حينما يجتهد مسؤول سام في وزارة المالية في البحث عن مبررات لعدم نشر لائحة بأشخاص خالفوا القوانين الجاري بها العمل فيما يتعلق بامتلاك عقارات وأرصدة مالية في مصارف خارجية ، فإنه بذلك يقترف جرما آخر يضاف إلى الجرم الأول المتمثل في التستر على هؤلاء الأشخاص . المسؤول المالي يسعى إلى تضليل العدالة حينما يدعي بأن الحاجة إلى الإستشفاء أو تغطية مصاريف دراسة الأبناء قد تكون وراء اضطرار البعض إلى امتلاك عقارات و أرصدة في الخارج دون احترامهم للقوانين الجاري بها العمل في هذا السياق . المسؤول السام يدرك جيدا أن القوانين تسمح بإرسال ما يحتاجه الأبناء في دراستهم في الخارج بعد الإدلاء بما يثبث ذلك و لا حاجة في هذا إلى التهرب من التصريح بما يسمح به القانون ، و هو المسؤول - ياحسرة - الواجب عليه ضمان احترام هذا القانون . من حيث المبدإ لا يحق لأي كان أن يقوم مقام القانون و لو كان مسؤولا ساميا في وزارة المالية و في غير هذه الوزارة ، و إعمال القانون في إطار المسطرة السليمة هو الضامن الوحيد لإجلاء الحقيقة في هذا الموضوع الشائك ، و لنقرأ الفاتحة على القانون و على القضاء إذا ما سلمنا بالتقديرات و التبريرات ، لأنه في هذه الحالة يجب أن نصدق من يبرر اقترافه لجريمة السرقة بحاجته إلى الأكل و إلى العيش الكريم ، و يجب أن نصدق أيضا من يبرر جريمة النصب و الاحتيال بالرغبة في مساعدة الناس . لا نجد أي مبرر في تلكؤ النيابة العامة الممثلة للحق العام عن تحريك الدعوى العمومية في هذا الموضوع الخطير و هي ترى جهات تخرق القوانين و تقترف أفعالا يجرمها القانون و يرتب عنها جزاء قانونيا ، النيابة العامة مجبرة على تحريك الدعوى و التحقيق مع وزير صرح أمام مؤسسة دستورية بأنه يتوفر على لائحة بالأشخاص الذين خالفوا القوانين فيما يتعلق بإقتناء ممتلكات في الخارج و فتحوا حسابات مصرفية و أودعوا فيها مبالغ مالية ، و التحقيق مع مسؤول سام آخر في وزارة الاقتصاد و المالية تستر على من اقترف جرما و حاول تضليل العدالة . و إذا أحجمت النيابة العامة عن تحريك الدعوى العمومية بما يمثل قياما بالواجب فإنها ستكون بدورها تسترت على هذه الأفعال و سيأتي يوما تحاسب فيه على أنها مارست ميزا خطيرافي إعمال القانون بأنها تابعت من اقترف جنحة سرقة دجاجة و انتهى به المطاف في السجن و غضت الطرف عمن خرق القوانين و تحايل عليها ليسرق للمالية العمومية الملايير و انتهى به المطاف معززا مكرما . حقيقة ، أشفق عن أشخاص تطول أعناقهم و هم يتحدثون عن محاربة الفساد و التهرب الضريبي ، لكن هذه الأعناق تقصر بما يسمح لحامليها بأن يتمكنوا من دفن رؤوسهم في الرمال حينما تثار قضايا تمثل جوهر الفساد ، أشفق على هؤلاء حينما يتحولون إلى ( براحة ) في سوق الفساد