كلما اثيرت إشكالية المنظومة التربوية ببلادنا إلا وكانت ,فرصة مناسبة للوقوف على مدى محدودية التجارب والممارسات التي ميزت السياسة التربوية والتعليمية السائدة في حقبة ما ,وإذا كانت,عبر تاريخ البلد الحديث,كافة المحطات التي اثارت اهتمام الرأي العام الوطني بشان واقع المدرسة المغربية كثيرة إلا ان جلها اجمع على حقيقة واحدة تتمثل في سيمة التراجعات التي ضلت تلازم كافة التشخيصات التي خضعت لها المنظومة التربوية حتى اليوم . لا اريد ان اذهب بعيدا لاتسائل هل المغرب سبق له ان توفر فعلا عن سياسة تعليمية وطنية ذات مقومات وأهداف واضحة ومتوافق حولها ,كما لا اريد ان ازعم ان فشل اعتماد نظريات تربوية متطورة بواقعنا التعليمي والثقافي مرده غياب الارادة السياسية اللازمة عند اصحاب القرار التي غالبا ما تتجسد في متاهات مسلسلات التنزيل لمبادئ هذه السياسة , لان مقاربة الشأن التربوي التعليمي من خلفية سياسية لم يعد مجديا خاصة بعد مرحلة التداول السياسي للسلطة من طرف كافة القوى السياسية الديمقراطية والتي بشكل او بأخر اقتربت من دوائر اتخاد القرار السياسي بشكل اكسبها نوع من الالمام بالملفات الكبرى . وقبل اي حديث عن اصلاح مستقبلي لمنظومتنا التربوية الحالية , لا بد من التأكيد على مجموعة من المحطات الاساسية في مسار المشروع التربوي المغربي والتي تكللت في السنين الاخيرة بإقرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين كوثيقة وطنية موجهة للإصلاحات الاساسية التي يجب ان تعرفها منظومة التربية والتكوين ادى البطء في تطبيقها الى حالة من التأخر وهو ما فرض منطق تدارك الامور عبر سن البرنامج الشهير : البرنامج الاستعجالي 2009 -2012. وإذا اجمعت المعطيات غير الرسمية المترشحة حتى الان عن الدراسات والافتحاصات المنجزة ,ان هذا البرنامج كان له الوقع الكبير في مجالات معينة دون اخرى من المنظومة التربوية على سبيل المثال لا الحصر , مسالة توسيع العرض التربوي والدعم الاجتماعي وانعكاساتهما على رفع وثيرة ولوج ابناء الاسر المعوزة الى التمدرس خاصة بالنسبة للفتاة بالعالم القروي ,كما ساهم هذا المد الاصلاحي في ماسسة و دسترة الفعل السياسي المعتمد في بلادنا في مجال التربية والتكوين في علاقتها بالمشروع المجتمعي المنشود عبر إحداث المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحت العلمي . وإذا استطاع المخطط الاستعجالي ان يستجيب الى حد ما الى اسئلة الكم القمينة بضمان الحق الدستوري في التمدرس عبر توفير البنى التحتية التربوية والايوائية وتجميل فضائتها و ضمان الاحتفاظ بالتلميذ في المدرسة اطول وقت ممكن امتثالا لمنطق تحسين المؤشرات المعتمدة وطنيا ودوليا في تقييم اداء ونجاعة السياسات التعليمية المعتمدة,فان اسئلة الجودة و الكيف ضلت مغيبة خاصة في مجال التعلمات الاساسية في علاقتها بالبرامج والمناهج وبالأداء المهني لرجال ونساء التعليم . وباانظر الى الوضع التربوي والتعليمي الراهن وخاصة بمناسبة استعدادات وزارة التربية الوطنية والتكون المهني لتاطير وتنظيم سلسلة من اللقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية ,تبرز هذه المرة ,اهمية ايلاء الاهمية القصوى في الاصلاح للشق التربوي من اجل بلورة مشروع تربوي جديد . ولعل هذا التوجه الجديد نابع من واقع المنظومة ما بعد البرنامج الاستعجالي الذي صار يتميز بتحسن ملموس في البنى التحتية والمنشات التربوية على حساب المرتكزات التربوية الصرفة في ابعادها المختلفة . وقبل ان اسرد الاعتبارات التي قد تجعل من الاصلاح التربوي المقترح في فلسفته ومنهجه سابقة في بلادنا قد تستحق لقب "الربيع التربوي لا بد من الحسم في مجموعة من المنطلقات والشروط التي من دونها لا يمكن لاي اصلاح مهما بلغت جديته ان يبلغ مراميه . اولها اهمية الاستعداد و صدقية الانخراط في الاصلاح من طرف المعنيين المباشرين بالحقل التربوي والتعليمي بما فيهم الاسرة كشرط اساسي لإنجاح صيرورة ما اصطلح عليه بالإصلاح على اعتبار ثمة مفارقة عجيبة وغريبة ترسم في افق كل محاولة اصلاح , فلا الوزارة الوصية عبر العديد من الاستشارات والتشخيصات اسطاعت ان تقف على حقيقة موقف الفاعلين التربويين على اختلاق تخصصاتهم من المطلوب من الوزارة ولا هؤلاء توصولوا لمعرفة ما يريدونه من وراء للتعليم المنشود . امام هذا الوضع الماسف الذي لا يسمح باجراء تقييم موضوعي لاي اصلاح مقترح فحسب بل غالبا ما يعمل على اجهاضه حتى قبل بدايته وهكذا تضل الامور تدور في حلقة مفرغة متسببة في اهدار الوقت و الجهد والمال وأمال الاجيال. ثانيا فإذ اكان لزاما لكل اصلاح منشود لمنظومة التربية والتكوين الحالية ان ينطلق من نتائج تشخيص محكم لما وصلت اليه اوضاعها الحالية سواء بالاعتماد على المؤشرات الوطنية اوالدولية او بالاستناد الى الموقف الشعبي للرأي العام حول الصورة الباهتة للمدرسة لدى المواطن ,فإن هذا الاجماع حول الواقع السيئ للتعليم في بلادنا لازال لم يقابل بعد باعتراف من طرف الاطراف المعنية بالشأن التربوي تخطيطا وتنفيذا بأهمية الجراءة في التعبير والإفصاح عن الاطراف التي يمكن اعتبارها جزئ من المشكل كشرط للوصول الى معرفة الاطراف المعنية بإيجاد الحلول بعيدا عن متاهات المزايدات وتقاذف المسؤوليات. ثالثا ونحن امام محطة إصلاح تاريخية , هناك مطلب تاكتيكي يتحتم على جميع الاطراف المعنية مباشرة بإصلاح المنظومة التربوية ان تتحلى به ,يتمثل في مقدار الانضباط الذي يجب إعتماده , بمعني الالتزام الجماعي الصارم بقواعد وسلوكات من شانها اتاحة الظروف و الوقت الكافيين لسريان ملامح و مضامين وأساليب الاصلاح حتى تتشكل المعطيات المادية الكافية لتقييم تجربة الاصلاح . وبالرجوع الى الجديد في الاصلاح التربوي المرتقب لابد من التذكير ان هذا الاصلاح كما سبقت الاشارة الى ذالك ينصب اساسا في الحقل التربوي , يتميز كفعل اصلاحي عن باقي المحاولات والمنتديات السابقة بمجموعة من المميزات التي على ما يبدو ان طبيعتها ومراميها مستمدة من اسباب الاخفاقات التي كانت حاسمة في فشل منتديات الاصلاح السابقة. فمشروع الاصلاح التربوي الجديد ينطلق من مرجعية الخطاب الملكي السامي ل 20 غشت تشخيصا و فلسفتا ومنهجا وهوما يطفي عليه نوع من المشروعية التي تجعل من