كان من الأجدى أن توفر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني لنفسها الجهد من إصدار بيان توضيحي في شأن قرارها الصادر في حق تلميذتين توأمتين يقضي بترسيبهما في امتحانات الباكالوريا في دورتها الأولى ومنعهما من اجتياز الدورة الاستدراكية لامتحانات الباكالوريا التي جرت يوم الثلاثاء الماضي. كان مفيدا لهذه الوزارة أن تستمر في احتمائها وراء صمتها الرهيب الذي تحصنت فيه طيلة أيام، لأن ذلك كان على الأقل يخلف لبسا لدى الرأي العام الوطني والغموض الذي يرتبه كان يترك هامشا للوزارة يصون سمعتها ومصداقيتها. ولما امتلكت الوزارة كل هذه الشجاعة والجرأة في إصدار بيان في موضوع هي أدرى بحساسيته وأهميته، وبما أن ذلك حصل فإننا نستأذن الوزارة المعنية في إبداء بعض الملاحظات حول ما اقترفته بإصدار البيان التوضيحي الشهير. 1 واضح جدا أن البيان التوضيحي موجه للقضاء ولهيئة القضاء التي أصدرت الحكم في هذه النازلة، فهو يحاجج الحكم ويعلق عليه بما يمنعه القانون ويدلي بأحكام قطعية من قبيل القول »قرارات لجان التصحيح ولجان البت في حالات الغش لايمكن لأي كان تغييرها أو إلغاؤها«. وبما أن حديث الوزارة كان قطعيا وشاملا ومطلقا، فإننا لأول مرة نكون أمام حالة لا دستورية حيث تعمد السلطة التنفيذية إلى إلغاء دور القضاء بصفة مطلقة وبالتالي عدم الاعتراف بسلطة دستورية، وهنا لم يقتصر الأمر على تحقير مقرر قضائي بل زادت الوزارة في منسوب تطرفها إزاء القضاء وجزمت صراحة بإلغاء المراقبة القضائية لعمل إداري وبشري، إن بيان وزارة التربية الوطنية يبعد عمل أجهزة تابعة لوصايتها عن مراقبة السلطة القضائية. وتزيد الوزارة في حدة محاججة الحكم القضائي بأن ترد عليه بلغة الصرامة. فليس القضاء الذي من اختصاصاته اعتماد القرائن في إصدار الأحكام، بل إن البيان يعطي هذا الدور للوزارة وينزعه عن القضاء. لذلك نرى البيان يتحدث بلغة سماها لغة القرائن الواضحة. ثم إن البيان الذي كان الهدف منه توضيح ملابسات القضية زادها التباسا وتعقيدا بالنظر الى حجم التناقضات، فالوزارة التي تطلق في بيانها العنان للأحكام القطعية باعتبارها سلطة الوصاية، تحاول في الختام التهرب أو لنقل الانفلات من هذه المسؤولية حينما تقول في بيانها الشهير »الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين هي الطرف المخول لها بمقتضى المادة 105 من المقرر الوزاري السالف الذكر مهمة تنفيذ الإجراءات المتخذة في حق الغشاشين بالاستناد الى هذه القرارات« إذا كان الحال كذلك والأكاديمية هي المسوؤلة فعلا وتتمتع باستقلالية حقيقية في هذا الصدد، من حقنا أن نتساءل، ومادخل وزارة التربية الوطنية، ولماذا نابت عن أكاديميتها في الشرق في إصدار بيان توضيحي؟! إن الوزارة في بيانها التوضيحي بذلك أعطت لنفسها الحق في ممارسة سلطتها في الإشراف على تدبير شؤون القطاع، ولكنها حينما تشعر بضيق كبير فيما يتعلق بتنفيذ حكم قضائي تتهرب من مسؤوليتها وتحيل الأمر إلى أكاديميتها، وهي لعبة مكشوفة على كل حال. إن الوزارة تحاول أن تترك حبل الود مشدودا مع القضاء، فهي التي تقر وتعلن عن إلغاء دور المراقبة القضائية وتمارس تحقيرا لمقرر قضائي تعلن في نفس الوقت عن قرارها استئناف الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة، والاستئناف ، هنا لا يعكس احترام الوزارة لمساطر التقاضي كما يوحي الشكل والمظهر بذلك، بل إن التجاء الوزارة للاستئناف لا يعدو أن يكون شكلا من الالتفاف والمناورة لربح مزيد من الوقت، لأن طلبة السنة الأولى في كلية الحقوق يدركون جيدا ما معنى صدور حكم مشمول بالنفاذ المعجل، لأن الحكم في هذه الحالة لا يمكن للاستئناف أن يبطل أو يعطل التنفيذ. إن الوزارة لم تجد من غطاء لتحقيرها لمقرر قضائي غير الاحتماء في القضاء نفسه. إن الوزارة اقترفت فعلا جناية تحقير مقرر قضائي وبيانها التوضيحي أكد احتقار الوزارة للسلطة القضائية برمتها. كان الأجدر بالوزارة أن تطرح إشكاليات حقيقية وتسلك المساطر القانونية المعمول بها خصوصا ما يتعلق بصعوبة التنفيذ، لكن يبدو أن الخبرة القانونية للوزارة خانتها هذه المرة.