ليست هي الأولى من نوعها، فحينما تقدم بعض القتلة منذ أيام وأطلقوا الرصاص على سيارة المستشار محمود المورلي فأصابوا ابنه الشاب فأردوه قتيلا، كان ذلك اعادة للتاريخ الذي صنعوه حينما قتلوا المستشار الخازندار في غضون عام 1948، كان ذلك قبل ان يبدأ المستشار الخازندار في نظر قضية متهم فيها شباب من الاخوان، وكان البنا قد عرف من المحامي الشاب وقتها فتحي رضوان أنه ترافع عن بعض شباب ينتمون الى جمعية مصر الفتاة كانوا قد اتهموا في قضايا تخريب بعض المحال في الاسكندرية على ظن من أنها مملوكة ل«خواجات» يونانيين بينهم وبين الانجليز صلات قوية، وكانت التهمة ثابتة فأصدر ضدهم الخازندار أحكاما بالسجن، وحين قام البنا بتوكيل فتحي رضوان في قضية شباب الاخوان الذين فجروا سينما مترو التي لم تكن المرافعات قد بدأت فيها بعد، قال له فتحي رضوان: موقف القضية غاية في الصعوبة والقاضي لا يأخذ بالظروف المخففة وعلى الله التكلان. يقول التاريخ الذي كتبه الاخوان ان قتل الخازندار حدث بعد ان أصدر حكما ضد شباب الجماعة، وهذا غير صحيح، ولكن القتل كان للمنع، لمجرد أنهم توقعوا خطرا سيقع على شبابهم بحكم قضائي محتمل الصدور ضدهم، وتوقعوا من الحكم المرتقب ادانة للاخوان ولحسن البنا الذي يقود شبابه للتفجير العشوائي واضرام الحرائق، لذلك كان الذي حدث هو أنهم قتلوا الخازندار غيلة وهو في طريقه للمحكمة يحمل معه في حقيبته أوراق القضية التي سهر على دراستها والخاصة بتفجير سينما مترو، وكان المطلوب ان يُحال بين الرجل وبين هذه القضية ولو بالقتل، وليس الأمر بمستغرب عن أفكار الجماعة التي كان يبثها فيهم شيخهم ومرشدهم الخوجة حسن افندي البنا، فالمحاكم في معتقده تحكم بغير ما أنزل الله، والقوانين في نظره احتكام للطاغوت، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وقتل الكافر مباح لمنعه من ظلم المسلم القائم على تنفيذ شريعة الله!. ولكن كيف وقع الحادث؟ في صباح يوم الاثنين الموافق 11 من جمادى الأولى 1367ه، 22 من مارس 1948م في الساعة الثامنة صباحاً من ذلك اليوم الشاتي الذي داعبت شمسه برودته فخففت من صقيعه، وفي ذلك الصباح المبكر خرج المستشار أحمد الخازندار كعادته من منزله بشارع رياض باشا بحلوان، وكان يسير مُترجلا في طريقه الى محطة حلوان ليركب القطار الى القاهرة وهو يحمل حقيبته التي تعوَّد ان يضع فيها ملفات القضايا التي يسهر على دراستها، وبعد عدة خطوات من منزله تقدم منه شابان بخطوات سريعة متعجلة، وبسلامة نية ابتسم لهما المستشار وألقى عليهما تحية الصباح، ولكن أحدهما أخرج من جيبه «غدَّارة» محلية الصنع وأطلق عليه وابلا من الرصاص فسقط قتيلا في الحال، وسالت دماؤه على أرض حلوان، وزوجته تنظر اليه من شرفتها فتصاب بالهلع وتنزل للطريق مهرولة وهي تبكي زوجها الذي لم يخضع لأي تهديد، وعلى الفور قام الأهالى بتبليغ الأمر الى قسم حلوان، فأسرعت الشرطة الى مكان الحادث للقبض على الجناة. عودُ على بدء لنقول ان أول من أبلغ القسم بالحادث وأول شاهد على جريمة القتل هو رجل بسيط «عجلاتي» من عامة المصريين الذين عُرفوا بالشهامة والمروءة، وكان دكان هذا العجلاتي يقع على بعض خطوات من منزل الخازندار، وكان قد سمع أصوات طلقات الرصاص التي جفل منها، وحين نظر لمصدر صوت الرصاص رأى المستشار الخازندار مُلقى على الأرض والدماء تنزف من جروح في صدره لدرجة أنها سالت على الطريق واختلطت بترابه، كما رأى على بعد خطوات منه شابين يجريان وهما يحملان «غدَّارتين» فصرخ العجلاتي واستنجد بالناس الذين قاموا بمطاردة المجرمين، فألقى أحد المجرمين قنبلة على المطاردين له ولكن من فضل الله لم تنفجر، ثم ألقى بقنبلة أخرى ولم تنفجر أيضا، وأظنك ستتعجب من تلك القنابل التي كان من الممكن ان تفتك بالأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الأمر كله، ولكنها العقائد الفاسدة التي اعتبرت الدين وسيلة للحكم مهما أريقت من أجله الدماء! وبعد القبض على المتهمين استدعت النيابة حسن البنا لسؤاله فأنكر معرفته بهما، وللأسف كان البنا كاذبا فقد كان أحدهما ويُدعى حسن عبد الحافظ سكرتيرا له، وحين واجهته النيابة بذلك اعترف بمعرفته للشابين وأنهما من الاخوان الا أنه أنكر صلته بالجريمة!.