حفظا للذاكرة الوطنية واعترافا بإسهامات رجالات أبلوا البلاء الحسن في مسيرة الكفاح التي ارتبطت بمجريات الأحداث التي عاشتها العاصمة العلمية للمملكة، وتزامنا مع الذكرى الثمانين لتأسيس حزب الاستقلال وضمن منشوراته لسنة 2014 الرامية إلى تعزيز الحقل التاريخي و الفكري والتوثيق لفترات هامة من تاريخ مدينة فاس ودورها في التعبئة الوطنية وشحن الهمم لمقاومة المستعمر، أطل علينا الأستاذ عبد المجيد الكوهن بكتاب اختارله أن يكون نافذة للأجيال على شخصية حرصت دوما وباستمرارعلى البقاء بعيدا عن دائرة الأضواء والشهرة بالرغم من أدوارها الفاعلة ضمن أولى كتائب الحركة الوطنية بمدينة فاس، حيث وقع اختيارصاحب المؤلف على الشريف سيدي محمد العراقي الحسني ليكون عنوان مؤلفه باعتباره مجاهدا ومرجعا تاريخيا في النضال الوطني بحاضرة فاس التي ظلت عيون المستعمر تترصد تحركات شبابها وخلايا المقاومة التي جمعت بين أحضانها التلاميذ و الطلبة و الحرفيين والفلاحين ليشكلوا نسقا واحدا بهدف موحد احتل فيها المناضل سيدي امحمد العراقي موقعا بارزا ومؤثرا في العديد من الوقائع الحاسمة بما رافقها من ضغوطات و تضييق واعتقالات من لدن المستعمر الفرنسي. الكتاب ونظرا لأهميته ومضامينه حظي بشرف تصديره بكلمة الأخ الأمين العام لحزب الاستقلال الأستاذ حميد شباط تناول فيها أهمية هذه الالتفاتة اتجاه رمزمن رموزالكفاح، معتبرا ذلك تقديرا لجيل ما قبل الاستقلال من أمثال المجاهد سيدي امحمد العراقي الحسني الذي يعد حلقة مهمة وخزانة حية لملامسة تفاصيل دقيقة من تضحيات رجالات فاس، ما يجعله أجدربحمل صفة المفكر و المخطط و المنفذ لعمليات كان لها أثرها في تعزيز دورالحركة الوطنية دون مبالاة بما كان ينتظره من اعتقال و تعذيب على امتداد خريطة السجون الفرنسية بفاس وبولمان والرباط والجديدة ومكناس وسطات ومدن أخرى ذاق فيها ألوانا من التعسفات والضغوطات، ويضيف الأخ الأمين العام الأستاذ حميد شباط في تقديمه أن صفة الأمين ظلت عملة تميزالمجاهد سيدي امحمد العراقي عبركل المهام التي أوكلت إليه فكان حافظ سركل من رافقهم من القيادات الاستقلالية بفاس في طليعتهم الزعيم الخالد الراحل علال الفاسي والهاشمي الفيلالي وعبد العزيزبن ادريس وأحمد مكواررحمة الله عليهم جميعا إضافة إلى مهمة لاتقل عن سابقاتها و تمثلت في تكليفه بمهمة متعهد لجريدة العلم بفاس عند انطلاقتها. الكتاب حافل بالعديد من الأحداث و يسلط الضوء على مواقف وإسهامات المجاهد سيدي امحمد العراقي منذ أن اعتقل وهوفي سن الثانية عشرة وانخراطه في الحزب الوطني و فترات الاعتقال ببولمان ومكناس كما يروي لنا كذلك ظروف و أجواء تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 و انطلاق شرارة الاحتجاجات والمظاهرات التي أدت إلى الأحداث الدموية في 31 ينايرمن نفس السنة، كما عرج المؤلف على المهام السرية التي أنجزها المجاهد امحمد العراقي سواء على مستوى التنسيق مع قيادات الحركة الوطنية في الرباط لنقل الأخباروالمراسلات والاتصال بالأمين العام الحاج أحمد بلافريج وأحمد اليازيدي والفقيه الغازي والحاج عمر بن عبد الجليل ثم العودة بالتعليمات التي اتخذت في معظمها طابعا شفويا درءا للأخطاروعيون المستعمرو خدامه ناهيك عن أدوار غاية في الخطورة قام بها لأجل حركة التحريرفي الشقيقة الجزائربتكليف من رجالات حزب الاستقلال و قيادته. ويتميزالكتاب بسرده لمجموعة من الوقائع الدقيقة التي عاشتها مدينة فاس في بداية الخمسينيات بدءا بالتنديد الشعبي لاغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد وارتفاع وتيرة الاحتجاجات العارمة بعد أن امتدت يد المستعمرلنفي المغفورله محمد بن يوسف طيب الله ثراه وتواصل الانتفاضة التي خلصت بحملة اعتقالات شملت جل المدن المغربية حيث نفذت في حق الوطنيين أحكام إعدام وعقوبات قاسية لاحتواء موجة الغضب ضد مخططات المستعمر. وحتى يتسنى للقراء استيعاب العديد من المشاهد التاريخية والاضطلاع عن قرب على بصمات رجالات الحركة الوطنية فقد تضمن المؤلف رسائل ومحاضرسجنية مرفوقة بخرائط وشهادات تشكل في مجملها توثيقا لمحطات بارزة من تاريخ النضال الوطني لرجالات فاس وفي طليعتهم المجاهد سيدي امحمد العراقي الحسني.