المتمعن في الخرجات الأخيرة لقياديي الحزب الحاكم يخلص دون كثير عناء، لتحليل منطق مواقف رئيس الحكومة و»مريديه» بنتيجة مفادها أن السياسة في المغرب نزلت للدرك الأسفل من الانحطاط وابتعدت بسنوات ضوئية عن معنى النضج والمسؤولية . السيد بن كيران الذي يدرك في قرارة نفسه، أنه لا يملك أدنى رصيد يشفع له أمام ناخبيه من حصيلة حكومية تساوي الصفر بعد انصرام نصف عقد ولايته التي تحلى خلالها بخطاب التجني والافتراء وببراعة التلبيس متشبها في ذلك برواد حلقات جامع الفنا بمراكش، عساه يفلح في ستر عورة عجزه المبين في تدبير شأن المغاربة ، الذين ندم أغلبهم على منحه ثقتهم يوميا. فبعد أن قضى السيد رئيس الحكومة سنته الأولى للتسيير في اقتباس شخصيات قصص كليلة ودمنة محاولا إسقاطها على واقع الحصيلة السياسية الوطنية، ووظف كل دهائه السياسي ليعلن الحرب على التماسيح والعفاريت التي سارت نكتة المغاربة، عوض خوضها ضد الفقر والتخلف والفساد والأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي اتخذها شعارا خدع به المغاربة ! ها هو بنكيران مرة أخرى، ومع مستهل السنة الجديدة يدشن لمفاهيم جديدة في الحقل السياسي المغربي، تنبع من مبدإ «أنا وحدي مع حزبي و بعدنا الطوفان . .» السيد رئيس الحكومة بعد أن استنفدت قفشات العفاريت و التماسيح مفعولها المخدر الظرفي على المغاربة، واشتد حبل المحاسبة حول رقبته ورقبة حزبه ، بعد أن فرش للمغاربة طريق المستقبل بالوعود الوردية، قبل أن تحمله أصواتهم إلى منصب المسؤولية ويتحول في الهزيع الأخير من ولايته إلى مخطط آخر لا يقل غرابة وخطورة في نفس الوقت. فرئيس الحكومة وحزبه يحاولون حاليا، توهيم المغاربة بأن أهم مكسب حققوه للشعب المغربي هو ضمان استقراره الاجتماعي والأمني . وأن مصباحهم وحده الذي دفع رياح «الربيع العربي» لتجنيب المغاربة ارتدادات العاصفة في تمكين المجتمع المغربي من الاستقرار، لينصب الحزب نفسه وصيا على المغاربة وينسب لنفسه دون غيره فضل الاستقرار الذي يرصع جبين المغاربة منذ عقود و حقب. ما بين القهقهات التي كان رئيس الحكومة يتعمد إطلاقها في كل حين أمام نواب الأمة طمست الحقائق المؤلمة، التي لا يستطيع بنكيران ولاغيره أن يحجب شمسها الساطعة التي تجلد ظهور المغاربة. المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي للمملكة وعلى عادته تجاوز موضوع المساءلة الشهرية التي يفترض أنها منصوص عليها في دستور المملكة لمراقبة العمل الحكومي، ومضى دون رقيب ولا حسيب يضرب الأخماس بالأسداس و»يوزع» الاتهامات الخطيرة يمنة و يسرة دون لجام للسانه السليط . نعم من حق رئيس الحكومة، أن يتهم ولكن سلطته التنفيذية ووضعه الاعتباري والسياسي الذي خوله له دستور المملكة، يحتمان عليه أن لا يطلق الكلام على عواهنه، وحين يردد بملء شِدْقيه وبالكثير من الجسارة أيضا أنه يملك معلومات حول خرق قاتل للقوانين وحول تهريب أموال الشعب لخارج البلاد خارج الضوابط الشرعية، فإنه ومن منطلق المسؤولية الدستورية الملقاة على عاتقه بصفته مستأمنا على احترام وتطبيق القانون، مطالب بالكشف عن الأسماء المعنية أو إحالة ملفاتها على العدالة للفصل فيها.إن تعمد سكوت السيد بنكيران عن التقدم إلى النهاية المتوقعة والمترتبة عن عنترياته تحت قبة البرلمان وعلى مرأى ومسمع الرأي العام يفترض احتمالين لا ثالث لهما، إما أن الرجل يعلم ويهدد دون محاسبة أو تفعيل مسطرة القضاء وإحقاق العدالة، وفي هذه الحالة فهو عاجز عن ممارسة مسؤولياته التي فوضها له الشعب، أو أنه يعلم و يهدد ويتستر عن سبق إصرار وترصد.