من غير المفهوم على الإطلاق لماذا لم يُصدم العالم الرياضي المتتبع للبطولة الإسبانية حتى الآن بالتقديرات المالية المجنونة الخاصة بالمصاريف العامة لأندية الكرة في إسبانيا البلد الذي ينهج سياسة تقشف مالية قوية تحت ضغط الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وأيضا المطالب بترشيد سياسة النفقات ومراقبة البنوك، وهي طبعا ساسة تلقى غضبا كبيرا وسط فئات الشعب الذي وصل عدد العاطلين فيه 25 في المائة وهي أعلى نسبة في أوروبا ا منذ مدة برزت البطولة الإسبانية باستقطاب لاعبين عالميين من أمريكا اللاتينية وأوروبا ،إلا أن هذا البذخ تراجع بشكل ملفت وتدريجي ولم يقتصر إلا على الأغنياء : ريال مدريد _ برشلونة وصار كل شيء منطقي وواضح، غير أن ثمة لاعب آخر يجب أخذه في الحسبان وهو أن الأندية دخلت مرحلة أخرى في هذا الموسم وهي الرفع من مداخيلها بعملية بيع لاعبيها إلى أوروبا مما خلف لها حوالي 400 مليون أورو وقد حاولت ما أمكن التقشف لجلب لاعبين جدد ولحد الآن لم تتجاوز 250 مليون أورو كان هذا هو النهج الأساس الذي اتخذته كل الأندية واحدة تلو الأخرى فقامت ببيع أهم لاعبيها بعدما كانت في المواسم الماضية تتسابق وتلهث وراء شراء " النجوم" ، ما كان لرؤساء الأندية أن تتجاهل الأزمة ،التي تفرض كل الطرق لمواجهتها والحفاظ على مصداقية البطولة على المستوى العالمي ،وليس الأوروبي أو المحلي فحسب ،واتباعا رحلت بعض النجوم أولها : فالكاو(أت.مدريد) _ نافاس _ نيكريدو- الحارس بالوب - كاندوكبيا - لويس ألبيرطو- لونا (سيفيا) ، فيرناندو يورينطي ( أت . بيلباو) ، لاغوأسباص _ ديميدوف _ بارك _ ( صيلطا) ، ماركو سينا ( فييا ريال ) ،صولدادو _فالديز _غاغو (فلانسيا ) ،ألبيول _ كايحون _إيسين _ هيغوايين _ كارفالهو - ( ريال مدريد ) ، أبيدال _ فييا _ تياغو ،( برشلونة ) وتبقى كل من ريال مدريد وبرشلونة محط العديد من التساؤلات ليس حول المنافسة الكروية فحسب لكن أيضا حول المنافسة الاقتصادية ،إذ وحدهما على المستوى الأوروبي رفعا سقف " الشراء " حتى الآن وبعد مرور 3 دورات أنفقا ما يعادل 144 مليون أورو ،وما يزال الحديث يروج حول جلب مدافع أوسط لفريق البارصا والمهاجم الإنجليزي : بايل بمبلغ جدّ مبالغ فيه 110 مليون أورو ،وهو رقم قياسي يثير الجدل حاليا في الاتحاد الأوروبي على مستوى لجنة المالية ،التي استدعت بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم كما أنها ستشرع في المحاسبة المالية للفريقين في الشهر القادم ،. وإن كان هذا الاستثناء عند العملاقين ، فباقي الأندية أدركت أن اتباعها لسياسة عدم الترشيد المالي سيدفعها لانهيار لا محالة ،كما أدركت أن المانحين والممولين سواء كانوا من الإدارة العمومية أو من الخواص خضعوا بدورهم لقيود في مصاريفهم ،من جهة أخرى هناك إدارة الضرائب التي طال صبرها في إعادة جدولة الديون لأغلب الأندية المدانة بمبالغ جد مرتفعة ،. وأمام هذه الظواهر الحقيقية تولد متناقضات كل موسم رياضي من أبرزها التوزيع المالي المتناقض لحقوق النقل التلفزي الذي يترك في صندوق الأندية ما يناهز : 825 مليون أورو لكن نصف هذا المبلغ يسيطر عليه كل من البارصا والريال ورغم الاعتراض الذي يقوم به كل موسم فرق مثل : سيفييا ، فلانسيا ،بيلباو، بمنع دخول الصحافة المسموعة والمرئية مثلا ، لم ينفع هذا في كسر هيمنة العملاقين البارصا والريال .وهكذا فمن المستحيل أن اثنين من عمالقة كرة القدم الإسبانية يجدان في طريقهما المنافسة القوية من باقي الأندية 16 لأنها تبقى منشغلة دائما في تسديد ديونها وفواتيرها المستعجلة ، وهناك شكل آخر من التناقض وهو الذي يصرخ به رؤساء الأندية الغاضبة حيث يؤكدون بالأرقام إلى أن عدد المنخرطين يعرف النقصان بسبب انخفاض الحماس والتشويق نظرا لهيمنة العملاقين فهما إن كانا يخدمان مصلحة المنتخب الوطني وصورة الكرة الإسبانية في العالم ، فإنهما بهذا الشكل " الهيمني " لا يخدمان المنافسة الوطنية . ما لا يمكن إنكاره هو أن كرة القدم الإسبانية تدفع الآن ضريبة اثنين من الحقائق المعروفة : أهمها التجاوزات التي حصلت أو عاشتها منذ سنوات ماضية،، كذلك الاختناق الكبير من جراء الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ عدة سنوات. فالكرة الإسبانية الآن أصبحت هي الأولى في أوروبا في تصدير لاعبيها ، وهي البطولة الفريدة بجماليات مركبة ومتداخلة تنداح فيها الأزمة وتمتد وتتسع العناصر المشوقة وتتنوع بالمفاجآت،