أشرنا في عمود سابق إلى خطورة التعاطي للمخدرات والإدمان عليها وما تخلفه من أضرار فتاكة على المستوى الجسمي والنفسي والعقلي والاجتماعي، وفي مايلي سنحاول عرض بعض الأسباب الدافعة إلى هذا التعاطي لتعميق الوعي بالظاهرة والمساهمة في الفهم أكثر لوسائل العلاج الممكنة والمتعلقة بالمسببات والمصادر. في الواقع يصعب تحديد أسباب تعاطي المخدرات ولكن سنحدد بعض الأسباب العامة التي سنحصرها في ثلاثة نماذج من الأسباب: أسباب نفسية واجتماعية وأخرى نفسية اجتماعية في نفس الوقت. إن الأسباب النفسية لتعاطي المخدرات كثيرة لكن سنخص بالذكر الأسباب الأكثر ذيوعا بين المختصين والتي أشارت إليها مدرسة التحليل النفسي لأهميتها في هذا المجال . ترى المقاربة التحليلنفسية أن تعاطي المخدرات يرجع لصراعات نفسية كثيرة أهمها: - اضطراب العلاقات العاطفية في الطفولة المبكرة بين الفرد ووالديه، أي الفرد يفشل في تجاوز ثنائية الحب والكراهية، فيسقطها مستقبلا على المخدر وتتجلى في حب المخدر والاستمتاع به وفي نفس الوقت الخوف من فقدانه أو توقفه مما يحدث لديه اضطرابا وتوترا يدفعه إلى الحاجة المستمرة إلى التعاطي. - الحاجة إلى الأمن والاستقرار والدفء العاطفي. - الحاجة إلى إثبات الذات وتأكيدا استقلاليتها وتميزها، وتكرار التعاطي يعني الفشل في حل تلك الصراعات وإشباع هذه الحاجات الحيوية. وترتبط هذه الأسباب بالآثار الكيميائية للمخدر، آثار تجعل حالات الإدمان على المخدرات على جانب كبير من التعقيد والخطورة، حيث يصبح المخدر كالأمر المطاع بالنسبة للمتعاطي فهو لا يعيش إلا لتلبية هذه الرغبة وإهمال ما عداها، وتبعا لذلك فالأصل في الإدمان وطبيعته يرجع أولا إلى التركيب النفسي للمتعاطي، الذي يحدث حالة الاستعداد، ومن ثم يأتي دور الآثار الكيميائية للمخدر، وبهذا فإن آثار المخدر والتعلق به دلالة على حالة الاضطراب الذي يعني إشباعا أو أملا في الإشباع لرغبة عميقة بدائية جنسية أوغيرجنسية أكثر إلحاحا عند المدمنين منها عند العاديين. فالمقاربة التحليلنفسية ترجع أسباب تعاطي المخدرات إلى الاضطرايات النفسية التي يمكن أن يتعرض لها الفرد في الطفولة الأولى فتعمل على تشكيل سلوكه أي إشباع حاجاته بطريقة غير «سَوية». أما فيما يخص الأسباب الاجتماعية فنجملها في العوامل التالية: - الحرمان الاقتصادي للأسرة، - التفكك الأسري وإدمان أحد أفراد الأسرة. - تدني المستوى التعليمي - تقليد ومحاكاة المتعاطين. - الآراء الشائعة والخاطئة حول إيجابيات المخدرات. - توافر المادة المخدرة وثمنها وقواعد التعامل بشأنها. فهذه العوامل الاجتماعية التي تحفز على تعاطي المخدرات دفعت بأحد الباحثين إلى القول «إن تعاطي المخدرات يرتبط بالمحيط الاجتماعي أكثر ما يرتبط بالفرد». وأخيرا، فيما يخص الأسباب النفسية الاجتماعية فإنها في الواقع نتيجة تفاعل الفرد المستمر مع وسطه الاجتماعي حيث إن استعدادات الفرد الخاصة تتأثر بمحيطه الاجتماعي: فالتوتر والقلق واضطراب صورة الذات وكذلك اضطراب المحيط الاجتماعي يمكن أن يسقط الفرد في متاهات تعاطي المخدرات. بالإضافة إلى هذا، لا يمكن أن نتغافل عن أهمية التنشئة الاجتماعية في تكوين وبناء شخصية الفرد وتوجيه استعداداته وانفعالاته واتجاهاته وسلوكه كنتيجة للتفاعل المستمر الذي أشرنا إليه. يتضح إذن أن أسباب تعاطي المخدرات ترجع في واقع الأمر إلى تداخل عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وغيرها، مما يفرض خلال التعامل مع الظاهرة أخذ هذه الأسباب والعوامل يعين الاعتبار من أجل علاج فعال وإيجابي للفرد المتعاطي والمدمن. علاج متعدد المظاهر، كالعلاج النفسي والعلاج الطبي والعلاج السلوكي. ولا يتأتى هذا العلاج إلا بنظرة شمولية ومقاربة ناجعة تأخذ بالاعتبار هذه الأسباب المذكورة وغيرها.