سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
روبورطاج: المكفوفون المعطلون بين ظلام العمى وظلم الحكومة *** محاولات متكررة للانتحار في الشارع العام بعد صمود ومواجهات مع الأمن لأكثر من عشر سنوات ولأكثر من حكومة..
*** الصندوق" الجوال" وبيع "الكلينيكس" وسيلتهم للبقاء..في تخل تام من الدولة عن قضيتهم *** أغلبهم قادم من مدن نائية يستأجرون غرفا في حي سيدي موسى بسلا ويحملون الحكومة عواقب تسييس ملفهم. ماذا لو طلب من بعض المسؤولين من هذه الحكومة وخاصة الذين يوجد ملف المكفوفين المعطلين بين أيديهم الوقوف في الشارع أسبوعا فقط معصوبي الأعين، ليركبوا الحافلة بعد ذلك متوجهين نحو حي سيدي موسى بسلا، حيث يكتري اغلب المكفوفين المعطلين غرفة مع الجيران ، غرفة قيمة إيجارها تصل إلى 600 درهم يحصلونها من مساعدات يقدمها لهم عابرو شارع محمد الخامس ، وقوف لأسبوع فقط رغم أن من هؤلاء المعطلين من ظل يقف في هذا الشارع لأزيد من عشر سنوات، يجتر الحسرة ويتحسس تغير الفصول حوله ، منهم من جاء من الناظور واكادير وفاسوبني ملال والحسيمة وغيرها من مناطق المغرب، جاءوا بحثا عن عمل في مؤسسات تابعة للدولة.. بعض أصدقائهم تمكن من الحصول عليه، بينما ظل الباقون يتمزقون بين الإحساس بالأمل وإحساس كبير باليأس خاصة من تجاوزت سنه أربعين سنة كحال "ف" مزدادة في 1969 جاءت إلى الرباط قادمة من بني ملال بعد حصولها على إجازة في الشريعة في فاس ، جاءت لتناضل ضمن "مجموعة النجاح" من اجل وظيفة موزعة مكالمات بإحدى الوزارات أو مدرسة في مدرسة تعليم المكفوفين أو أي عمل تستطيع امرأة كفيفة أن تقوم به " هي من تستأجر وزميلة كفيفة غرفة ب550 درهم في قرية سيدي موسى بسلا ..وفي غمرة البؤس وقلة الحيلة قالت فاطمة : أصبح اليأس يتملكني بعد مرور أزيد من سبع سنوات على قدومي إلى الرباط..قدوم انتهى بي إلى هذا الحال..الحال الذي قادهم في آخر احتجاج إلى سكة الحديد في محطة الرباط ليعلنوا بحركتهم تلك أن الموت حرقا أفضل من التسول والتشرد في شوارع العاصمة وعلى مدى سنين وحكومات.. حال "ف" هو حال عشرات المعطلين المكفوفين الذين ينتشرون في شارع محمد الخامس وبعض الشوارع الجانبية القريبة من بناية البرلمان، تقتعد كرسيا بلاستيكيا وتحتضن صندوقا"يسمونه الصندوق الجوال" يكفيهم اهانة مد اليد، ألصقت به ورقة كتبت عليها اسم المجموعة التي تنتمي إليها وكذلك جملة منمقة لطلب المساعدة..جلوس يدوم ساعات طويلة دون حراك ، "ف" تجاوزت الأربعين وفي كل لحظة تقضيها جالسة في الشارع متشبثة بخيط أمل رفيع يزيد إحساسها بالألم واليأس.. بابتسامة ساخرة أجابت عن سؤالي حول إمكانية تشغيلها .. " هذه الحكومة لم تشغل حتى المبصرين ما بالك نحن ..لقد تخلوا عن برنامج تشغيل المعطلين وبتنا منسيين هنا ..أزيد من ثلاث سنوات لا مخاطب ..لا حوار..لا أنكر أنني بت أصارع نفسي من اجل أن أبقى في الرباط.. فالوضع لا يحتمل واليأس بات مسيطرا علي..ونفس الأمر بالنسبة للعشرات منا ..سألتها عن مدى تضامن أصدقائهم في المجموعة الذين تمكنوا من الحصول على شغل معهم الآن ..فقالت وقد اختفت الابتسامة الشاحبة عن وجهها.."