بتنصيب عبد الفتاح السيسي دخلت مصر رسميا يوم الأحد 8 يونيو عهد الرئيس السادس للبلاد، منذ قيام النظام الجمهوري في أعقاب ثورة 23 يوليو عام 1952، وثاني رئيس منتخب منذ أحداث 25 يناير 2011 التي أسقطت نظام الحزب الوطني برئاسة حسني مبارك في عام 2011، والأول منذ ثورة 30 يونيو 2013 التي أسقطت نظام الإخوان برئاسة محمد مرسي. الرئيس المنتخب أدى اليمين الرئاسي، أمام قضاة المحكمة الدستورية العليا، ليتسلم بعدها منصبه من سلفه الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، في مراسم بروتوكولية غير مسبوقة في تاريخ مصر، شهدت تمثيلا عربيا وإفريقيا رفيع المستوى، في مقابل تمثيل ديبلوماسي غربي باهت. كتب معلق عربي: هو مشهد تاريخي بكل المقاييس، فهذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها مصر عملية تسليم وتسلم بين رئيسين منذ قيام النظام الجمهوري، إذا ما استثنينا المراسم التي شهدتها البلاد في الرابع عشر من أكتوبر سنة 1981، حين تسلم نائب الرئيس حسني مبارك مقاليد الحكم من رئيس مجلس الشعب صوفي ابو طالب، الذي تولى الرئاسة لمدة ثمانية أيام بعد اغتيال الرئيس انور السادات. مع العلم بأن ما حدث يوم الأحد 8 يونيو كان مختلفا، فالتسليم والتسلم هو بين رئيس أتى بإرادة شعبية في الميدان، وبقي قرابة عام على رأس الدولة، وآخر بإرادة شعبية في صناديق الانتخابات، وقد شهد سابقة تمثلت في توقيع الرئيسين السيسي ومنصور على وثيقة لانتقال السلطة، وهي صيغة معتمدة في العديد من دول العالم، لكنها أثارت جدلا دستوريا وسياسيا بعد اعتمادها للمرة الاولى في مصر. ضربة لم يستهدف تفتيت المنطقة ليس من المبالغة القول إن ما جرى كان استعراضا لاستعادة الدولة المركزية هيبتها، في ظل الهزات التفكيكية التي شهدتها اقطار عربية عدة خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما عبر عنه المستشار عدلي منصور حين قال في خطاب تسليم السلطة إن "الدولة المصرية بشعبها القوي ومؤسساتها العريقة برهنت أنها عصية على الانكسار، وأن مصر وما حباها الله به من نعم ومقومات، يأتي على رأسها شعبها الواعي الأبي، ستظل قادرة قاهرة. قادرة على تحقيق أمنها وأمن منطقتها العربية، وقاهرة لمن يريد لها الشر والسوء ويستهدف تفتيت منطقتنا وإعادة تشكيلها بما يخالف مصالحنا الوطنية والقومية". وقال السيسي فى خطابه الأول من داخل قصر الاتحادية إن مصر ستعاود لعب دور فاعل إقليميا ودوليا، ومشددا على ان مصر المستقبل ستكون دولة قوية ديمقراطية عادلة. ودعا القائد السابق للجيش المصريين إلى العمل الجاد وتنمية الحرية "فى إطار واع ومسئول بعيدا عن الفوضى". وتعهد بحكم مصر بالتوافق مع القوى السياسية، وأضاف في الخطاب "أما من أراقوا دماء الأبرياء وقتلوا المخلصين من أبناء مصر فلا مكان لهم في تلك المسيرة"، "أقولها واضحة وجلية: لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ إلى العنف. لا تهاون ولا مهادنة مع من يريد تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذي نريده لأبنائنا". وكان السيسي قد أكد قبل إنتخابه في لقاء تلفزيوني إن جماعة الاخوان المسلمين انتهت. وفي كلمته القصيرة في حفل تنصيبه دعا إلى "مسيرة وطنية جامعة" فيما بدا انها إشارة إلى محاولة لإنهاء الانقسامات السياسية واحتجاجات الشوارع التي وجهت ضربة قوية للاقتصاد. ويراهن