الفلاحي بحوالي 3% وانخفاض القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بما يناهز 2,5%. وبالنسبة لسوق الشغل، بلغ معدل البطالة في الفصل الثاني من السنة 9.3%، مرتفعا بمقدار 0,5% نقطة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2013. ويرتقب أن تكون فجوة الناتج غير الفلاحي سلبية وأن تظل كذلك خلال الفصول المقبلة، مما يشير إلى غياب ضغوط تضخمية ناجمة عن الطلب. وفي ما يخص الحسابات الخارجية، تقلص العجز التجاري للسلع بنسبة 3,1% إلى نهاية غشت، بالنظر إلى تنامي الصادرات بنسبة 7,1% الذي يعزى بالخصوص إلى الارتفاع القوي لصادرات قطاع السيارات وتدني وتيرة انخفاض مبيعات الفوسفاط ومشتقاته. وبالموازاة مع ذلك، وعلى الرغم من تزايد مشتريات القمح بنسبة 32,2%، سجلت الواردات ارتفاعا لم يتجاوز 1,8%، ارتباطا بتدني مقتنيات المنتجات الطاقية وسلع التجهيز بنسبة 1,4% و5,6% على التوالي. وبخصوص باقي مكونات الحساب الجاري، ارتفعت مداخيل الأسفار بنسبة 3,0% إلى 40 مليار درهم، في حين استقرت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج في 39,5% مليار درهم. وأخذا في الاعتبار هذه التطورات إلى جانب مداخيل الهبات، يتوقع أن يتراجع عجز الحساب الجاري من 7,6% من الناتج الداخلي الإجمالي في 2013 إلى 6,7% في متم 2014. أما على مستوى حساب الرأسمال، فقد انخفضت التدفقات الصافية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 9,4%. وإجمالا، وصل المبلغ الجاري للاحتياطات الدولية الصافية إلى 175,6 مليار درهم إلى نهاية شهر غشت، أي ما يعادل 4 أشهر و29 يوما من واردات السلع والخدمات، ويرتقب أن يظل في هذا المستوى إلى غاية متم سنة 2014. وفي ما يتعلق بالمالية العمومية، بلغ عجز الميزانية، دون احتساب عائدات الخوصصة، 42,5 مليار درهم إلى متم شهر غشت، مقابل 42,2 مليار في نفس الفترة من السنة الماضية. فقد تزايدت المداخيل الجارية بنسبة 3,8%، لاسيما نتيجة ارتفاع العائدات الضريبية بنسبة 3,4% ومداخيل الهبات بمبلغ 6,4% ملايير درهم. وفي جانب التكاليف، ارتفعت نفقات الاستثمار بنسبة 17,3%، في حين لم تتزايد النفقات الجارية إلا بنسبة 0,6% لتصل إلى 159,9 مليار درهم، وذلك بفعل تراجع نفقات المقاصة بنسبة 19,7% وارتفاع نفقات السلع والخدمات الأخرى بنسبة 17,8% وكذا كتلة الأجور بنسبة 0,9%. وبالنظر إلى هذه التطورت، من المتوقع أن يتحقق هدف حصر عجز الميزانية في 4,9% من الناتج الداخلي الإجمالي في نهاية 2014. ويشير تحليل المعطيات النقدية الخاصة بشهر يوليوز إلى تباطؤ وتيرة نمو الائتمان البنكي بنسبة 4.2% في المتوسط خلال الفصل الثاني ليصل إلى 3.9% في يوليوز، وإلى نمو الكتلة النقدية بنسبة لا تتعدى 3.5% مقابل 4.2%، وبذلك، يظل الفارق النقدي سلبيا، مما يشير إلى غياب ضغوط تضخمية ناشئة عن الأوضاع النقدية، وعلى مستوى السوق القائمة بين البنوك، بلغ متوسط سعر الفائدة المرجح 3.01% في المتوسط خلال شهري يوليوز وغشت، في حين ظل متوسط سعر الفائدة على القروض دون تغيير تقريبا خلال الفصل الثاني في نسبة 5.98% وسجل سعر الصرف الفعلي للدرهم تراجعا خلال الفصل الثاني مقارنة بالفصل الأول، بنسبة 0.37% من حيث القيمة الإسمية و1.57% من حيث القيمة الحقيقية. وفي ما يخص سوق العقار، شهد مؤشر أسعار الأصول انخفاضا جديدا في الفصل الثاني بنسبة 1.3% على أساس فصلي، بعد تدنيه بواقع 0.2% في الفصل السابق، وحسب الفئات، تراجعت أسعار