ايها المارون بين الكلمات العابرة احملوا أسمائكم وانصرفوا وأسحبوا ساعاتكم من وقتنا ،و أنصرفوا وخذوا ما شئتم من زرقة البحر و رمل الذاكرة و خذوا ما شئتم من صور،كي تعرفوا انكم لن تعرفوا كيف يبني حجر من ارضنا سقف السماء ايها المارون بين الكلمات العابرة خذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا وادخلوا حفل عشاء راقص..و انصرفوا وعلينا ،نحن، ان نحرس ورد الشهداء و علينا ،نحن، ان نحيا كما نحن نشاء ايها المارون بين الكلمات العابرة خذوا الماضي،اذا شئتم الى سوق التحف لنا ما ليس يرضيكم ،لنا المستقبل... كدسوا اوهامكم في حفرة مهجورة ، وانصرفوا ايها المارون بين الكلمات العابرة آن ان تنصرفوا وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا آن ان تنصرفوا ولتموتوا اينما شئتم ولكن لا تموتو بيننا فلنا في ارضنا مانعمل ولنا الماضي هنا ولنا صوت الحياة الاول بهذه القصيدة الرائعة للراحل محمود درويش فضلت أن أبدأ عمود اليوم، لقد تصرفت قليلا في القصيدة لكن بنائها العام كان قادرا على أن يعكس موقفي الشخصي من بعض الأشخاص والأسماء والعائلات التي ترفض أن تنزل عن موقع المسؤولية الذي عمرت فيه طويلا، حتى إلتصقت أجسادهم بالكراسي. الدولة الديمقراطية، هي دولة الأحزاب، ومتى عرفت الأحزاب السياسية تطورات في الديمقراطية الداخلية، كان ذلك يشكل دفعة جديدة للعملية الديمقراطية في البلاد ككل، و العكس صحيح، وإذا كانت التجربة الحزبية المغربية عانت من عطب ما، فإنه كان عطب الديمقراطية الداخلية التي غالبا ما كان يتم جلدها على مرئى ومسمع من الجميع ، وكان يقدم لهذه الجريمة عدة مبررات، منها الخوف من اختراق " المخزن " للبنية الحزبية ، لذلك تمت شرعنة أكثر الأساليب الستالينية في التعامل مع الأصوات التي تغرد خارج سرب مجموعة ضيقة، حولت قيادتها الحزبية إلى أصل تجاري يتم توريثه، ليس بناء على الكفاءة والنضال، بل فقط لإعتبارات بيولوجية وهو ما جعل الكثير من المناضلين من الهامش، يقفون في طوابير طويلة بلا أمل في غد تشرق فيه ديمقراطية حقيقية على المشهد الحزبي، وكانت كلفة الإصلاح تبدو كبيرة، حيث كان المناضلون الشرفاء ورغم اعتراضاتهم على سلوك القيادة، أول من يدافع عن الحزب ويخوض المعارك في القواعد في مواجهة المخزن من جهة وفي مواجهة الخصوم من جهة أخرى، ورغم غياب أي إطار للحوار الداخلي، فقد كان المناضلون يستحيون الخوض في قضايا الحزب الداخلية على صفحات الجرائد وفي قاعات الأعراس لتقويض وحدة الحزب وإضعافه... البعض في المشهد السياسي الحزبي المغربي ممن يعتبرون من مخلفات عقلية شمولية كان لها باع طويل في الفشل التنظيمي والسياسي في المدن التي تنحدر منها أو تحملت فيها المسؤولية الحزبية الأولى، يتعاملون مع السياسة بكثير من الحقد، ولا يرضون سوى بشعار " نحن أو لا أحد " ، وهم مستعدون أن يذهبوا بعيدا في تنفيذ هذا الشعار، ونموذجهم في ذلك هو نيرون عندما أحرق روما، فهم إن ضاعت منهم قيادة الحزب الذي كانوا يوظفون تاريخه ورموزه