تمارة المدينة المعروفة بشواطئها الممتدة وبضيعاتها التي كانت إلى حين تغرق الأسواق بأنواع الخضر والفواكه، اختفت الضيعات واختفى الهواء النقي المختلط بهواء البحر بعد أن أصبح مشبعا بدخان آلاف العربات والاتوبيسات وسيارات الأجرة التي كان اغلب مالكيها من أصحاب الأراضي .. أضحت المدينة غابة اسمنتية بامتياز بعد أن غرز سماسرة العقار أنيابهم فيها .. شوارعها تضج بكل التناقضات عمارات راقية ومقاهي فخمة تقف عند ارصفتها عربات الزعبول والبابوش وعربات تقلي السردين واخرون يبيعون سندويتشات رخيصة ، اغلبهم قادم من احياء صفيحية شاسعة قديمة في الزمن ، كل شيء يباع في تمارة على الرصيف ، والباعة من كل الشرائح والاعمار ، ولا يمكنك الا ان تتعاطف معهم رغم العنف الذي يبدونه فيما بينهم يصل حد التقاذف»بالكيلوات الحديدية» دون اكتراث اين سيحط «الكيلو» وقد يصل الامر الى حد المواجهة بالسكاكين وسقوط ضحايا.. هي تمارة العصية على الفهم ..والمتروكة الى عشوائية مستبدة .. لكن كل هذا اصبح مشهدا معتادا في شوارع تمارة التي تحسها تضيق رغم رحابتها ، بعد ان تحولت حسب تعبير إحدى النساء إلى مايشبه» الطاليان» مهاجرون من كل حدب وصوب وتطاول على الشارع على النساء وعلى استقرار الناس.. لكن في المدينة عدو اكبر أحال حياة الأغلبية إلى جحيم ، خاصة سكان العمارت المطلة على الشوارع الكبرى والقريبة من ما يشبه الحدائق الغارقة في البؤس ، عدو شرس اسمه الناموس، او «الشنيولة» التي أفرزت جيلا متطورا فتاكا يصعب معها النوم وأصبح الصيف جحيما في تمارة بسبب الناموس حتى ضيوفك يعلنون تذمرهم بعد أن يستيقظ احدهم ويجد احدى عينيه ترفض ان تفتح بعد ان تورمت بسبب لسعة سامة من ناموس « تماري» شرس ، لا يوجد حتى قرب اسطبلات البهائم وعند المستنقعات.. يصعب ان تغلق عليك النوافذ في حر صيف لم تخفف من سعيره رطوبة المحيط شيئا ..ويصعب ان تواجه كتيبة الناموس المتربصة بوجهك وجسدك بالمعدات الالكترونية التي يتم الترويج لها في التلفزيون، او تستعمل البخاخات الكيميائية بشكل يومي خاصة في غرف الأطفال.. غادرنا في العطلة وعدنا لتستقبلنا الشنيولة بسمها، هكذا اعلنت ملاك الطفلة ذات الثمان سنوات التي كان جسدها مبرقعا تفرك مكان «عضات الشنيولة» حسب قولها بشدة ، الطفلة لا تدري ان في المدينة بلدية اسمها بلدية تمارة مسؤولة عن حفظ النظافة ، وان هناك ضرائب يدفعها المواطنون اسمها ضريبة النظافة، وعليها ان تعالج النباتات الطفيلية والحدائق وان تحرس على نظافة الشارع وحتى الأزقة الخلفية الغارقة في الحفر والازبال وكل الفظاعات..وقتل الناموس هو ايضا من مسؤولية البلدية.. تمارة واحدة من المدن التي اشتعلت فيها اسعار العقار بشكل جنوني نظرا لموقعها الاستراتيجي القريب من العاصمة الادارية الرباط والعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء ، لكن الجنون لم ينحصر في الاسعار فقط بل اصاب حتى حشرات هذه المدينة ، وبخاصة الناموس الذي يجعل البعض يتمنى النوم في الخلاء بدل النوم على سريره في شقة الكريدي والناموس... خلاء لم يعد يوجد مع الاسف في تمارة التي مازالت ايادي الاكلة تمسك بدرات ترابها ...ما جعل شكلها رغم الاسمنت خال من الجمال في مواقع كثيرة..مواقع يعيش فيها مواطنون يعيشون على مضض اغلبهم يشتفل خارج تمارة..وحسب الاحصائيات فسكان تمارة تضاعفوا بنسبة تجاوزت 300في المائة ..كثافة افرزت ظواهر مقلقة اكثر من الناموس ربما..