السيسي على الدعم الخليجي لعهده، وهو ما عبر عنه في معظم أحاديثه التلفزيونية خلال الحملة الانتخابية. وفي خطوة غير متوقعة، في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات بين الدولتين، بعث كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني ببرقيتي تهنئة للسيسي، أعربا فيها عن تهانيهما لمناسبة أدائه اليمين الدستورية. وكان لافتا حضور نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مراسم التنصيب. وكانت الرئاسة المصرية قد وجهت الدعوة بالحضور إلى الرئيس حسن روحاني، وهو ما أثار الكثير من التأويلات. لكن مصادر دبلوماسية حاولت التقليل من أهمية هذه الخطوة عبر الإشارة إلى أن دعوة إيران جاءت في إطار رئاستها الدورية لمجموعة دول عدم الانحياز. كذلك شهدت مراسم التسلم والتسليم حضورا أفريقيا لافتا للاهتمام، سواء على مستوى الرؤساء ونواب الرؤساء ورؤساء الحكومة ووزراء الخارجية، في ما رآه البعض مؤشرا إلى أن تلك الدول تستعد لمرحلة جديدة تستعيد معها مصر دورها في العمق الإفريقي. المسجل أن التمثيل الغربي جاء ضعيفا مقارنة بالحضور العربي. وشارك في حفل التنصيب رئيس أوروبي وحيد، هو رئيس قبرص اناستا سيادس، ونائب رئيس الوزراء اليوناني ايفانغليوس فينزيلوس، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، فيما حضر من الصين وزير الصناعة مايو وي، ومن روسيا رئيس البرلمان سيرغي ناريشكين، في حين اكتفت الولايات المتحدة بإيفاد مستشار وزير الخارجية ديفيد ثورن، في ما يشكل تسليما بواقع التحول في القاهرة بمرارة وعلى مضض من قبل الإدارة الأمريكية، بما قد ينعكس سلبا على العلاقات الثنائية في المستقبل. المحلل السياسي الدكتور مصطفى الفقي صرح إن الحضور العربي والإفريقي وأيضا الأوروبي لحفل تنصيب الرئيس، يؤكد أهمية مصر، ويصب في خانة قيمتها ودورها، مشيرا إلى أن الحضور العربي في حفل تنصيب السيسي ممتاز خاصة الخليجي منه. وأضاف الفقي إن "التمثيل الأمريكي يحمل نوعا من السخافة، ولكنه اعتراف بشرعية السيسي"، لافتا إلى ان مستوى هذا التمثيل "جاء مجاملة لبعض القوى الأخرى في المنطقة". من جانبه صرح اتش. إيه. هيلير وهو زميل غير مقيم بمعهد بروكينغز في واشنطن "وجود سفراء فقط يظهر بوضوح أنه بينما تعترف الحكومات بالانتقال الجديد للسلطة الا أنها لا تفعل ذلك بحماس كبير". وأضاف "هذا لا يعني الكثير فيما يتعلق بالتجارة والتعاون لكنه يترك طعما غير مستساغ إلى حد ما في أفواه الناس". ولكن بعيدا عن المناورات الدبلوماسية تلك، فإن اهتمام السيسي، بعد تسلمه مقاليد الحكم سيشمل أولويات أكثر خطورة. وابتداً من اليوم ستتجه الأنظار الى القاهرة لمعرفة الطريقة التي سيتعامل خلالها الرئيس الجديد مع الملفات الحساسة، سواء في الداخل او الخارج. تحديات ضخمة على المستوى الداخلي، يواجه السيسي تحديات عدة، أبرزها في الملف الأمني، لحاجته إلى حسم ميداني حقيقي وقوي سواء ضد المجموعات المتشددة في سيناء، أو ضد جماعة الإخوان في باقي المحافظات، خصوصا أن دخول السيسي القصر يتزامن مع بدء العد العكسي للانتخابات البرلمانية، التي تعد المرحلة الثالثة والأخيرة من "خريطة المستقبل". ويضاف إلى ذلك أيضا الملف الاقتصادي، في ظل التراجع الخطير الذي يشهده الاقتصاد لجهة ارتفاع نسب التضخم والبطالة والفقر، في مقابل انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، وتراجع قيمة الجنيه، وصولا إلى هروب الاستثمارات الأجنبية، وتدهور السياحة. وكالة "رويترز" ذكرت أن استشاريين غربيين وشرقيين يعكفون على وضع خطط لإعادة تشكيل الاقتصاد المصري بمباركة في ما يبدو من الرئيس السيسي الذي لم تصدر عنه في أحاديثه العلنية حتى الآن سوى عبارات غامضة بشأن إحياء موارد الدولة. ونقلت "رويترز" عن مصادر مطلعة ورجال أعمال إن القوة الدافعة وراء المشروع الاستشاري هي الإمارات العربية المتحدة التي قدمت هي والسعودية والكويت مساعدات بأكثر من 12 مليار من الدولارات لمصر منذ عزل الرئيس محمد مرسي. وإذا قبلت مصر الإصلاحات التي اقترحتها شركة "ستراتيجي أند" الاستشارية الأمريكية وبنك "لازارد" الاستثماري الدولي فان هذا قد يستخدم لإعادة فتح المحادثات بشأن تحقيق توافق حول قرض مع صندوق النقد الدولي. ويقول اقتصاديون غربيون أن اتفاق مصر مع صندوق النقد قد يسهم في استعادة ثقة المستثمرين الأجانب الذين أزعجتهم 3 أعوام من الاضطرابات ومشاكل عديدة اخرى. ويضيفون أن المشكلة الأكثر صعوبة هي دعم الحكومة المصرية للعديد من المواد الاستهلاكية وفي مقدمتها الطاقة. ما لا يراه الغربيون أنصار الاقتصاد الحر أو ربما لا يريدون فعل ذلك، أن من شأن زيادة أسعار الكهرباء والوقود وسلع غذائية إثارة اضطرابات في بلد ساعدت مظاهرات الإحتجاج في شوارعه في الإطاحة برئيسين خلال ثلاثة أعوام. في هذه الأثناء أكد صندوق النقد إن رئيسته كريستين لاغارد عبرت عن رغبتها الأكيدة في مساعدة مصر عند تهنئتها للسيسي بفوزه في الانتخابات. وكشف الصندوق في بيان أن لاغارد أجرت محادثات مع الرئيس المنتخب تركزت أساسا على المسائل الاقتصادية وأنها جددت التزام الصندوق بمساعدة مصر. وذكر مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط واسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي "لرويترز" إن الصندوق لم يتلق اتصالا حتى الآن من مصر بشأن استئناف محادثات القرض لكنه مستعد ومتحمس لهذا الاحتمال. وكان صندوق النقد الدولي يتباحث مع السلطات المصرية السابقة حول خطة دعم تهدف حسب مسئوليه إلى مساعدة البلاد على إدارة المرحلة الانتقالية ومواجهة حاجاتها التمويلية. وقد تم الإعلان عن حصول توافق أولي بين مصر وإدارة الصندوق بداية سنة 2013 حول قرض بقيمة 4800 مليون دولار لكن المحادثات توقفت بسبب عدم الاستقرار السياسي ثم عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي. وأرجع مراقبون للشأن المصري الفشل في التوصل إلى إتفاق أساسا إلى عدم استعداد الحكومة المصرية لفرض إجراءات تقشفية كانت شرطا لحصولها على القرض. وقال الصندوق إنه مستعد لتقديم مساعدة تقنية إلى مصر في مجال الضرائب وإجراء ما سماه اصلاحات بنيوية ضرورية لمواجهة التحديات المقبلة وذلك في أعقاب زيارة فريق تقني من الصندوق إلى مصر من 27 أبريل إلى 2 مايو 2014. ما يزعج أنصار القبول بشروط صندوق النقد الدولي هو أن الامارات والسعودية تساندان الرفض المصري لإثقال كاهل المواطن بزيادات في الأسعار قبل أن ترتفع المداخيل، وأنهما قررتا تعويض القاهرة ماديا لإبقاء أسعار السلع الأساسية ثابتة حتى إشعار آخر. مستقبل العلاقات مع واشنطن من الملفات ذات الأهمية القصوى على الصعيد الخارجي، عملية بناء علاقات وثيقة مع موسكو تتيح للقاهرة تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية وخلق توازن في علاقاتها الدولية ومواجهة الهيمنة الأمريكية. نسبة ضئيلة من المراقبين تتوقع حدوث إنفراج حقيقي في العلاقات المصرية الأمريكية، خاصة وأن البيت الأبيض يرى أنه خسر الكثير بإبعاد الإخوان عن الحكم وما يمكن أن يكون لذلك تأثير على نفوذهم وتأثيرهم في دول الشرق الأوسط وخاصة ليبيا والأردن ودول الخليج العربي. ويضيف عدد من هؤلاء المراقبين أن مشكلة الإدارة الأمريكية هي أن غالبية الموجهين لسياستها يبقون على تقديرهم بأن حركة الإخوان قادرة على العودة إلى السلطة في مصر وأنه يلزم على واشنطن إتخاذ ما يكفي من خطوات لترجيح ذلك. يوم الجمعة 6 يونيو 2014 وبخصوص العلاقات بين واشنطنوالقاهرة بمناسبة تنصيب السيسي رئيسا للجمهورية، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماري هارف: "لا جدول زمنيا لاتخاذ قرارات اضافية حول المساعدة التي لم نوافق عليها بعد لمصر"، مؤكدة ان "هناك المزيد من العمل الذي يجب القيام به" وأن الإدارة الأمريكية "ليست راضية" عن مسار تقدم الديمقراطية في هذا البلد. وفي واشنطن، ذكرت وكالة "فرانس برس" أنه من المرجح أن تبقي الولايات المتحدة شريحة كبيرة من مساعداتها لمصر مجمدة. وكان مسئولون أمريكيون قد اعلنوا في ابريل 2014 انهم يخططون لاستئناف بعض المساعدات العسكرية التي علقت عام 2013 بما في ذلك تسليم مصر عشر مروحيات اباتشي لدعم جهودها في مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء. لكن الأمر تبين أنه فرقعة إعلامية للتضليل حيث أن المروحيات ما زالت محجوزة في الولايات المتحدة. وليست هناك ايضا خطط لاستئناف بعض البرامج العسكرية مثل مد مصر بصواريخ هاربون وقطع غيار للدبابات ابرامز. مصادر رصد ألمانية أفادت أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية كلفت بإعداد تقرير حول المدى الزمني لتأثر قدرات الجيش المصري القتالية نتيجة حجب الامدادات العسكرية الأمريكية سواء تعلق الأمر بالأسلحة الجديدة أو بقطع الغيار، بالاضافة إلى المصادر البديلة التي يمكن أن تتوجه إليها القاهرة لتعويض النقص في قطع الغيار الأمريكية، وخاصة عبر دول أو شركات مع التركيز على السعودية والإمارات العربية المتحدة. 24 ساعة قبل مراسم تنصيب المشير عبد الفتاح السيسي، ذكرت مصادر إعلامية دولية: يبدو أن إسرائيل هي أول الخاسرين، بسبب عدم دعوة القاهرة لها إلى حضوره. وقد تلقت إسرائيل بغير رضى قرار مصر استبعاد دعوة كل من تركياوقطر للمشاركة في حفل تنصيب السيسي. وربما تحول شعور عدم الرضى هذا إلى قلق وغضب، بعدما أذيع أن مصر دعت إيران إلى المشاركة في حفل التنصيب. قلق إسرائيلي اعتبر معلق الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تسفي بارئيل أنه بوسع إسرائيل وتركياوقطر أن تنظم لنفسها حفلاً بديلا. وحاول بارئيل الإيحاء بأن موقف مصر من تركياوقطر، اللتين حافظتا على علاقتهما مع "الإخوان المسلمين"، ونددتا بإطاحة حكمهم، يوفر نوعا من العزاء لإسرائيل. ولكن هذا العزاء لا يعوض البتة دعوة مصر لإيران، والتي لم تكن لتتم، وفق بارئيل، من دون موافقة سعودية. وربما أن هذا مصدر قلق آخر لإسرائيل التي ترى في دعوة إيران نوعا من تقارب الدول العربية، خصوصا السعودية ومصر، معها. وفي هذا السياق، أشار بارئيل إلى دعوة وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إلى زيارة الرياض، وزيارة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح الأخيرة لطهران، في إطار وساطة بين السعودية وإيران. وخلص بارئيل إلى أن "السيسي كان ربما سيدرس دعوة إسرائيل إلى مراسم التنصيب لو أن أحدا بمنصب رفيع كان قد هنأه بالفوز بالرئاسة. فقد سبق لنتنياهو أن هنأ مرسي وتمنى له النجاح". إيلي أفيدار، الذي عمل في الماضي مستشارا لأرييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية، كتب قبل أشهر في "معاريف" أن "السيسي، مثل الرئيس حسني مبارك وربما أكثر منه، ليس صديقا لإسرائيل. وهو ليس صديق الولايات المتحدة، ويصعب العثور على حليف طبيعي له خارج مصر. السيسي وطني من النوع الذي تنجبه مصر من أواسط القرن الماضي. ومنذ تولى السلطة تعاون مع إسرائيل حينما توافق التنسيق مع المصالح الوطنية المصرية، وفي نفس الوقت استغل الأوضاع الأمنية ليعزز القوات المصرية على حدود إسرائيل، كما سمح بانتقاد فظ لإسرائيل ونشر قضايا تجسس في توقيت مناسب للتأكيد للشعب المصري بأنه ليس حليفا لإسرائيل أو واشنطن، وبالتالي فإنه ليس خاضعا لهما". وأشار أفيدار إلى أهمية "ألا تتعامل إسرائيل مع ما يجري في مصر لا بروح الفرحة ولا بشعور اقتراب الكارثة، حيث ستظل العلاقات بين مد وجزر". أمل للفلسطينيين إذا كان القلق هو الشعور الغالب في الكيان الصهيوني فإن عكسه مسجل على الصعيد الفلسطيني. صرح على الجرباوى، الوزير السابق في السلطة الفلسطينية وأستاذ العلوم السياسية، إن انتخاب المشير عبد الفتاح السيسى منح الفلسطينيين ومضة أمل بأن قضيتهم سوف تعود إلى صدارة الشئون العربية، أو على الأقل، سيكون هناك تعديل ما فى ميزان القوى مع إسرائيل. ويضيف الجرباوى، فى مقاله بصحيفة "نيويورك تايمز" نشر يوم الاثنين 2 يونيو 2014، إن القضية الفلسطينية دائما كانت محور اهتمام مصر، التي طالما كانت الدولة العربية الأقوى والأكبر. حيث لعبت القاهرة الدور الأبرز والأكثر تأثيرا فى تحديد موقف العالم العربي من فلسطين، على الصعيد الإقليمي والدولي. ويوضح الجرباوي، أنه عندما كانت العلاقات بين مصر والقادة الفلسطينيين جيدة، مثلما كانت في عهد جمال عبد الناصر، لعبت مصر دورا مركزيا وقدمت الدعم. لكن عندما كانت العلاقات متدهورة مثلما كان الحال فى عهد الرئيس أنور السادات ومجددا، على مدى العامين الماضيين، تضاءل تأثير مصر. ويتابع أن استقرار مصر الداخلى يجعلها نشطة على الصعيد الخارجي، وهو ما يعود بالفائدة على القضية الفلسطينية. مشيرا إلى أنه منذ يناير 2011، استنفذت مصر طاقتها في شئونها الداخلية، التي تركتها عاجزة عن وجود أي تأثير حقيقي على الشئون الإقليمية أو الدولية. ويقول الوزير السابق، إن أغلب الحكومات العربية حاليا، منشغلة بكيفية التعامل مع شعوبها وتتصارع مع الثورات والحروب الأهلية، حيث سقطت القضية الفلسطينية على الهامش وتركوا الفلسطينيين وحدهم في مواجهة إسرائيل وهو الأمر الذي لا يمكنهم فعله بمفردهم. وأشار إلى أن الفلسطينيين بحاجة لإصلاح العلاقة المتوترة، التي سببتها حركة حماس بالتدخل فى الشئون المصرية الداخلية مما أدى إلى تزايد انعدام الثقة المصرية والمشاعر السلبية تجاه الفلسطينيين بشكل عام. ويوضح إن نهاية الانقسام السياسي الفلسطيني يعنى عودة العلاقات مع مصر لطبيعتها، إذ يمكن للحرس الرئاسي