صدرت أخيرا عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط أضمومة شعرية تحمل عنوان: «يوميات مصطاف» للأديب والشاعر حسن أوريد متضمنة ليوميات شعرية كتبت خلال يوليوز وغشت من سنة 2010. وتقع هذه الأضمومة الجديدة في حوالي 80 صفحة في كتيب من الحجم الصغير يحتوي غلافه الأول على صورة فوتوغرافية لمشهد غروب الشمس. في طيات هذه الأضمومة الشعرية الجديدة، تناول الشاعر حسن أوريد قضايا كثيرة بنفس شعري عميق، وفي ذات الوقت خلد عدة أشخاص واحتفى بأمكنة خاصة تبقى لها رمزيتها ومكانتها في مسار كما في ذهنية الشاعر، إذ توزعت الأعلام الجغرافية الخاصة بالمدن ومعالمها والتي اتخذها الشاعر مصطافا له على عدد من الأمصار: المغرب، الجزائر، مصر، تركيا، إسبانيا. فبالمغرب حظيت المدن الشمالية أساسا باهتمام الشاعر خاصة القصر الكبير التي تحتضن ضريح أبي غالب كذكرى للجرح الأندلسي، ثم وجدة كمدينة حدودية تشكل معبرا لاستكشاف التراث الصوفي ورواده بشمال إفريقيا خاصة القطب الغوث أبي مدين المدفون بأرباض تلمسان، ثم أصيلة بقصبتها البرتغالية الشهيرة ومطاعمها الكثيرة، والقصر الصغير أو «قصر المجاز» بتعبير الشاعر بأطلاله البرتغالية وجعجعة الحياة فيه، علاوة على مدينة تطوان بزاويتها المعروفة بالحراق وسانية الطريس وسمير وذكرياتها الكثيفة كذكرى سيدي علي المنظري الذي أسسها ذات يوم. وتنضاف لهذه الجغرافية مدينة شفشاون (الشاون) أو الحرة على لسان الشاعر بحرفها التقليدية ومئذنتها التاريخية المشهورة بأضلاعها الثمانية المسماة محليا (لوطا الحمام). أما بتركيا، فقد حضرت مدينتها الشهيرة إسطمبول بمقوماتها العثمانية الخالدة: خليج البوسفور، تحف السلاطين، أخبار الصدر الأعظم، الحرملك، حفلات الصنجق. ومن الأندلس حضر قصر الحمراء الذي اشتهرت به غرناطة وألحانها وباحة الإسكوريال الدير المعروف بنواحي مدريد كما حضرت عدة قضايا و» شظايا حقد في محطة قطار ينفجر» في إحالة إلى حادث تفجير قطار بإحدى المحطات المدريدية. هذا التنوع الجغرافي الممتد واللامتناهي كما يعكسه الحقل الدلالي المستعمل، قد يوحي للوهلة الأولى بنوع اللاتجانس وأحيانا بشكل من التشتت والفرقة، إلا أن مضامين الديوان تنحو في اتجاه جعل القيم الإنسانية، النبيلة من تعايش وتسامح، هي القاسم المشترك الجامع بين المغربي والتركي والجزائري والمصري والأندلسي وغيرهم... من جهة أخرى، احتفت النصوص الشعرية المبثوثة بين ثنايا «يوميات مصطاف» بمجموعة من الأسماء التي طبعت وبصمت المسار الإنساني لصاحبه. من هذه الأسماء أعلام عايشها المؤلف عن قرب كصديقه الإسباني «خوان سان ميكيل» وزوجته مرية، الذي يرى فيه الشاعر إصرارا على الوجود في تحد لمحاكم التفتيش البغيضة والتي شهدتها إسبانيا ذات زمان: « يبني (خوان) سفينة على مهل / ليجوز بها ثبج المضيق / كما نوح في العهد القديم...(خوان) نسل تأبى على محاكم التفتيش / انسل من شباكها خلسة / ليحرس الحمراء وروحها». أو العلامة والأديب الراحل فريد الأنصاري ? السجلماسي سليل تافيلالت التي ينحدر منها الشاعر بدوره وصاحب كتاب الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمغرب ? والذي يقول عنه: « كانت روح شيخي فريد / تطوف في مرابع القصر الكبير / خدران للضاد / ما تحول عن مغناهما الأدب والكبرياء / تافيلالت والقصر الكبير». كما حضرت أسماء لأعلام فكرية وسياسية وأدبية التقى بها الشاعر من خلال أعمالها وإسهاماتها في مجال الفكر والأدب من قبيل: