يبدو أن الأوضاع السياسية المتشنجة في المنطقة، وانعكاس الأزمة السورية على لبنان، الذي يشهد تفجيرات إرهابية منذ أشهر، تركا أثرهما على الفن، الذي يبدو أنه يدفع ثمن هذه التجاذبات التي وصلت إلى حد التراشق الإعلامي بين الفنانين السوريين واللبنانيين. قبل أيام، ظهرت الممثلة السورية سلافة معمار على غلاف مجلة «سيدتي»، وشنت هجوماً عنيفاً على الممثلات اللبنانيات، ووصفتهن بمجرد أشكال جميلة يحب المشاهد أن يتفرّج عليها، وقارنت بينهن وبين الممثلات السوريات، اللواتي وصفتهن بالجميلات والقديرات على حد سواء. ولم تكتف سلافة بهذا الحد، بل شنت هجوماً على الممثلة سيرين عبد النور، وأكدت أن هذه الأخيرة تعجز عن أداء أي دور تؤديه هي، أي سلافة، من دون أن يكون هناك مناسبة للحديث عن سيرين التي أقحمتها عنوة في حديثها. تصريحات سلافة لم تمر مرور الكرام، فشنّت الصحافة اللبنانية هجوماً عليها، معتبرة أنها تقلل من قيمة الدراما اللبنانية التي حققت إنجازات كبيرة في السنوات الأخيرة، ومن قيمة الممثلين اللبنانيين الذين باتوا أبطال الأعمال العربية المشتركة دون منازع. ولم يخل الأمر من حساسية، إذ اعتبر البعض أن توتر العلاقات السياسية بين لبنانوسوريا، انعكس على الفن الذي بات يشكل وجهاً آخر من وجوه الصراع، لو على الورق. طليق سلافة من جديد تصريحات سلافة أعادت إلى الذاكرة تصريحات سابقة لطليقها المخرج والممثل سيف الدين سبيعي، الذي أخرج مسلسل «ديو الغرام» في بيروت، وبطلاه، زميلاه في برنامج «ديو المشاهير»، الذي شارك في الدورة الثانية منه، ماغي بوغصن وكارلوس عازار، إلا أنه مني بالفشل ما جعله يصب جام غضبه على الدراما اللبنانية. فقد هاجم سبيعي في سلسلة تصريحات له الدراما اللبنانية، التي وصفها بأنها سطحية عائمة، تتكلم فقط عن قصة حب أو عن صعوبة الارتباط بسبب اختلاف الدين بين الحبيبين. متسائلاً: عن سبب إبعاد المشاكل السياسية عن هذه الدراما التي لا تحاكي الواقع. هذا الهجوم لم يمرّ أيضاً مرور الكرام، فوصف الكثيرون سبيعي بأنه جاحد، وبأنه يحمّل وزر فشله للدراما اللبنانية وينسف ما حققته من إنجازات، ولو قليلة، في السنوات الأخيرة. ولعل قمة الهجوم كان من خلال فيلم «عصي الهوان» للمخرج وسام قهوجي، الذي أثار موجة من الامتعاض لما تضمنه من تشويه متعمد لصورة الشعب اللبناني، الذي يرزح تحت عبء الأزمة السورية منذ انطلاقها. الفيلم الإهانة الفيلم الصامت يسلط الضوء على معاناة شاب توفيت زوجته في سوريا وحمل ابنته إلى لبنان، حيث طغت الموسيقى المؤثرة على الفيلم، واستعيض عن الحوار بجمل مكتوبة يقرأها المتلقي ليشعر أكثر بمعاناة السوري الباحث عن مأوى، وقسوة اللبناني الذي يرمي به خارج أسوار فيلته، قبل أن يتذكر السوري أن صاحب الفيلا هذا طلب منه إيواءه أثناء حرب تموز التي شنتها إسرائيل ضد لبنان في عام 2006، ما اضطره وزوجته إلى ترك منزلهما له ولعائلته كي لا يبقوا دون مأوى. ولأن المخرج