نطوي الثقافة الشعبية على قيم تدفع بالرجل إلى عدم الإفصاح للمرأة عن دخله، وتقدم الثقافة مسوغات لذلك؛ فالمرأة في الصورة النمطية ثرثارة ومبذرة وسرها ذائع. وفي المقابل فإن الثقافة تدفع بالمرأة للكشف عن المستور فيما يتعلق بالزوج ومقدار دخله وكم يملك؛ فغنى الزوج قد يصبح نذير شؤم كأن يقترن الزوج بامرأة أخرى، ومن ثم فإن الثقافة الشعبية تغذي المرأة بآليات دفاع لجعل الزوج ينهمك فقط في تدبير لقمة العيش لأكبر عدد ممكن من الأبناء الذين تنجبهم الزوجة لإبعاد « شبح الغنى» الذي قد يجلب معه النكد والزوجة الثانية. على أن ما يعنينا هو «سوء التدبير»، فالمرأة في الثقافة الشعبية لها أكثر من صورة سلبية على الرغم من وجود صور إيجابية لها، وهو ما يعكس تناقضات الثقافة وذرائعيتها طبقا للموقف. تقدم الثقافة الشعبية المرأة عاجزة عن التدبير، ولا تستطيع القيام بما الرجل أهل له، وذلك في الوقت نفسه الذي تضفي عليها فضائل متعددة. ومع انتشار تعليم الفتاة ودخول المرأة سوق العمل فإن لصور السلبية لا تزال لها رواسب في الثقافة السائدة؛ ففي دراسة الكاتب عن إحدى الهجر البدوية لاحظ رواجا واسعا للصور السلبية الخاصة بالمرأة على الرغم من هبوط مستويات الأمية وانتشار التعليم وانخراط أعداد لا بأس بها من النساء في العمل وقد طرحنا هنا تساؤلا حول الشفافية المالية كجانب واحد فقط مما سبق لمعرفة مدى علم المبحوثات بمقدار ما يكسب الزوج، وكيف ينفق دخله، وهل الشفافية المالية واردة أم أن الأفكار التقليدية لا تزال سائدة؟ النتائج أشارت إلى تحسن الصورة بدرجة كبيرة لكن ليس من الضروري أن ينسحب ذلك على الجميع، فنحن نتحدث عن مبحوثات يعشن في منطقة حضرية وأزواجهن يحملون مؤهلات تعليمة مرتفعة (تعليم جامعي ? دبلومات عليا...إلخ). حيث أشار إلى ذلك 64% من المبحوثات في الوقت الذي أشار71% من العينة إلى أن تعليمهن جامعي أو أعلى من ذلك، مما يشير إلى أن شريحة البحث تمثل أسر الطبقة الوسطى، وهي طبقة متنامية في المدن والمناطق الحضري. وقد أشار نحو 94% من العينة إلى أنهن يعلمن تحديدا مقدارما يكسب الزوج وأنهن أيضا يناقشن الأمور المالية معه. ولتحديد درجة علم الزوجة بتفاصيل الأمور المالية للزوج أفاد 40.2% أن أزواجهن يخبرونهن بكل شيء وذلك بشكل «دائم»، وأن ما نسبته 36.5% يخبرونهن «أحيانا» بينما نحو 11% يخبرونهن ولكن «نادرا». وجدنا ما نسبته 12% من الأزواج فقط- وبحسب إفادة الزوجات- لا يخبرون زوجاتهم بأمورهم المالية، والنسبة المذكورة متدنية إجمالا مقارنة بمجموع نسب من يخبرون الزوجات، التي تبلغ نحو 88% وقد أفاد أيضا ما نسبته 87% من المبحوثات أنهن يتدخلن بطريقة إنفاق الزوج للمال مما يشير إلى امتلاكهن نفوذا كافيا للتدخل بأوجه الإنفاق. وبالطريقة نفسها أفاد ما نسبته 82% من المبحوثات أن أزواجهن يتدخلون بطريقة إنفاقهن لدخولهن ما يلفت الانتباه hأن هناك ما نسبته 18.2% من الأزواج لا يتدخلون بطريقة إنفاق الزوجة للمال، بينما نجد تدني نسبة الزوجات اللاتي لا يتدخلن إلى 12.1% ، وهي نسبة لم تكن متوقعة؛ إذ كان الاعتقاد أنها أعلى من ذلك بكثير. وإذا أشارت النتائج إلى شيء فإنها تشير إلى مدى نفوذ الزوجة العاملة وثقة الأزواج بقدرة زوجاتهم على تدبير المسائل المالية، وهو أمر غاية في الأهمية، لكن لا يغيب عن البال المستوى التعليمي