يبدو هذا الكلام للوهلة الأولى حكما قيميا جاهزا وقاسيا على اثنين لا يجمع بينهما جامع اللهم خرجاتهما المثيرة للريبة في مغرب اتسعت فيه الأفواه حتى إنها لم تعد تخشى النطق بالباطل أو تثير الفتنة التي لعن الله موقظها.. فالهايج،الذي يشغل مهمة رئاسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والقيادي في حزب النهج الديمقراطي،صمت كثيرا قبل أن تأتيه الرغبة في الكلام إلى جريدة مصرية راسما صورة شوهاء مقززة لمغرب اليوم، حتى إن القارئ المشرقي لتصريحه سوف يعتقد أن الهايج، وهذا اسمه حقا، يتحدث عن كوريا الشمالية بنظامها القمعي التسلطي أو على دولة فاشلة ، ولا يتحدث عن المغرب، البلد الذي رغم جراحه الكثيرات، ورغم كبواته وإخفاقاته، يبدو كفينق يخرج من الرماد كي يتجدد.. تصوروا أن تبلغ الجرأة بمسؤول ما، عن جمعية ما، وفي حزب ما، حد الطعن في بلده من خلف بإلقاء التهم على عواهنها،والترويج لأكاذيب لا يصدقها عقل،من قبيل أن الملك محمد السادس لا يفعل شيئا سوى الزج بمعارضيه في المصحات النفسية وتعذيبهم في المعتقلات السرية، تصوروا أن هذا الشخص، وبوقاحة، يقف تماما في صف أعداء الوطن ليرسم للعالم،بزيف منقطع النظير، صورة سوداء كالحة لهذا البلد،وبعد ذلك لا يجد من يلومه حتى ! ولكن، كيف يمكن الربط بين من خرج بتصريح إلى جريدة أجنبية وبين من رفع مذكرة يطلب فيها اعتماد اللهجة الدارجة في التدريس،بين عيوش والهايج؟ الربط موجود في أن دعوة رئيس مؤسسة زاكورة اعتماد الدارجة كلغة في المدرسة المغربية، ونزع الطابع الديني عن التعليم الأولِي في المملكة، هي كالصياح في واد سحيق، مهما علا الصوت فإنه لا يرتد إلا إلى صاحبه، وعيوش يعرف هذا تمام المعرفة، ويعلم أن دعوته تلك، التي تتناسل كثير من الأسئلة عن توقيتها ومراميها،لا يمكنها سوى أن تخدم التيارات الأكثر رجعية في بلادنا،وتمنحها مسوغا للتململ والحراك..وإلا كيف نفهم تلك الضجة الكبيرة التي أحدثتها دعوته، وكيف انبرى أصوليون ينتمون في أغلبهم للحزب الأغلبي رافعين عقيرتهم بالاحتجاج والتباكي،في الوقت الذي صمتوا فيه عن تدبيرهم السئ للغاية لزمام الأمر في البلاد، من حكومة يشاؤون أن ينعتوها بال»إسلامية» ! بل إنهم لا يتحركون بنفس القوة، ونفس الحماسة حينما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية كقضية الوحدة الترابية مثلا،والمناورات التي تحاك في الظلمة من جهات خفية وأخرى علنية ضد هذا الوطن.. إن هؤلاء بمثابة من يضع الحطب في الموقد بحثا عن تأجيج النار لطبخ أكلة رديئة، وهم دائما للأسف يختارون الدجنة بدل الضوء كخفافيش ، لأن من يريد الوقوف تحت الشمس، لا يزيف الحقائق دائما ولا يقلبها، بل يتواضع أمامها ويتقبلها كما هي،والحقيقة المغربية تقول إن معركتنا اليوم، هي مع المضي في طريق الإصلاح الشامل، والنهوض بالتعليم حتى يليق بأطفالنا وبالمستقبل،وبالصحة المعطوبة التي تعاني الأمرين،وبالعدل،وبالفساد المالي والأخلاقي،وبالإفلاس الثقافي والانحطاط الحضاري،وليس بالترويج للأكاذيب وبث روح الفرقة والتمييع، وإشاعة صور قاتمة ومنفرة لوطن نحبه حتى الموت، كيف لا وهو الذي أطعمنا من جوع وآمننا من خوف.. !