كل وضميره هناك من يساعدنا وهناك من نسي أمرنا تماما..".. تركت"ف" وإحساس كبير بالإحباط يتملكني فلم أجرؤ أن اخبرها أنني صحفية بصدد انجاز روبورتاج عن قضيتهم ، بل اكتفيت فقط بالقول إنني امرأة من نفس الجيل وعابرة سبيل ، خيط أمل رفيع يشدهم جميعا إلى البقاء متشبثين بمطالبهم . ..ومجابهة كل أنواع القمع التي مورست ضدهم والغريب بل الجميل هو أنهم جميعا وخلال الحديث معهم يرسمون ابتسامة تخبرك أن بصيرتهم قوية وإصرارهم لا حد له..رغم القمع الشرس الذي تواجه به حركاتهم الاحتجاجية والتي تبقى دائما مفاجئة وأيضا صادمة سواء للجهات الأمنية او حتى للمواطنين.. "ر" ابن مدينة الناظور يفترش الأرض يردد"خود كلينيكس..خود كلينكس.." كأي بائع متجول لا يحمل نظارة سوداء بل يكشف عن عينين يغلفهما لون رمادي وبهما حمرة تؤكد حاجتهما الشديدة لعناية طبية ..يجلس عند تقاطع شارع علال بن عبد الله وشارع محمد الخامس ، حال هندامه تخبر أن الرجل الشاب لا يوجد من يعتني به ، سألته إن كان متزوجا فسخر من سؤالي بالقول ضاحكا "باش غدي نتزوج..؟ اقطن في غرفة بسيدي موسى وبالكاد أتدبر وزميلي ثمن إيجارها، "ر" كان يقود الوقفات الاحتجاجية التي نفذها المعطلون المكفوفون أمام البرلمان وكان يردد الشعارات بعلو صوته يريد انتصارا لقضيته ..قضية بات يشترك فيها المكفوفون والمبصرون سوية ..قضية أو لنقل حقا من حقوق البشر الأساسية ..الحق في العمل.. "ر" ينتمي لمجموعة الوحدة، درس في فاس وحصل على شهادة الإجازة في الدراسات الإسلامية ..وجه نقدا لاذعا لهذه الحكومة ، التي حرمته من حقه في التوظيف ، معتبرا أن الحكومة السابقة كانت قد فتحت باب التشغيل المباشر أمام الخريجين المكفوفين وكان هو في الدفعة التي سيتم توظيفها، إلا أن تغير الأوضاع وتسييس ملف تشغيل المعطلين المكفوفين حرمه من فرصة كانت ربما ستنقذه من الشارع الذي ظل يتردد عليه منذ 2002.. شاب آخر من نفس المجموعة صرح أن هذه الحكومة تتعامل بشكل تمييزي مع المجموعات المعطلة ، حيث أقصت وزارة بسيمة الحقاوي مجموعة الوحدة للمكفوفين المعطلين خلال تعاطيها السطحي مع ملف المعطلين المكفوفين ، وذلك حتى تدخل المجموعات في صراع مع بعضها وما ينتج عن ذلك من تشتت، حدث هذا في آخر لقاء كان في فبراير 2013 يقول الشاب الكفيف.. وقريبا من حديقة ساحة البريد يقف شابان في العشرينات من العمر، هما أيضا يبيعان "الكلينيكس"، تميزهما نظافة لباسهما وأيضا وسامة الوجه..شابان كتب عليهما أن يكونا مكفوفين ، وان يأتيا إلى الرباط بعد الحصول في 2010 على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب بفاس ليقضيا فيها أزيد من ثلاث سنوات، يقول احدهما : شاركنا في جميع أشكال النضال والاحتجاج، ولن نتوانى عن فعل أي شيء يمكننا من انتزاع حقنا في الشغل، فقد أحدثت مناصب خاصة بالمكفوفين في وزارتي الصحة والعدل مثل موزعي المكالمات"السطوندار" ولم يتم تمكين الا فئة قليلة منها وذلك في عهد الحكومة السابقة وكذا تخصيص نسبة 7%من المناصب المتبارى حولها ومن خلال مشاركتنا في عدة مباريات اتضح لنا أنها نسبة وهمية ولا يتم تطبيقها ، ومن هناك لم نعد نشارك في أي مباراة..