الفلسطيني السيطرة على الحدود بين مصر وغزة مما يعنى مزيدا من السيطرة الفلسطينية على الأمن وتمكين مصر من تحسين التعامل الأمني في سيناء. ومن ثم يمكن للقضية الفلسطينية أن تستعيد حليفا إقليميا ودوليا قويا، تتعطش لدعمه. لعبة النفس الطويل تتطلع بعض الأوساط في واشنطن والأطراف التي تساند مشروعها للشرق الأوسط الجديد، إلى نجاح الضغوط في إفشال سياسة الرئيس المصري الجديد خاصة على الصعيدين الأمني والاقتصادي، وبالتالي تحريك الشارع ضده وإسقاطه وإعادة جماعة الإخوان إلى السلطة. كتبت وكالة "رويترز" يوم 19 مايو 2014: حتى الآن لم تفلح الجماعة في كسب تأييد الرأي العام في أعقاب السنة الحافلة بالمشاكل التي أمضاها مرسي في مقعد الرئاسة والتي وجهت له اتهامات باحتكار السلطة خلالها ومحاولة فرض آراء الجماعة على المجتمع وسوء إدارة الاقتصاد وكلها اتهامات ينفيها. ووجد استطلاع أجراه في أكتوبر 2013 مركز "بصيرة" المصري لأبحاث الرأي العام أن 19 في المئة من المصريين سيرحبون بعودة الإخوان للحياة السياسية في حين أن 70 في المئة من المصريين لن يرحبوا بعودتهم. وذكر مسئول أمني "جماعة الإخوان المسلمين بوضعها الحالي جماعة تبنت العنف وأيدي قادتها ملطخة بالدماء". وأضاف "لكي يتم قبولهم في الطيف السياسي والاجتماعي عليهم أن يجدوا وسيلة للتخلص من ذلك إما بقيادات جديدة أو بإسم جديد. لكن من المؤكد أن عليهم الالتزام بمفهوم جديد وإعادة الظهور كحركة سياسية جديدة". لكن أي تحرك صوب المصالحة قد يزيد من تمزيق الجماعة. وإذا اتجه عدد كبير من الأعضاء الشبان بالإخوان لحمل السلاح فسيؤدي ذلك إلى تعقيد مساعي تحقيق الاستقرار في مصر. وقال عدة أعضاء في جماعة الإخوان إن جماعات "إسلامية" تؤمن بالعنف سبيلا للتغيير وجهاديين مصريين عائدين من الجبهة في سوريا اتصلوا بشباب الإخوان لضمهم وحمل السلاح ضد الدولة. وقال خليل العناني الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية "الشباب أكثر ميلاً للمواجهة ويعتقدون أن السبيل الوحيد للتصدي لخصومهم هو الاحتجاج ربما بمهاجمة الشرطة والجيش". وأضاف "من المتوقع أن يتزايد هذا الإنقسام وهو ما سيؤثر على قدرة الحركة على تحدي الحكومة". وقالت قيادات شابة إن القادة القدامى قدموا بعض التنازلات وسمحوا للأعضاء الأصغر سنا بصلاحيات أكبر في صنع القرار، لكن مشاعر الإحباط ما زالت منتشرة على نطاق واسع بين الشباب الذين يرون أن قيادات الإخوان يفتقرون للرؤية. وتقول مصادر رصد غربية أن حركة الإخوان تراهن حتى الآن على دعم خارجي فعال لتعزيز جناحها العسكري، وعلى هذا الأساس يسهل الربط مع تصريح الباحث في "مركز استوكهولم الدولي لبحوث السلام العالمي" لمجلة تايم الأمريكية في 2013 حيث تحدث عن رصد المركز "90 رحلة لشحن جوية عسكرية قطرية من قاعدة العيديد الأمريكية على أراضيها نحو تركيا. وحسب موقع "التر انفو" الفرنسي المتخصص في الإعلام"البديل" كانت قطر بين 2012 و2013 المشتري الأساسي لمصانع السلاح والذخيرة في عدد من دول العالم بما فيها مصر "الإخوانية" ووضعت قطر يدها على الصفقات "القانونية" وعلى تهريب السلاح في الأسواق السوادء في كل من بلغاريا والبوسنة والهرسك ولبنان وتشيكيا والعراق وتركيا وليبيا، لتأمين الصواريخ المضادة للدبابات والرشاشات الثقيلة وراجمات القذائف، في حين كانت مؤسسة صقر المصرية في زمن