جان جاك روسو بعقده الاجتماعي، فولتير بالصديق والقدر، ديدرو وقريبه رامبو، ماني وديانته المانيشية، ناظم حكمت ودواوينه المترجمة، مصطفى كمال أتاتورك، أحمد عبد السلام البقالي، خليل جبران وكتابه النبي، بورخيس، درويش وذكرياته، ابن رشد، ابن عربي، لوركا، إيكاسي، دالي ولوحاته، أبو العلاء المعري. بل حضر حتى أبطال بعض الأعمال الروائية التي قرأها المؤلف مثل «روبنسون كروزو» وكلبه «جمعة». إن عملية استحضار كل هذا الكم البشري المتعدد على مستوى الجنسيات والمعتقدات واللغات والإسهامات، يرسل عبرها الشاعر رسالة قوية مفادها أن الحضارة الإنسانية حضارة واحدة أسست وبنيت على مشاركات كل فرد على حدة، و بالتالي لا مناص من العيش في إخاء وتسامح وسلام بين الجميع لكي تستمر هذه الحضارة وتستمر رسالتها الإنسانية السامية وتصل إلى كل الأجيال. ويحفل هذا الديوان الجديد بمجموعة من التيمات المركزية ومن أبرزها تيمة التاريخ التي تحضر بقوة في شكل سرد شعري لعدد من الأحداث التاريخية، ومنها حدث «سقوط الأندلس» الذي ظل الشغل الشاغل والجرح الذي يأبى الاندمال للشاعر على امتداد عدة مقاطع، كما يحضر التاريخ كمتهم تنبغي محاكمته لأنه ببساطة « لا يسفرعن سره / ويبعثر في كل حين ناموسه». أو لأنه لا يخلد إلا الرموز دون غيرهم من جنود الظل: «ورحلوا / بعد عراك / مات الملوك / ثلاثتهم يذكرون / موتى الوقعة لا يذكرون». (في إشارة إلى معركة الملوك الثلاثة أو معركة وادي المخازن). بنفس القدر الذي حضر فيه التاريخ، حضر ما يشبه استشرافا لكثير من الوقائع والأحداث التي نعيشها اليوم، لاسيما الأحداث ذات الصلة بالربيع الديمقراطي وموجة صعود جزء هام من الحركة الإسلامية إلى الحكم بعدة بلدان. وكتيمة ثانية، تحضر الهوية كسؤال وكإرادة على البقاء والوجود دون الذوبان في الهويات الأخرى، سؤال لطالما أرق بال الشاعر حتى في كثير من أعماله الفكرية والأدبية السابقة: « أنا نسل طارق / بيد أني لا أريد أن أعبر البحر / أنا نسله أحلم بفجر وليد / ها هنا». إضافة لذلك، هناك الحس الإنساني الذي لا تكاد تخطئه عين القارئ كانشغال عميق بكل القضايا الإنسانية وقضايا كل البؤساء والمقهورين: « أبكي الذين نزحوا / وينزحون / دموع الموريسكي / من يكفكفها؟ / وجراح الفلسطيني / من يضمدها؟ ولي إخوة في الجبال جائعون / وآخرون / في الصحارى والقفار / يموتون بلسع السغب». على المستوى اللغوي، وظف الشاعر كعادته جملا قصيرة مكثفة جعلت نصوصه الشعرية أقرب ما تكون إلى الشذرات. توظيف تقنية «الانزياح» بجعل الدلالة تنتقل من مستوى إلى آخر لافتة للانتباه في أكثر من مقطع. إضافة إلى توظيف تقنية الاقتباس إن بشكل مباشر من قبيل:» ومشكاة / تنير ولو لم يمسسها نار»، أو بشكل غير مباشر كما في: « متى يتنفس الصباح؟»... جدير بالذكر أن ديوان «يوميات مصطاف» يعد الإصدار الثاني للشاعر حسن أوريد بعد ديوانه الأول «فيروز المحيط»، إلى جانب عدد من الروايات أشهرها: «الحديث والشجن» و»صبوة في خريف العمر». وللكاتب أيضا أعمال فكرية منها: «خريف السعار» و «مرآة الغرب المنكسرة». ويشتغل حاليا أستاذا جامعيا لمادة التاريخ المعاصر ومستشارا علميا لمجلة «زمان» الشهرية المغربية المتخصصة في تاريخ المغرب، وسبق له أن تولى مناصب سامية داخل الدولة المغربية كالتالي: الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، محافظ لجهة مكناس تافيلالت، مؤرخ المملكة، وكان من ضمن كتاب الرأي بعدد من الصحف المغربية.