اصلاح المدرسة المغربية امر يندرج ضمن البعد الجديد لثورة الملك والشعب . وفي هذا السياق لابد من الوقوف على بعض معاني الخطاب الملكي التي شكلت مبادئ اساسية في توجيه مشروع الاصلاح التربوي المرتقب اهمها الاطار الجديد المتمثل في التأكيد على ان ورش اصلاح المدرسة المغربية ورش وطني يفرض انخراط الجميع وهو توجه يبدو واضحا من خلال الورقة التاطيرية للقاءات التشاورية حول المدرسة المغربية التي حددت مختلف انواع الفئات المستهدفة بالمشاورات بدون استثناء بغض النظر عن مكانتها في تراتبية الدولة. بالرجوع الى ادبيات المؤاخذات التي سجلت في حق كافة الاصلاحات التي عرفتها المنظومة التربوية نستشف موقفا تقليديا يكاد يتردد على لسان كافة رجال ونساء التعليم يتمثل في النزعة التحكمية للقائمين على الشأن التربوي والتعليمي في اتهام صريح لانعدام الرغبة الاكيدة في إشراك مهنيي القطاع في التخطيط والإعداد وبلورة المشروع التربوي في انسجام تام مع انتظارات الاسرة التعليمية ومع تطلعات المجتمع المغربي. فمضامين ومنهجيات مشروع اللقاءات التشاورية حول المدرسة الحالي بنيت بشكل يتيح الاشراك والتقاسم مع الجميع واساسا رجال ونساء التعليم حيث تم توزيعهم الى عدة فئات من المستهدفين اسندت لهم مهمة مناقشة وتحليل كافة الاشكاليات المرتبطة بواقع المنظومة التربوية الحالي واستشراف انتظاراتهم حول مدرسة الغد مع اقتراح الحلول وسبل تطويرها .فإذا تمت الامور كما اريد لها وفق الارضية المؤطرة للقاءات التشاورية التي اتنطلقت نهاية شهر ابريل الحالي,لا ارى جدوى الاستمرار عن الحديت عن تغييب رجال او نساء التعليم عن المشاركة الفعالة في بلورة الاصلاح. هناك ايضا الجانب المنهجي المعتمد في تاطير اللقاءات التشاورية الذي يمكن إعتباره متميزا بالمقارنة مع المنهجيات المتبعة في ملتقيات الاصلاح السابقة والتي كانت في ما يتعلق بمنهجية تسير اللقاءات وتاطير النقاش ,كانت تتيح مساحات شاسعة للنقاش غالبا ما تكون فرصة لعرض جملة من الخواطر ليس الا في غياب لتحديد مسبق للإشكاليات والأسئلة الاساسية التي من خلال تحليلها وملامستها نكون قد اقتربنا من الاطار الموضوعي لتنزيل الانتظارات واقتراح الحلول.قد بجتهد بعض الكرماء في اعتبار ان مبدا التحديد المسبق للاسئلة والمواضيع هو ضرب من ضروب استمرار النزعة التحكمية المتعالية في سن وبلورة المشروع التربوي المنشود .نقول في هذا الصدد ان التجارب السابقة للنقاش والتقاسم حول المدرسة المغربية غالبا ما كانت تفضي الى نقاشات مجانبة للنتائج المرجوة. وفي الاخير إن ثقافة الاشراك والتشاور في مصير قضايا حساسة للبلد كنثل التعليم , امر جديد في بلد لا زال في بداية مشواره الديمقراطي وفي حاجة الى دعم وتعزيز مسار إعمال مبادئ الحكامة الجيدة في شتى مناحي حياته وفي انتظار ذالك اكيد ان هذا الحدث سيخلف ردود فعل كثيرة اغلبها ينبني عن رصيد تاريخي لمقدار الثقة الضعيف بين الوزارة ورجال ونساء التعليم ,فلن نفاجا إذا سمعنا بإن هذه المشاورات تعتبر مسرحية لتمرير مشروع تربوي جاهز وموجود فوق مكتب السيد الوزير بل افول موجود في وجدان بعضنا