حكومة الإخوان بين 2012 و2013 تؤمن الإمداد بالقذائف الأرضية والمدفعية. الدعم الخليجي يسجل المراقبون أن دعم دول الخليج العربي وموسكو للقاهرة أساسي وجوهري في صياغة التوازنات العربية خلال السنوات القادمة. وكالتا رويترز وفرانس برس ركزتا على موقف الامارات والسعودية، وسجلتا أن بيان الملك عبد الله لتهنئة السيسي صيغ بعناية فائقة. فبعد أقل من 15 دقيقة على إعلان فوز السيسي رسميا يوم الثلاثاء 3 يونيو بعث الملك برسالة دعم بالغة الوضوح. كما دعا لعقد مؤتمر للمانحين لمساعدة الرئيس الجديد على تفادي انهيار اقتصادي. وتجاوز البيان رسائل التهنئة المعتادة، ومن منزله الصيفي في المغرب قال العاهل السعودي إن "المساس بمصر يعد مساسا بالإسلام والعروبة وهو في ذات الوقت مساس بالمملكة العربية السعودية". وفي إشارة ضمنية للاخوان المسلمين وربما أيضا لقطر قال الملك "لنحذر جميعا بطانة السوء فإنها تجمل وجه الظلم القبيح غير آبهة إلا بمصالحها الخاصة". وطالب الملك بعدم التدخل في شؤون مصر الداخلية. وجاء في البيان الملكي أن هذا "مبدأ لا نقبل المساومة عليه أو النقاش حوله تحت أي ظرف كان". كما تشير الرسالة إلى أن الرياض التي طالما اعتبرت "الاخ الأكبر" في الخليج تتوقع من حلفاء مصر أن يقدموا الموارد التي يحتاجها السيسي لإنقاذ الاقتصاد الذي تضرر بسبب ثلاثة أعوام من الاضطرابات. وذكر الملك عبد الله إن "من يتخاذل اليوم عن تلبية هذا الواجب وهو قادر مقتدر بفضل من الله فإنه لا مكان له غدا بيننا إذا ما ألمت به المحن وأحاطت به الأزمات". الاستثمار في البنية التحتية يوم 6 يونيو 2014 ذكرت شبكة بلومبرغ الأمريكية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، إن الإمارات التي تدعم مصر بمليارات الدولارات في شكل مساعدات، قالت "إن حليفتها تحتاج إلى دعم المالية العامة والاستثمار فى البنية التحتية من أجل إنعاش الاقتصاد الذي تعرض للتداعي بسبب الاضطرابات. وقال سلطان الجابر، وزير الدولة الإماراتي المشرف على المساعدات لمصر، إن على المؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أن تبدى مرونة فى التعامل مع القيادة الجديدة في القاهرة. وقال الجابر إنه من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي، يجب وضع برنامج ضبط أوضاع المالية العامة الذى سيعيد ثقة المستثمرين المحليين والأجانب من خلال إعادة وضع الأموال العامة على مسار مستدام. وأضاف الجابر فى تصريحات بالبريد الإلكتروني لبلومبرغ قائلا "إن مصر تحتاج أيضا إلى برنامج استثمارات شامل لدعم النمو من خلال مشروعات البنى التحتية والاستثمارات الكبيرة". وتقول بلومبرغ إنه من المتوقع أن يقل العجز في الميزانية إلى ما بين 11 في المئة و11.5 في المئة من الناتج المحلى بنهاية السنة المالية الحالية. ويقول رضا أغا، الخبير الاقتصادي المتخصص في شئون الشرق الأوسط وأفريقيا، إنه ما لم تمض مصر في إصلاحات، فإن هذا الضعف سيزيد من مستويات هي بالفعل مرتفعة، في حين أن احتياجات التمويل تظل هائلة. وكلا العاملان سيبعدان المستثمرين، بما يزيد الضغط على دول الخليج للاستمرار فى سخائهم. ويتوقع مسئولون نموا اقتصاديا يبلغ 3.2 فقط في العام المالي الذي يبدأ في الأول من يوليو وهو أقل من المستويات المطلوبة لتوفير وظائف كافية للسكان الذين تتزايد اعدادهم بسرعة ولتخفيف وطأة