إن المتصفح للبرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، الذي يبدو أنه أصبح من الأرشيف، لابد أن يثير انتباهه ضمن الالتزامات الكثيرة والمرقمة، التزاما يحمل رقم 266، ينص على ما يلي:م «عقلنة الحسابات الخصوصية وتقليصها والحد من توزيع النفقات خارج الميزانية العامة للدولة»، شعار رنان رفعه حزب العدالة والتنمية لاستمالة أصوات المغاربة بمناسبة الانتخابات التشريعية الأخيرة في 25 نونبر 2011. انه التزام ضمن التزامات مكافحة الفساد القابعة داخل البرنامج الانتخابي لهذا الحزب دون أن تعرف طريقها إلى التطبيق والتنزيل على أرض الواقع رغم مرور نصف الولاية الحكومية. لقد كانت بلادنا، وماليتها العمومية، قاب قوسين من تحقيق هذا الالتزام، وتنزيله في أرض الواقع، من خلال تعاون نواب الأمة، أغلبية ومعارضة، ومصادقتهم داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب على تعديل بمشروع القانون التنظيمي لقانون المالية يقضي بإدراج جميع نفقات حسابات الخزينة، أو ما يصطلح عليهم بالصناديق السوداء، ضمن الميزانية العامة للدولة. مما يعني إخضاع جميع النفقات التي تقوم بها الحكومة من أموال دافعي الضرائب، لتتبع الرأي العام ومراقبة نواب الأمة. إلا أننا، تتبعنا، كما تتبع الرأي العام وكافة القوي الحية، تأخير الحكومة بقيادة الحزب الحاكم عرض مشروع القانون التنظيمي للمالية العمومية على مصادقة مجلس النواب في الجلسة العامة وذلك لتتمكن من الضغط على أغلبيتها للتنازل عن هذا التعديل التاريخي والالتفاف عليه عبر صياغة فضفاضة تفرغه من محتواه. وتفاجئنا، كما تفاجأ الرأي العام الوطني الذي تتبع انعقاد، بعد أزيد من شهر من التأخير، الجلسة العامة المنتظرة، التي شهدت تراجعا، مدويا وغير مسبوق لنواب حزب العدالة والتنمية عن تصويتهم في لجنة المالية والتنمية الاقتصادية على حذف الصناديق السوداء، بل والأدهى من ذلك مرافعتهم من أجل تبرير ما لا يبرر. لقد صوت الحزب الحاكم لصالح الإبقاء على الصناديق السوداء خارج دائرة الضوء، وذلك ضدا على الرغبة الشعبية وتطلعات رأي عام متتبع ويقظ ومتعطش لإرساء الشفافية في تدبير المالية العمومية. إن المتمحص لمنطوق النص القانوني الملتوي الذي مررته الحكومة بمساعدة أغلبيتها في مجلس النواب، ليطالعه على الفور مدى الغموض الذي يلف مضمون هذا النص الذي أجاز للحكومة خلق مناطق ظل مشبوهة، ليقتات منها البعض خارج إطار الميزانية العامة وخارج مراقبة البرلمان. أمام هذا التعديل على المادة 8 من مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية الذي تقدمت به حكومة بنكيران وصوتت عليه أغلبيتها، لا يسعنا إلا أن نتأسف على الوضعية السابقة التي كان فيها وجود الصناديق السوداء أمر منبوذ وغير قانوني. أما اليوم، فقد تم تقنين بمقتضى هذا القانون التنظيمي وجود هذه الصناديق السوداء، واكتسبت بذلك النفقات التي تجري خارج إطار قوانين المالية شرعية قانونية. ففي الوقت، الذي كنا نأمل فيه أن يؤسس حذف الصناديق السوداء لمرحلة جديدة وفارقة تطبعها الشفافية في تدبير المالية العمومية، امتثالا لضرورات ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس قيم الحكامة المالية الجيدة ومحاربة الفساد والمفسدين، فإذا بحكومة السيد عبد الإله بنكيران، ترعى الفساد من خلال تقنينه ووضع الآليات القانونية لشرعنته، بالأمس لحماية المفسدين ومهربي الأموال إلى الخارج، واليوم لناهبي أموال دافعي الضرائب دون حسيب أو رقيب. الآن، يظهر جليا أن محاربة الفساد وتحسين الحكامة، لم تكن بالنسبة للحزب الحاكم سوى شعارات انتخابوية، سقطت من حسابات قياديي هذا الحزب بمجرد ما تبوؤوا كراسي الحكومة. سيسجل مغرب ما بعد دستور 2011، بمداد الاستهجان والعار، أن حكومة السيد عبد الإله بنكيران كرست الصناديق السوداء في تدبير المالية العمومية. سيسجل البرلمان التراجع المؤسف لنواب الحزب الحاكم، الذي شرعن سواد هذه الصناديق. لقد خذل حزب العدالة والتنمية الشعب المغربي بعدم وفائه بالتزاماته الانتخابية بما فيها التزامه رقم 266.