الشابان يقطنان أيضا في قرية سيدي موسى حيث يستأجران غرفة مع الجيران.. شاب آخر من مواليد 1974 أب لثلاثة أطفال، هو الآخر يحتضن الصندوق الجوال الصق عليه ورقة يكشف فيها وضعه العائلي مع جملة صغيرة "ارحموا عزيز قوم ذل" يقول هذا الأب العاطل والكفيف، وهو ابن فاس وحاصل أيضا على الإجازة في الدراسات الإسلامية في 2007،" شاركت في عدة مباريات لكن بلا جدوى ..نحن نعيش وضعا إنسانيا مزريا، المسؤولون يتفرجون علينا ، كل يوم نقضيه هنا بعيدا عن الأسرة يجعل حالتنا النفسية تتدهور أكثر، خاصة أن هذه الحكومة ترفض فتح أي حوار مع المعطلين المكفوفين وتتركنا للشارع كأننا لسنا أبناء هذا الوطن.. أمام هذه الشهادات التي تكشف عن محنة المعطلين المكفوفين الذين يقضون يومهم في شارع محمد الخامس وليلهم في غرف بئيسة بحي سيدي موسى، وبعد ان جربوا جميع أنواع الاحتجاج وباتوا يبحثون في الموت عبر الانتحار حرقا امام البرلمان وامام وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن وأمام وزارات أخرى أو في محطة القطار فكاكا من بؤس لا يطاق ، ماذا ينتظر المسؤولون وحتى المؤسسات التي درست هؤلاء لإنقاذهم من الشارع.. يتساءل المواطنون: اين مؤسسات الرعاية وأين وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة التي شهدت في 2011مقتل مكفوف معطل.. دخلت الوزارة في صراع مع المعطلين المكفوفين منذ عهد نزهة الصقلي التي كانت قد وعدتهم بالتوظيف المباشر، وبالفعل تحقق التوظيف للبعض منهم وظلت الصقلي تبحث عن الحل حتى من خلال الحديث معهم في الشارع، وبعد مجيء بسيمة الحقاوي أصبح الطريق يقودهم إلى شارع محمد الخامس للتسول والى حي سيدي موسى للمبيت في انتظار تنفيذهم لاحتجاج آخر.. فالحقاوي و مباشرة بعد تسليم السلط بينها وبين الوزيرة السابقة نزهة الصقلي فتحت حوارا مع لجنة المعطلين المكفوفين وأقنعتهم في فك الاعتصام وإخلاء مبنى الوزارة ومع مسكها حقيبة الوزارة التي كانت قد تحولت إلى معتصم للمعطلين المكفوفين والمعاقين حركيا وتوجهها أول مرة إلى مبناها وسط احتجاجاتهم تمكنت من إقناعهم بفك اعتصامهم ومغادرة مبنى الوزارة، بعد أن قدمت لهم وعودا بدراسة ملفهم المطلبي شخصيا، والدفاع عنه مقابل إخلاء بناية الوزارة، وفعلا تم فك الاعتصام..ومازالت الحقاوي تعد وتتوعد ولاشي في الأفق يقول احد المكفوفين المعطلين هي من كانت تقيم على نزهة الصقلي الأرض ولا تقعدها حين كان حزبها في المعارضة.. ... من حركاتهم المشهودة نزول العشرات منهم في فبراير الماضي إلى سكة الحديد بمحطة الرباطالمدينة حيث أوقفوا حركة القطارات القادمة من الرباط والمتجهة إليها لنحو ساعة تقريبا، بعد أن ربطوا أجساد بعضهم بالسلاسل، وهددوا بإضرام النار في أجسادهم حاملين قارورات بلاستيكية مملوءة بالبنزين، ولم يتم إخلاء السكة إلا بعد تدخل القوات العمومية التي عمدت إلى فك اعتصامهم وترحيلهم عن السكة.. نفس المشهد سبق أن نفذه المكفوفون المعطلون قبل سنوات أمام البرلمان بعد أن ربطوا أجسادهم بالسلاسل ليصبحوا كتلة واحدة ..كتلة بشرية بعيون لا ترى لكن ببصيرة ترى جيدا ..كان مشهدا مؤلما أوقف مئات المارة بعد أن هاجم رجال القوات المساعدة والتدخل السريع المحتجين المكفوفين وابرحوا أجسادهم ضربا بهراواتهم الثقيلة ..مشهد أبكى الكثير..لكنه لم يبك المسؤولين الذين منهم من يسخر منهم بل يقول لهم .."سيروا انتاحروا.."