الفقر. موسكو وإعادة التوازن تشكل العلاقات العربية مع روسيا أحد أعمدة الجهود المبذولة لإستعادة نوع من التوازن على الصعيد الدولي ووقف امتداد الهيمنة الأمريكية التي تقود إلى التمزيق وما يسمى بالفوضى الخلاقة. سلط المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في دراسة للباحثة إيمان رجب الضوء على التحركات التي تقوم بها روسيا سياسيا ودبلوماسيا في الشرق الأوسط، والتي ترتبط بالحفاظ على مصالح موسكو الاستراتيجية من جهة، وتتقاطع مع أهداف ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة من جهة أخرى. يستطيع العديد من الباحثين والخبراء ملاحظة أن المصالح الروسية في منطقة الشرق الأوسط ازدادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد ما سمي بثورات الربيع العربي، باعتبار الأهمية الاستراتيجية للمنطقة والاضطرابات المتزايدة التي تشهدها، في المقابل زادت روسيا أنشطتها الدبلوماسية في المنطقة بشكل ملحوظ. ووفقا لما تروجه روسيا فإن اهتمامها الزائد بمنطقة الشرق الأوسط وتطورات الأوضاع السياسية فيها وعلى رأسها الأحداث في سوريا حليفتها، ينم عن مخاوف من صوملة الأوضاع في سوريا التي تراوح الأزمة فيها مربع الصفر بعد 3 سنوات عاصفة من الدمار والصراع، في ظل تزايد المجموعات المتشددة التابعة للقاعدة والتي تسيطر على مناطق من سوريا. ولكن المراقبين لا يرون في الدعم الروسي لنظام الأسد في سوريا أسبابا عديدة أهمها أن روسيا تبحث عما يمكن القيام به مما يؤهلها للعب دور حيوي في الشرق الأوسط، في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير الباحثة رجب في دراستها أنه مع تزايد نشاط السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط، والمرتبط بتحقيق مصالح استراتيجية محددة لموسكو، يبدو أن هناك إطارا حاكما لهذه السياسة، يكاد يعبر عن "مشروع سياسي"، أو "رؤية سياسية" لروسيا، تؤطر سياستها تجاه المنطقة، لكن تظل فرص تحقق هذه الرؤية تواجهها تحديات عديدة مرتبطة بمواقف القوى الرئيسية في الشرق الأوسط من هذه الرؤية. وفق التصور الروسي، تعد الإضطرابات التي شهدتها كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن "ثورات ملونة"، حركتها قوى خارجية، تدعمها الولايات المتحدة، حيث تصورها موسكو على أنها "وسائل غير عسكرية" للتدخل في الشؤون الداخلية للدول. وطبقا لذلك التصور، سيترتب على هذه الثورات، في حال استمرار انتشارها في المنطقة، تشكل أجواء "حرب باردة جديدة"، طرفاها القوى الداعمة ل"الثورات الملونة" والقوى الرافضة لها. وينصرف البعد الثاني، إلى تصوير الولايات المتحدة، ولسياسات توثيق العلاقات معها من قبل دول المنطقة، على أنها مصدر تهديد للمصالح الروسية، وهو ما يضطر دول المنطقة، التي تحتفظ تاريخيا بعلاقات قوية مع روسيا، للحذر في علاقاتها مع الولايات المتحدة، في ما يشبه، وفقا للرؤية الروسية، حالة من التوازن الذي يصعب تحقيقه في مواقف الأزمات. ويتعلق البعد الثالث، بالتعامل مع كافة الفاعلين النشطين في المنطقة، سواء الدول، أو الفاعلين من غير الدول، مثل منظمات المجتمع المدني ومراكز الفكر، وهذا البعد تحديدا يمثل تطورا في الموقف الروسي من هذه المنظمات، التي عدتها موسكو، في فترات سابقة، أدوات تستخدمها الولايات المتحدة للسيطرة على الدول ونشر الفوضى فيها. عمر نجيب [email protected]