المغمور شعر بقسوة طرحه، كتب في نهاية الفيلم رسالة مفادها أنه لم ير سوى النصف الفارغ من الكأس، وأنّ القليل من القبح يطغى على الكثير من الجمال، وباعترافه أن هذا النموذج إن وجد، فهو قليل مقارنة بأهل الخير الذين استقبلوا النازحين السوريين على مدى ثلاثة أعوام، وهو ما يدين المخرج الذي خصص فيلماً لحالة اعترف أنها تكاد تكون فردية، مقابل تجاهله للضغط الذي يرزح تحته اللبنانيون الذي يضطرون إلى تقاسم قوتهم اليومي مع نازحين يبدو أن بقاءهم في لبنان سيطول. حرب الكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت حرب لبنانية سورية، السوريون شتموا لبنان واللبنانيين ووصفوهم بأبشع النعوت، واعتبروا أنهم ردوا جميل السوريين بالنكران، في حين رأى لبنانيون أن السوريين لم يعوا بعد أن حرب 33 يوماً كان فيها لبنان يحارب عن كل العرب، لا تشبه الحرب الأهلية التي بات عمرها اليوم ثلاث سنوات قد تطول، وأن عديد من لجأوا إلى سوريا لا يبلغ الآلاف، مقابل ملايين السوريين الذين لجأوا إلى لبنان، وأن مساحة سوريا والسلام الذي كانت تنعم به آنذاك، لا تقارن بمساحة لبنان الصغير الذي يرزح تحت أعباء الأزمة السورية، ناهيك عن أن اللاجئين اقتحموا أسواق العمل وباتوا يزاحمون اللبناني في رزقه وقوته اليومي. عنصرية الكوميديا اللبنانية وعلى الجانب المقابل، لم تخل أعمال كوميدية لبنانية من نظرة عنصرية إلى السوريين، إذ بثت قبل فترة ضمن برنامج «ما في متلو» الكوميدي الذي تعرضه قناة MTV، فقرة تضمنت إهانة للاجئين السوريين في لبنان. وتدور الفقرة حول الممثلة رولا شامية التي تفاجأ بعطل في سيارتها، فتفتح غطاء الموتور لتجد نائماً بداخله زميلها عادل كرم، ليتبين أنه نازح سوري لم يجد مكاناً له لينام سوى في موتور السيارة، وعندما تسأله عن سبب نومه في السيارة يجيبها بأنه يشعر بالبرد ويريد الدفء، فتطرده متسائلة «شحاد ومشارط؟». صراع غير معلن ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ طرد الفنان الكبير دريد لحام، المحسوب على النظام السوري، مرات عدة من شمال لبنان، الذي يضم جماعات موالية للمعارضة السورية، ومنع أكثر من مرة من تصوير مسلسله «سنعود بعد قليل»، الذي عرض في رمضان الماضي. ليست المرة الأولى التي تنعكس فيها التوترات بين البلدين على الفن، فقبل سنوات وقبل انسحاب الجيش السوري من بيروت، أكد مصدر من تلفزيون «المستقبل» أن قوى الأمر الواقع انذاك تدخلت لتقصي الفنان اللبناني ملحم زين الذي كان يشترك في برنامج «سوبر ستار» لمصلحة زميلته السورية رويدا عطية، ما دفع باللبنانيين إلى الاعتراض فأشعلوا الدواليب واعتصموا في شوارع بيروت رافضين النتيجة التي اعتبروها غير عادلة. لبنان الذي يستقبل اليوم عشرات الأعمال السورية التي تصور في ربوعه، يشهد حرباً غير معلنة قد يشعلها مجرد انتقاد من فنان سوري لزميل لبناني، بسبب خلفيات يبدو أنها لم تزل بانسحاب الجيش السوري من لبنان قبل تسع سنوات.