الأراضي والمحلات التجارية بنسبة 3% و3.3% على التوالي، بينما انخفضت أسعار العقارات السكنية بنسبة 0.1% مقابل 0.4% في الفصل السابق. في هذه الظرفية، وبعد ارتفاعه بنسبة 0.4% على أساس سنوي في يوليوز، ظل مؤشر أسعار الاستهلاك مستقرا في شهر غشت، بفعل تسارع وتيرة انخفاض أثمنة المنتجات الغذائية المتقلبة الأسعار من 7.1% إلى 9.9%، مما مكن بشكل أكثر من كاف من تعويض الزيادة بنسبة 12.8% في أسعار «التزود بالماء والتطهير الصحي» وبنسبة 6.5% في أسعار الكهرباء، وخلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة، بلغ التضخم 0.3% والتضخم الأساسي 1.2% في المتوسط، وقد تراجع هذا الأخير من 1.4% في يوليوز إلى 1% في غشت ارتباطا بتباطؤ وتيرة ارتفاع أسعار السلع التجارية من 1.4% إلى 0.8% والسلع غير التجارية من 1.6% إلى 1% وواصلت أسعار الإنتاج الصناعي منحاها التنازلي، حيث سجلت مجددا انخفاضا سنويا بنسبة 2.1% في يوليوز بعد 1.9% في المتوسط خلال الفصل الثاني. وبناء على مجموع هذه التطورات، وأخذا في الاعتبار مراجعة أسعار بيع الماء والكهرباء التي تم تطبيقها ابتداء من شهر غشت، يُتوقع أن يبلغ التضخم 0.7% في 2014 و1.6% في المتوسط خلال الفصول الستة المقبلة و1.9% في نهاية أفق التوقع، مع ميزان مخاطر محايد. في هذا السياق الذي يتميز باستمرار ضعف وتيرة نمو الأنشطة غير الفلاحية وبتحسن الاحتياطات الدولية ويتوقع مركزي للتضخم ينسجم مع هدف استقرار الأسعار، قرر المجلس خفض سعر الفائدة الرئيسي من 3% إلى 2.75% مع مواصلة تتبع مجموع هذه التطورات عن كثب. ولاحظ المجلس أن الظرفية الاقتصادية العالمية اتسمت خلال الفصل الثاني من سنة 2014 بتحسن النمو في الولاياتالمتحدة من 1.9% إلى 2.5% وفي المملكة المتحدة من 3% إلى 3.2%، مقابل تباطؤ من 1.0% إلى 0.7% في منطقة الأورو، وعلى مستوى البلدان الصاعدة، سجلت الصين والهند تزايدا في وتيرة النمو بينما سجل الناتج الداخلي الإجمالي للبرازيل انكماشا فصليا للمرة الثانية على التوالي. وفي ما يتعلق بالآفاق المستقبلية، قام صندوق النقد الدولي في يوليوز بخفض توقعاته للنمو العالمي بالنسبة لسنة 2014 من 3.7% إلى 3.4% وأبقى عليها دون تغيير في 4% بالنسبة لسنة 2015، وعلى صعيد سوق الشغل، تدنى معدل البطالة بشكل طفيف في الولاياتالمتحدة، من 6.2% في يونيو إلى 6.1% في يوليوز، فيما استقر في 11.5% في منطقة الأورو، وتوجهت أسعار المواد الأولية، على العموم، نحو الانخفاض، خاصة سعر البرنت الذي سجل في غشت تراجعا شهريا بنسبة 4.7% ليصل إلى 101.9 دولار للبرميل في المتوسط. في هذا السياق، انخفض التضخم في جل الاقتصادات المتقدمة، لاسيما منطقة الأورو التي تواجه مخاطر جدية لانكماش الأسعار، أمام هذه الوضعية، قرر البنك المركزي الأوروبي خلال اجتماعه المنعقد في شتنبر خفض سعر الفائدة الرئيس بمقدار 10 نقط أساس إلى 0.05% وسعر الفائدة على تسهيلة الإيداع من 0.10-% إلى 0.20-% كما أعلن عن إطلاق برنامج لإعادة التمويل المستهدف على المدى الأطول من أجل دعم النشاط الائتماني والنمو، من جهته، أعلن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في شتنبر عن تقليص جديد بواقع 10 مليار دولار في برنامجه الخاص بشراء الأصول وجدد التزامه بإبقاء سعر الفائدة الرئيسي قريبا من الصفر لمدة طويلة بعد انتهاء البرنامج. وفي المجمل، لا تشير مجموع هذه التطورات إلى وجود ضغوط تضخمية خارجية المصدر على المدى المتوسط.