عشية احتضان العاصمة الجزائرية لجولة جديدة من المفاوضات تجمع فرقاء النزاع بشمال مالي بحكومة باماكو, و شهرا بعد تأكيد وزير خارجية الجزائر أن المغرب غير معنيا إطلاقا بمسار التسوية السياسية للنزاع المالي , تمكنت الرباط من توجيه إنذار ديبلوماسي و سياسي جدي للجزائر مفاده أن لا طرف بامكانه إلغاء الدور المغربي الحيوي في تفكيك ألغاز و ملابسات ملف منطقة الساحل الافريقي وعلى رأسه ملف الخلاف المالي. الرباط إستقبلت نهاية الأسبوع بالرباط للمرة الثانية خلال السنة الجارية , وفدا عن الحركة الوطنية لتحرير أزواد, و هي من أهم الفصائل السياسية و العسكرية النشيطة بشمال مالي بقيادة أمينها العام بلال أغ الشريف. الديبلوماسية المغربية وبعد أشهر من الحياد و الرجوع الى الوراء والاكتفاء بمراقبة الوضع في مقابل إحتلال الجزائر لمساحات واسعة من الفراغ الذي خلفه التراجع الرسمي المغربي' تحركت خلال الأسابيع الأخيرة لاسترجاع جزء من هامش المبادرة خاصة بعد تسرب معلومات إستخباراتية عن تذمر ممثلي بعض الحركات الأزوادية التي ستلتئم اليوم بالجزائر من أشكال الوصاية العليا التي تحاول الجزائر فرضها عليها خلال مسار المفاوضات و تهديد أخرى بالانسحاب من مسار المصالحة الذي ترعاه الجزائر. آخر هذه الاعتراضات التي إستثمرها المغرب بشكل جدي تلك الصادرة قبل أيام قليلة عن رئيس أركان قوات المجلس الأعلى لوحدة أزواد المشاركة في مفاوضات الجزائر حيث طالب الشيخ أغ أوسا الحكومة الجزائرية برفع يدها عن القضية في حالة فشل المفاوضات الجارية و إستمرار البلد الوسيط في تجاهل جوهر و موضوع الاتفاقات السابقة ذات الصلة بتطورات مسلسل المصالحة الطويل و الممل دون حلول جذرية. الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد في شمالي مالي بلال أغ الشريف وجه بدوره أول أمس الجمعة بالرباط صفعة مدوية بددت الكبرياء و التعنت الجزائري حين عبر صراحة عن ترحيب الحركة -ومعها المكونات الأخرى في مالي- بأي مبادرة مغربية من أجل طي صفحة الخلافات بين الفرقاء السياسيين في البلاد. الزعيم الأزوادي خلال لقاء في الرباط مع وزير الخارجية صلاح الدين مزوار- أكد أن دور المغرب «يبقى مركزيا في أي تسوية سياسية للأزمة»، مضيفا أن «كل المكونات المالية ترحب بأي مبادرة مغربية لطي صفحة الخلافات بمالي». الجزائر التي تقود اليوم جولة جديدة من المفاوضات تضم وفدًا من حكومة باماكو ، بممثلي ست حركات أزوادية؛ هي»الحركة الوطنية لتحرير الأزواد»، و»الجبهات القومية للمقاومة»، «الائتلاف الشعبي من أجل أزواد»، و»الحركة العربية للأزواد «تنسيقية الحركات»، و»المجلس الأعلى لتوحيد الأزواد تدرك أن مجال المناورة لتهميش و عزل الرباط عن جهود التسوية و المصالحة السياسية بشمال مالي بات يضيق بشكل غير مسبوق. لعمامرة الذي قاد قبل أشهر مؤامرة إقليمية لتقزيم الدور الديبلوماسي و الاستخباراتي المغربي بمنطقة الساحل بات متيقنا أن جزءا من مفتاح حل أزمة مالي و الساحل الافريقي في شموليتها هو في يد الرباط و أنه لا مجال للمغامرة مجددا بتجاهل هذا الدور سيما و أن مجلس الأمن نفسه قرر قبل أيام قليلة دعوة بلدان المنطقة دون إستثناء الى التنسيق لمعالجة التحديات الأمنية و السياسية الكبرى للمنطقة. وزير الشؤون الخارجية والتعاون ، صلاح الدين مزوار ورغم الاختراق الديبلوماسي الجريء الذي حققته الديبلوماسية المغربية تعمد عدم التعامل بالمثل مع الجزائر , حين أكد أن المغرب يدعم كل الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي عادل بشمال مالي ، يحترم وحدة وسيادة هذا البلد الشقيق ، مشيرا إلى أن المملكة لن تدخر جهدا في سبيل بلوغ هذا الهدف. مزوار رحب باسم المغرب بكل المبادرات الإقليمية والدولية الجادة التي تسعى إلى استتباب الأمن والاستقرار بمالي عبر التوصل إلى توافق بين أطراف النزاع في إطار احترام إرادة كافة مكونات الشعب المالي الشقيق لكنه في المقابل وجه رسالة واضحة الى الجزائر مفادها أن الرباط تبقى يقظة إزاء كل المحاولات المهددة لاستقرار المنطقة بما يفيد ضمنيا أن مناورات فريق لعمامرة لعزل المغرب و تهميش دوره لن تزيد الأمور الا تعقيدا . الرباط تعمدت وضع سياق الملف في إطاره التاريخي و السياسي غير القابل للتجاوز حين أكدت أن جلالة الملك محمد السادس حريص من منطلق الروابط التاريخية والروحية التي تجمع المغرب بمالي على أن ينعم الشعب المالي بالاستقرار والأمن والتنمية، وعلى المساهمة الفاعلة من أجل التوصل إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف في إطار الحفاظ على الوحدة الترابية لمالي وإرساء قواعد ثابتة ومستمرة لتوافق كفيل بالتصدي لحركات التطرف والإرهاب التي تهدد منطقة الساحل والصحراء ودول الاتحاد المغاربي. السؤال المطروح هو هل تلتقط الجزائر الرسالة و تتفاعل إيجابيا معها بما يترجم الى أفعال و سلوكات تعلن قطيعة نهائية مع مسلسل التعنت و التنطع في تعاملها مع ملف مالي و الساحل و غيره من القضايا الاقليمية الشائكة الأخرى. ذلك ما ستجيب عنه مستجدات الأسبوع الجاري لتتضح الرؤيا أكثر .