لا أحد اليوم من الدارسين ينكر الدور الذي ألت إليه المجتمعات المعاصرة من تطورات في شتى الميادين، فخلال العقدين الماضيين شهدت ثورة من المعرفة والمعلومات، كما زاد هذا التطور كذلك من حدته خلال السنوات القليلة الماضية بدرجة يمكن معها القول أن تراكم هذه السنوات من علوم ومعرفة يفوق ما حققته البشرية عبر آلاف السنين. كما شهد العالم في نهاية القرن الماضي، وبالتحديد في التسعينيات، مرحلة تكنولوجية اتصالية جديدة تتسم بجمع المزايا التكنولوجية المتوفرة في عدة وسائل في وسيلة واحدة ، بقصد تحقيق الهدف النهائي لعملية الاتصال، وهو توصيل الرسالة إلى الجمهور، وإحداث التأثير المطلوب، وقد أطلق على هذه المرحلة العديد من المسميات أبرزها: مرحلة الاتصال متعدد الوسائط، ومرحلة التكنولوجيا الاتصالية التفاعلية، ومرحلة الوسائط المهجنة. إن العالم اليوم أصبح في ظل هذه التطورات (قرية صغيرة) فما يحدث في أي مجتمع ينقل بالصوت والصورة إلى باقي المجتمعات لحظة حدوثه. وتزايدت أهمية الإنترنت كوسيلة لاكتساب المعلومات في أغلب المجتمعات، خاصة التي يشيع فيها تقييد حرية التعبير وتبادل المعلومات، ولعل العالم العربي في مقدمة هذه المجتمعات. لكن مع هذا الانتشار الكبير للانترنت جعل العاملين في مجال الصحافة يبحثون بكافة السبل والوسائل عن طريقة ما تمكنهم من تطويرها ، ومن نشر ما يريدون بكامل الحرية وبدون حواجز زمانية أو مكانية، خاصة في ظل منافسة وسائل الإعلام الأخرى لها، فكانت شبكة الانترنت الثورة التكنولوجية الهائلة والتي أعطت للإنسان ما لم يكن يحلم به في عالم الاتصالات، فلا يقف في طريقها زمان ولا مكان ولا أي عائق امني، وهذا ما أعطى فرصة لظهور الصحافة الرقمية، التي فرضت نفسها على العالم كنتيجة حتمية لكل التطورات الأخرى. ولقد دفعت هذه التطورات كذلك الصحف لإنشاء مواقع لها على هذه الشبكة، خاصة مع الارتفاع المتزايد لعدد مستخدميها، والأرباح الكبيرة للإعلانات والتجارة التي تجنيها من خلالها، علماً أن مواقع هذه الصحف اقتصرت في البداية على التعريف بها ونشر معلومات عنها، ثم تطورت إلى عرض محتويات نسخها المطبوعة. لكن ما يهمنا في هذه الصحافة الرقمية هو البعد التفاعلي، أي تفاعل الجمهور مع هذه المواقع الالكترونية فجيل اليوم من الانترنت تميز بالتفاعلي عكس الأجيال التي مضت. فالتفاعلي بتعبير بسيط: هو الحيز الذي تتركه المواقع للمستخدم لكي يكتب تعليقا أي تمكن وتسهل لأي متصفح لأي موقع أن يترك أثرا فيه، فيصير هذا الفضاء متحرك عوض سكونه، فيصير هذا الأخير ديناميا ويقوم بإشراك المتلقي في العملية التواصلية. فالإعلام الرقمي اليوم أهم خاصية يتميز بها هو إشراك المتلقي لكي يحدث التفاعل بينه وبين المرسل، هذا بخلاف التواصل بين المرسل والمتلقي قديما فكان عن طريق الخطي أي الأحادي، أي بات المرسل والمتلقي في موقفين مختلفين وصار الأمر مثل قضية السيد مع العبد والحاكم مع المحكوم، فالاتصال يكون خطيا. السياق يدفعنا الآن إلى طرح سؤال، متى يكون هذا التفاعل متحققا؟ فالجواب عن هذا السؤال بتعبير بسيط يحدث عندما يكون المرسل والمتلقي كلاهما يريد التواصل، ففي هذه العملية التواصلية يلعب كل من المرسل والمتلقي على إقناع الأخر من هنا حقيقة نتفاعل جراء الإقناع والتأثير في الآخرين. فانطلاقا من هذا فمنتج الخطاب يرى في الأخر نفسه، كما أن القارئ عندما يقرأ يرى نفسه في ذلك الخطاب، فالشاعر مثلا عندما يكتب يتفاعل مع ذاته، أي التفاعل البين ذاتي، وهذا في الغالب نجده حاضرا بقوة عند الشعراء. من هنا نعمل من أجل طرح سؤالا بسيطا كيف هو حال البعد التفاعلي في صحافتنا الالكترونية اليوم؟ هل بالفعل يتحقق هذا البعد الذي تغنت به الصحافة الالكترونية في هذه العصر؟ في الحقيقة الجواب عن هذا السؤال صعب لأنه لا يمكننا بدون بحث ميداني وبدون تصفح لهذه المواقع أن نصدر أحكاما. لكن سنجيب على الطريقة التي يمكن لأي أحد منا أن يشاهدها، ولا يمكن أن يتناطح حولها عنزان، فالتفاعل في الحقيقة في هذه المواقع الالكترونية حقيقة لازال ضعيفا في بلادنا وهذا بشهادة الجميع وبشهادة بعض الخبراء في هذا المجال، فتفاعل الجمهور مع هذه المواقع لازال ضعيفا وإن كانت بعض المواقع الالكترونية الجانب التفاعلي حاضرا فيها بقوة ولكن قليلة كما أن هذا التفاعل يشتمل على تنوع في اللغة (سوقية شعبوية ) حيث تكاد اللغة العربية تنعدم فيه، حتى وإن كتبت في بعض الأحيان لغة عربية فصيحة فهي تكتب بحروف لغة أجنبية. وفي الأخير يجب العمل من أجل تقنين ووضع استراتيجيات لهذه الصحافة من أجل الرفع بها والزيادة بها إلى الأمام لكي تلعب الأدوار المنوطة بها، فالتفاعل هو صورة لما ينبغي أن يكون عليه الإعلام مستقبلا.