للزوج عامل أساسي في خلق درجة من الشفافية المالية بينهما وخلق نظرة إيجابية متبادلة بين الطرفين. مناقشة: تسهم المرأة العاملة في عملة الإنفاق الأسري بشكل مباشر، ويتوجه دخل المرأة العاملة- بالدرجة الأولى ? نحو رفاهية أسرتها، وهو دور تقوم به المرأة بكفاءة وإيثارية تنم عن وعي تام بمسؤوليتها الاقتصادية تجاه الأسرة. وتبدو عملية إنفاق المرأة على أسرتها كعملية تبادل اجتماعي؛ فإسهامها في الإنفاق عززت مكانتها داخل الأسرة وهو ما أشارت إليه النتائج الخاصة بنمو نفوذها وقدرتها على اتخاذ القرار، فبقدر ما تعطي المرأة فإنها تأخذ أيضا. وبالطرية نفسها فإن الرجل، بوصفه معيلا وتقليديا، قد حصل أيضا على مقابل من خروج المرأة للعمل تمثل في رفاهية الأسرة اقتصاديا ولاسيما أن الأوضاع الاقتصادية تلقي بظلها على أسرة اليوم، فالمبحوثات يعشن في منطقة حضرية تسود فيها نزعة استهلاكية طاغية مما يجعل وجود أكثر من دخل في الأسرة مطلبا أساسيا، الأمر الذي يتطلب درجة من التعاون بين ازوجين وتنظيم الدخل؛ لكي تتمكن الأسرة من الإيفاء باحتياجاتها المتزايدة. وبما أن الحديث يدور حول زوج وزوجة يعملان ولكل منهما دخل ودوره في الإنفاق فإن هذا يعني امتلاك المرأة لورقة رابحة تتمثل بدورها الاقتصادي، مما نتج عنه تنازل الزوج عن بعض نفوذه للزوجة في سبيل استقرار العلاقة الزوجية من جهة ومن جهة أخرى للحفاظ على استقرار الأسرة التي أصبحت معرضة للتصدع أكثر من ذي قبل وذلك لعدة أسباب ربما كان أحدها العامل الاقتصادي. أما المرأة العاملة فإنه ليس من الضروري التشبث بفكرة أن الحاجة الاقتصادية هي دافعها للعمل على الرغم من أهمية ذلك؛ فالدراسة أثبتت أن 24% فقط يعملن لدافع اقتصادي محض بينما تعمل الأخريات لأسباب متعددة، منها الرغبة في إثبات الذات والاستقلال الاقتصادي وللإفادة من المؤهل التعليمي، وهي مكتسبات تسهم إلى حد كبير في توسيع نفوذ المرأة. ومع ذلك فإن خروج المرأة للعمل وقيامها بدور أساسي في الإنفاق قد زاد من الأعباء الملقاة على كاهلها بسبب تعدد أدوارها: زوجة وأم وربة بيت ثم موظفة، وهو ما استلزم التكيف مع جميع هذه الأدوار في ظل عوامل ثقافية واجتماعية تصبح أحيانا عائقا عندما يدور الحديث عن عمل المرأة وأهميته على المستوى الأسري أو الوطني. ولحسن الحظ فإن العاملات في قطاع التربية والتعليم الحكومي يواجهن مشكلات أقل مما هو عليه الحال في قطاعات أخرى، ربما بسبب طبيعة العملية التربوية والتعليمية وظروف العمل التربوي ومواصفاته، الأمر الذي مكن العاملات فيه من التوفيق بين متطلباته وبين أدوارهن الأخرى. ولأن دخول المبحوثات مرتفعة نسبيا فقد لوحظ سيادة نمط إنفاق تقليدي قد يوصف بأنه غير راشد، وهو ما اتضح من عدم عناية المبحوثات بتخطيط دخولهن أو وضع موازنة للإنفاق للأسباب التي ذكرتها المبحوثات في ثنايا الدراسة. وقد لاحظت الدراسة درجة مرتفعة من الشفافية المالية بين الأزواج وزوجاتهم مما يشير إلى بروز نمط علائقي بين الأزواج يتأسس على الفهم والوضوح والتكافؤ بعكس الصورة التقليدية التي تجذر من الفروق الجنسية بشكل صارخ. غني عن الذكر أن علاقات النوع أو علاقة الرجل بالمرأة تتحدد في ضوء منظومة من القيم الثقافية التي تؤدي دور الميكانيزمات في تشكيل تلك العلاقات وأن تلك الميكانيزمات (الآليات) ليست في حالة سكون.