لتحقيق كل أنواع المكاسب ، فإنهم مستعدون لحرق هذا الحزب، أو تلغيمه كما تفعل كل الجيوش التي لا تملك أدنى درجات أخلاق القتال. الفرنسيون يقولون بأنك يجب أن تكون " خاسرا جيدا " ، ففي كل عملية تنافس يكون هناك فائز وخاسر، نحن كنا نعتقد أن الفائز هو الديمقراطية الداخلية، وأن المنافسة الانتخابية عندما تحسم بأصوات قليلة، تؤكد على أنها انتخابات تنافسية مثالية، وقد كان مؤتمر حزب الاستقلال الأخير، نموذجيا في الانتخابات التنافسية، وشكلت التهنئة الفورية التي تقدم بها المنهزم في الانتخابات أمام الصحافة المكتوبة و المسموعة والمرئية، مسألة في غاية الأهمية لأنها أكملت صورة الحدث الذي لم يعرفه المشهد الحزبي المغربي من قبل، المناضلون الذين كان همهم هو الحزب وهم الأغلبية المطلقة ، واصلوا عملهم بصورة طبيعية داخل دوالبه سواء كانوا مع حميد شباط أو عبد الواحد الفاسي، فالجميع مارس حقه في الإختيار وفق قناعاته، وتم القبول بالنتائج لأنها كانت في أقصى درجات الشفافية والتي لم يعرفها أي مؤتمر حزبي قبل المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال، لكن من كان يحركهم هاجس العائلة والدم والحقد الجيلي على نخب حزبية جديدة صاعدة لها امتدادات شعبية ، كانت في مواجهة دائمة مع اختيارات القيادة الحزبية السابقة وسابقاتها بتفاوت، لكنها كانت دائما تحترم الضوابط الحزبية وتحافظ على النقاش داخل مؤسسات الحزب، بينما كان بإمكانها أن تجعل من العديد من القضايا فرجة وطنية، لكن إلتزامها الحزبي وأخلاقها الاستقلالية منعتها من ذلك، معتبرة أن هذا التدافع الداخلي أمر صحي ويشكل نواة لقيام ديمقراطية داخلية حقيقية. البعض اختار ساحة القضاء، وهو اختيار حضاري صفقنا له ، وقلنا هذه فرصة أخرى لتكريس ثقافة المسؤولية ، والاحتكام الى القضاء من شأنه أن يعزز المشهد الحزبي والسياسي حتى يطمئن الجميع، لكن عندما يختار الإنسان القضاء فعليه أن ينتظر أحكامه، لا أن يسارع إلى تغليط الناس لبناء تنظيم يهدف إلى تحقيق ما لم تستطع أجهزة كثيرة أن تصنعه بحزب الاستقلال منذ عقود، وعلى كل حال الاستقلاليون يعرفون بعضهم جيدا، ويعرفون أن بعض الأسماء منتهية الصلاحية السياسية والأخلاقية عندما يكونون في عمل ما، فإن ذلك يكون أكبر دعاية على فشله، وعلى كل حال هم يعرفون أنفسهم بشكل جيد، وسيأتي الوقت الذي سنقدم لهم فيها سيرهم الذاتية التي يعرفونها، لكن أغلب الناس لا يعلمون عنها شيء، فإن كانت أخلاقنا إلى اليوم تمنعنا من الخوض في هذا الموضوع، فإننا سوف نفعل قريبا خاصة بالنسبة للبعض ممن لم يكونو يفتحون أفواههم سوى عند طبيب الأسنان، ممن كانوا يسمعون التقريع والإهانات منذ سنة فقط ، واليوم يريدون لبس قناع الأسود، إننا نهمس في آذانهم " مهلا حتى نموت ويموت من يعرفونكم جيدا" ، فقد تستطيعون أن تخدعوا كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكن لن تستطيعوا أن تخدعوا كل الناس كل الوقت، فأنتم مجرد عابرين في كلام عابر على رأي الرائع محمود درويش.