سنظل نكتب ونكتب عن حرب الطرق، وإذا جفت أقلامنا، سنضطر إلى استعمال كل مايمكن الاحتجاج به، ولو أدى الأمر إلى استعمال دمائنا.. مايقع يومياً على طرقاتنا أفظع من الفظائع، وأبشع من البشاعة، ففي مصر سقط مئات القتلى في فتن داخلية، وفي سوريا استشهد المئات بالرصاص والقصف، وفي المغرب يسقط المئات في حوادث السير. على سبيل المثال خلفت حوادث السير خلال السبعة أشهر الأخيرة من 2013 مصرع 1885 شخص..). هذه الكارثة تتطلب وقفة تأمل، لا بل أكثر من ذلك، بل يجب أن تتوقف حركة السير في ربوع البلاد ولا تتحرك سيارة أو حافلة أو عربة إلى حين وضع اليد على الأسباب والمسببات. ليست المرة الأولى التي تستنهض هذه الحوادث وزير التجهيز والنقل ليبادر إلى عقد الاجتماعات مع المسؤولين في هيئات النقل، وينتهي اللقاء بمجموعة من القرارات لاتكاد تتعدى جملة من المخططات والبرامج التي تندرج في إطار الأماني والأحلام. الوزير الرباح ومنذ توليه شؤون وزارة النقل والتجهيز وهو لايكاد ينسلخ من دائرة هذه القرارات والأماني الفارغة بخصوص إصلاح منظومة النقل وتشديد المراقبة، سنة ونصف من هذه الأماني، ومازالت الدماء تسيل بغزارة على الطرقات. الوزير الرباح لم يربح رهانه في مساعيه. الرباح مازال يشاهد بأم عينيه يومياً عشرات الحافلات المهترئة غير الصالحة لنقل المسافرين، بل غير صالحة حتى لنقل البهائم، تمرق طرقاتنا وقد تكدس بداخلها أضعاف حمولتها القانونية. والوزير الرباح يعاين يومياً حافلات وشاحنات متقادمة تمرق الطرقات بسرعة جنونية، وهي لاتتوفر أحياناً على الإنارة الكافية، والعجلات الصالحة، والهياكل السليمة. والوزير الرباح يشاهد يومياً هذه العربات المقاتلة التي يتبجح بعض سائقيها بعلاقاتهم الخاصة مع المسؤولين عن مراقبة الطرق والذين يتلقون منهم إتاوات منتظمة مقابل غض الطرف، وشراء الطريق.. والوزير الرباح يعلم أكثر من غيره أن معظم سائقي الشاحنات والحافلات لم يعودوا صالحين للجلوس أمام المقود، بعضهم بالتقادم، وآخرون بسبب سلوكهم الذي يتناقض مع مهنتهم، فهناك سائقون لا يقودون إلا بعد أن تلعب الخمرة برؤوسهم، وآخرون ينتشون بالموسيقى الصاخبة التي يندمجون فيها عوض الاندماج في قوانين السير. والوزير الرباح يعلم جيدا أن أصحاب الحافلات والشاحنات اعتاد معظمهم على تخصيص مبالغ مالية مخصصة للطريق تسهل عليهم مهمة خرق القانون، هذه المبالغ تشفع لهم باستعمال حافلاتهم وشاحناتهم دون إنارة وبعجلات مهترئة وحمولة غير قانونية. والوزير الرباح الذي دافع ذات يوم تحت قبة البرلمان على «الخطافة» فشل لحدّ الآن في احتضان هذه الفئة من أصحاب السيارات التي تجوب مدننا وقرانا متسببة في حوادث سير أليمة. إذا أراد وزير النقل والتجهيز وقف هذه الدماء التي تراق على طرقاتنا، فعليه إعادة النظر في هذه الجحافل من سائقي الحافلات والشاحنات الذين لا يصلح العديد منهم للسياقة، وأن ينسق مع زملائه في العدل والنقل والداخلية لإعادة النظر في منظومة مراقبة الطرقات وتشديد العقوبات. أما مديرية الوقاية والسلامة من حوادث السير بمكاتبها المكيفة وأرائكها الوثيرة، فليعلم الوزير الرباح أن سائقي الحافلات والشاحنات لا علم لهم بها بل حتى بوجودها. وهل للوزير الرباح أن يفتخر معنا اليوم، وخلال توليه مسؤولية النقل بأن المغرب تبوأ الرتبة الأولى في مجال حوادث السير في مقدمة كل دول العالم.