الكتب المفردة لدراسة الأسماء المحمدية العطرة في التراث العلمي الإسلامي معدودة، ولذلك يظل هذا المبحث من مباحث علوم السيرة والشمائل في حاجة إلى مزيد اجتهاد ودرس . وفي هذا المسعى جاء كتاب الصديق بوعلام الصادرحديثا عن دار أبي رقراق في الرباط بعنوان " في رحاب الأسماء المحمدية العطرة، دراسة لدلالات الأسماء المحمدية ولآثارها الروحية والتربوية" مساهمة جديدة وإضافة سديدة إلى هذا الميدان العابق بشذى الحضرة النبوية، المتلألئ بأنوارالحقيقة المحمدية. حيث جد المؤلف واجتهد من أجل تقديم أنموذج تفسيري للأسماء النبوية مع مقدمات ممهدات وخلاصات وتنبيهات على مدى ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير. فقد كان الهدف من وضع منهجية واضحة لتقديم هذا الأنموذج التفسيري الإلمام بعدة مستويات متكاملة لتحصيل معرفة كلية قائمة على تفصيلات جزئياتها المتعددة ، فكان اهتمامه أولا، بالتمهيد لهذا الشرح أوالتفسيربمقدمات ضرورية، ذكرفيها عظمة المقام المحمدي الأسنى، وضوابط الاسم والتسمية في السنة، بصفة عامة، ومظاهر محبة المسلمين للأسماء المحمدية وتعظيمهم لها، ليربط الأنموذج التفسيري بواقع وتاريخ حياتهم. كما تحدث في هذه المقدمات عن التخلق بالأسماء الحنى، لما بينها من ارتباط بالأسماء المحمدية تفقها وتخلقا وتحققا كما فصل القول في ذلك. وحرص المؤلف في تفسيرالأسماء النبوية على الجمع بين أنواع من المصادرالإسلامية لتقديم شرح لغوي، شرعي ، أخلاقي ، حضاري إنساني . فكانت المقاربة اللغوية ضرورية لفهم معاني الأسماء وكان من اللازم البحث في النص القرآني، ونصوص السنة، والسيرة، ومؤلفات الشمائل، وغيرها من المصادرعن دلائل ودلالات هذه الأسماء الشريفة، بغاية الاستدلال على ثبوت دلالاتها التي بينها بأدلة قرلآنية ، وحديثية، وسيرية، علاوة على الفهم اللغوي المعجمي ، والتذوق البلاغي الجمالي، والشعورالوجداني الديني. وأكمل المؤلف هذا الشرح بإبراز أهمية التأدب بآداب الأسماء المحمدية ، وكيفية هذا التأدب ، والأسباب العلمية والعملية المعينة عليه، كما حلل نصا من نصوص الصلوات على النبي الكريم، وهو كتاب " دلالئل الخيرات" بغرض الوقوف على فقه صاحبه الإمام الجزولي لأسماء النبي صلى الله عليه وسلم، ونظمه لهذه الأسماء في عقد صلواته. وأتم هذه التكملة بالتنبيه إلى نقاط جوهرية لا بد من استحضارها عند قراءة هذا الشرح وبعدها. ومن ثم فهذه المساهمة في توسيع مجال فقه السيرة والشمائل النبوية، من خلال العناية بدراسة أسماء سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم تنضاف إلى المكتبة الإسلامية، المغربية والعربية، وتعززالرصيد العلمي للمغاربة في هذا الحقل الأبهج الأفيح الأنور. يقول الصديق بوعلام : " إن التفقه في أسماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم طريق إلى معرفة الشمائل المحمدية معرفة عقلية ومعرفة قلبية معا. أي عن طريق الاستدلال بكمالات هذه الأسماء على صدق نبوته ورسالته، وأنه قدوة ورحمة للعالمين من جهة ، وعن طريق التذوق الوجداني القلبي لأسرارهذه المعاني السامية التي تتضمنها الأسماء المحمدية أوتشير إليها من جهة أخرى. كما أن التفقه في هذه الأسماء باستيعاب دلالاتها اللغوية والدينية والعرفانية، طريق التخلق بأخلاقها ثم التخلق بأخلاق الأسماء الإلهية. إن كمالات الأنبياء السابقين عليهم السلام، الخلقية والخلقية، الدنيوية والأخروية، اجتمعت أحن اجتماع وأكمله في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث إن صورته البهية الشريفة أجمل صورة خلقها الله تعالى . وإذاكان سيدنا يوسف عليه السلام قد أوتي شطرالحسن كما في حديث الإسراء فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتي الحسن كله. وكذلك أخلاقه الطاهرة اشتملت على ما تفرق من أسمى الأخلاق وأسنى الآداب في غيره من الأنبياء عليهم السلام. فكل نبي من الأنبياء عليهم السلام خصه الله تعالى بمكارم ، وقد اجتمعت كل مكارم الأنبياء في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما كان الأمركذلك فإن الأسماء المحمدية الشريفة تشتمل على ما تفرق في الأنبياء السابقين من مكارم وشمائل. وهذا البحث المتواضع مساهمة في تأصيل التفقه في الأسماء النبوية الشريفة، وتوسيع مناحيه ومجاليه، بناء على دراسة لغوية وفقهية ( الفقه هنا بمعناه اللغوي ، أي الفهم) إذ تجتمع في مدها بالحقائق علوم متضافرة في مقدمتها علم السيرة النبوية، والشمائل المحمدية، وعلم الحديث، وعلم التفسير، وعلوم اللغة العربية، وعلم السلوك الأخلاقي ، وغيرها من العلوم التي لا مندوحة عنها لفهم دلالات الأسماء المحمديةالمكرمة وتذوق أسرارها الجما لية والكما لية، والتخلق بأخلاقها الربانية، والتأدب بآدابها الزكية.