مافتئ المغرب والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه، يحصد المراتب الأولى في عدد من المجالات بعد إخفاقه في التأهل لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، المهم هو أن يتم تداول اسم المغرب في المنتديات الدولية ووسائل الإعلام العالمية. وإذا كانت بلادنا مازالت في مقدمة الدول التي تحصد حوادث السير فيها الآلاف، ومازالت تتبوأ المكانة الرفيعة في الاتجار في المخدرات، فإنها الآن تكاد تنفرد بقصب السبق في جرائم الاغتصاب وخاصة اغتصاب الأطفال. ظاهرة اغتصاب القاصرين تتزايد يوما بعد يوم في المغرب، ولم تنجح فصول القانون الجنائي ولا السجون ولا وسائل الإعلام وجيش رجال التربية والتعليم ، ولا الأسرة في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة. هاهو سفاح آخر في مدينة تارودانت يمثل أمام القضاء بعد أن اغتصب طفلة رضيعة لم تكمل بعد سنتها الثانية، وتمادى في ساديته فعمد إلى خنقها إلى أن فارقت الحياة ثم دفن جثتها. ماذا يمكن أن ننتظر من القضاء سوى أن ينطق بحكم يقضي بإعدام هذا الوحش السفاح؟ ولأن المحكمة لم تقل بعد كلمتها في هذا الملف، فإن إحدى الجمعيات الحقوقية تسلحت بفكرة أن أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم، فأطلقت بيانا تحذر فيه المسؤولين القضائيين من مغبة الحكم بإعدام هذا الوحش، لكون المغرب منخرط في حملة مناهضة عقوبة الإعدام، ياللعجب!!. ماذا تقترح هذه الجمعية، ربما الحكم على هذا السفاح ببضعة أشهر من السبت، يأكل، ويشرب، ويخضع للعلاج إن أصابه مرض، ويمارس الرياضة ويتفرج على مباريات الدوري الإسباني ويتلقى الزيارات، ويطالب بحقه في الاستفادة من الخلوة، حتى إذا قضى مدة محكوميته، يكون قد اشتد عوده و ليغادر السجن الى الميدان من جديد، ويعود إلى ممارساته السابقة. تبا لحقوق الإنسان التي تدافع عن هذا السفاح وتوصي بعدم الحكم عليه بالإعدام رغم أن اغتصاب الأطفال أخطر من قتلهم، فهو يقتل الفكر والروح والجسم، و يقضي على مستقبل الضحايا الصغار وعلى أفراد أسرهم. لتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم، إذا لم تحم هذه الحقوق حقوق الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب. تخيلوا معي أطفالا من ضمنهم رضع ضحايا الاغتصاب، بعضهم لم تتمكن أرجلهم على حملهم، يمثلون أمام القضاء داخل قاعات المحاكم إلى جانب وحوش كاسرة، ماذا سيقول طفل في سنته الثانية للقاضي، وهو يسأله عن الظروف التي تعرض فيها للاغتصاب، ومازالت قارورة الحليب في حضنه؟. فصول القانون الجنائي مازالت قاصرة في هذا الميدان، والأحكام الصادرة في هذا الموضوع في معظمها أحكام محتشمة جدا، والحكم الشجاع الذي صدر مؤخرا عن استينافية القنيطرة في حق السفاح الإسباني كالفان القاضي بسجنه 30 سنة بتهمة الاغتصاب ربما كان هو الحكم الذي أدخل بعض الارتياح على أسر الضحايا وعلى بعض الجمعيات، لكن هذا الارتياح لم يُعمّر طويلا، بعد مغادرة المتهم زنزانته في تلك الملابسات والظروف المعروفة، ولن يقضي في إسبانيا سوى 5 سنوات ليعانق الحرية من جديد. ومن المفارقات أن بعض الجمعيات تعمل على الضغط على سير بعض المحاكمات في هذا المجال، تارة تكون إلى جانب المتهمين، فتطالب بعدم إعدامهم، وتارة تكون مناصرة للضحايا لتلتمس تشديد العقوبة عليهم، وما حدث منذ أسابيع أمام محكمة الاستيناف بالرباط خير دليل على ذلك، حين جندت إحدى الجمعيات مناصرين لها للضغط على المحكمة في ملف شابين متهمين بمحاولة الاغتصاب، ورغم أن الضحيتين المزعومتين قررتا طوعاً وإراديا مرافقة الشابين بعد استئذان أسرتيهما للسهر ليلا في مرقص ليلي، فإن ظروفا شاءت أن يُلْقى بهما في السجن، وربما فان الجمعية نجحت في شيء رئيسي لحد الآن، هو أن المعنيين بالأمر لم يقدما بعد إلى المحاكمة رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على الواقعة، وعوض أن يكون أحدهما في مدرسته والثاني في عمله، مازالا ينتظران المحاكمة من داخل زنزانتهما، إحدى الجمعيات المدافعة عن حقوق الطفل اقترحت منذ أيام اللجوء إلى إخصاء المتهمين بالاغتصاب، راقتني هذه الفكرة، لكن جمعيات حقوقية عارضت هذا الاقتراح بدعوى عدم المس بحقوق الإنسان. أنتم ترفضون الإعدام، وترفضون الإخصاء، وترفضون السجن طويل الأمد، وماذا عن أطفالنا وأبنائنا الصغار، فلذات أكبادنا الذين يتعرضون يوميا للاغتصاب، مرة أخرى أقول فلتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم إذا لم تحم حقوق الأطفال بدرجة أولى. الإخصاء ياسادتي، تعمل به العديد من الدول، ومن ضمنها دول راقية متقدمة قطعت أشواطا تبعد عنا كثيرا، حين قررت العمل بالإخصاء الكيميائي كعقوبة للمغتصبين، وقد أعطت نتائج باهرة في الحد من الظاهرة. كلنا مع حقوق الإنسان، وكلنا نسعى إلى احترام حقوق الإنسان وكرامته، غير أن الدفاع عن هذه الحقوق يجب أن يتم في إطار من التجرد الكامل، لا في إطار خدمة مصالح وأجندات خاصة، خاصة جدا...