قبل حوالي سنة، وبالضبط يوم 5 يوليوز 2012 كتبت في هذه الزاوية مادة بعنوان " الصحراء "، قررت إعادة نشرها اليوم حتى يكون القارئ على بينة مما يجري من تحركات على خلفية مسودة مشروع قرار تعتزم سفيرة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأممالمتحدة، السيدة رايس طرحه على أنظار مجلس الأمن، وهذا القرار كما بات يعلم الجميع، يتعلق بتوصية تتضمن تعديل مهمة المينورسو من مجرد مراقبة وقف إطلاق النار بناء على اتفاق طرفي النزاع، إلى مراقبة وضعية حقوق الإنسان في كل من الصحراء وتندوف... البعض يبدي اندهاشا مبالغا فيه اتجاه هذه المبادرة الأمريكية، علما أن إرهاصات مثل هذه الوضعية كانت ظاهرة منذ سنة على الأقل، وهو ما يعني أن المغرب تأخر كثيرا على مستوى المبادرة لمنع وصول هذه اللحظة. لنتابع ما كتبته قبل سنة: يبدوا أن قضية الصحراء سوف تستمر في كونها القضية المركزية بالنسبة للمغاربة، ويبدوا أيضا أننا بحاجة إلى تغيير في رؤية القضية الوطنية الأولى، وإشراك الجميع في تقديم المقترحات الضرورية لتجاوز واقع الانحباس الموجود، وزئبقية الحلول التي طرحت للنزاع منذ 37 سنة.. وعلى رأس التحول الذي يجب أن يمس مقاربة الحل، يأتي توسيع دور سكان الصحراء ونخبها في رؤية الحل، والانتباه الشديد لما يقترحونه من حلول، والاعتراف بأن الصحراويين الوحدويين هم الأقدر على تقديم حلول ناجعة لقضية كانت توظف لكسب رهانات سياسية داخلية ، متمثلة في فرملة مسيرة التغيير وتحقيق الديمقراطية بجميع معاييرها، كما أن بلادنا اليوم لا تستطيع حل هذا النزاع، باستمرار ارتباك الإرادة السياسية على مستوى تحديث الدولة، والانتصار لدولة الحق والقانون، وعدم الإفلات من العقاب، وتحقيق المبدأ الدستوري القائم على المحاسبة في مقابل المسؤولية. هل كان ضروريا أن يقبل المغرب كريستوفر روس وهو سفير سابق لبلاده في الجزائر؟ وهل كان ضروريا قبول ديبلوماسي أمريكي، يصبح أي اختلاف شخصي معه عبارة عن تحدي للديبلوماسية الأمريكية ؟ فكون روس سفيرا سابقا للولايات المتحدةالأمريكية في الجزائر، فهذا يعني بصفة مباشرة، أنه أقرب إلى الرواية الجزائرية منه إلى الأطروحة المغربية، فروس عند انطلاق مهامه كان قد راكم تصورا للنزاع وللحل، ولو أنه ظل يخفيه لمدة طويلة، فإنه قد خرج للعلن في آخر تقرير رفعه للأمين العام للأمم المتحدة، وذلك بالتركيز على عنصرين، الأول يتعلق بإعادة إحياء أطروحة الاستفتاء، والثاني بتوظيف عصا حقوق الإنسان ومحاولة توسيع اختصاصات المينورسو لتشمل هذا الجانب بعد أن كانت عبارة عن قوات أممية تشرف على احترام اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين وتفعيل بعض المبادرات الإنسانية على شاكلة برنامج زيارة العائلات.. يظهر أن الدبلوماسية المغرب أخطأت بقبول روس من البداية، لكن ما العمل اليوم أمام متغيرين على درجة كبيرة من الأهمية، الأول هو تشبث الأمين العام للأمم المتحدة بروس ، وهذا التشبث يعد خرقا للأعراف الدبلوماسية في الأممالمتحدة ، فالوسطاء الدوليون في النزاعات التي لا تخضع للمادة السابعة من ميثاق الأممالمتحدة، يجب أن يكونوا مقبولين من طرفي النزاع ويكفي اعتراض أحد الأطراف على الوسيط الأممي لتغييره فورا ، ونزاع الصحراء المغربية عرف هذه الحالة على الأقل مرتين، المرة الأولى باعتراض المغرب على جيمس بيكر وللصدفة فهو أيضا أمريكي، وفي المرة الثانية اعترضت جبهة البوليساريو والجزائر على فان ولسوم الهولاندي ، بسبب اقتناعه بالحل المغربي القاضي بمنح الحكم الذاتي ، لكن تشبث بان كيمون بروس، ليس مسألة شخصية أو تحدي من الأمين العام للمغرب ، لكن الأخطر هو أن يكون هذا التشبث ناتجا عن إملاءات أمريكية. الدبلوماسية الأمريكية، ومنذ كيسنجر، لا ترى الحل في النزاعات المتعددة الأطراف، سوى في المفاوضات المباشرة والتنفيذ التقني لبعض آليات الأممالمتحدة المسنودة بالقانون الدولي ، مع فقر شديد في إدراك الأبعاد التاريخية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المرتبطة بالنزاعات الدولية ، وهنا يمكن أن نذكر بكيفية معالجة الولاياتالمتحدة لقضايا مشابهة لقضية الصحراء المغربية ، واختارت فيها الحلول التقنية مثل الاستفتاء الذي أدى إلى انفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا ، والاستفتاء الذي أدى إلى انفصال جنوب السودان عن السودان ، وكلها استفتاءات خلفت نزاعات لا حصر، لها ستستمر في شكل نزاعات إقليمية طويلة المدى خاصة بالنسبة للسودان وجنوب السودان، أما بالنسبة لتيمور الشرقية فقد انقطعت أخبارها عن العالم، وتركت الدويلة الصغيرة تواجه مصيرها بعد استقلال مشوه، لم يكن يعكس رغبة حقيقية بالنسبة لسكان تيمور الشرقية ، بل تعرضوا لعملية غسيل للدماغ ، كانت تصور لهم الدولة المقبلة بمثابة جنة يلتف العالم حولها. بلادنا اليوم بحاجة لكي تنهي تدبير موضوع الصحراء تدبيرا انفراديا ، بل أن يتم إشراك الجميع فيه وبصفة علانية و أن لا يكون حكرا على جهة معينة ، وكما قلنا في مناسبة سابقة أن التحولات التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ستكون لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على قضية الصحراء وعلى الموقف الأمريكي ، وهذا الوضع يحتاج إلى جو من الوحدة الوطنية والاستقرار.