يبدوا أن قضية الصحراء سوف تستمر في كونها القضية المركزية بالنسبة للمغاربة ويبدوا أيضا أننا بحاجة إلى تغيير في رؤية القضية الوطنية الأولى , وإشراك الجميع في تقديم المقترحات الضرورية لتجاوز واقع الإنحباس الموجود وزئبقية الحلول التي طرحت للنزاع منذ 37 سنة , وعلى رأس التحول الذي يجب أن يمس مقاربة الحل , هو توسيع دور سكان الصحراء ونخبها في رؤية الحل , والإنتباه الشديد لما يقترحونه من حلول , والإعتراف بأن الصحراويين الوحدويين هم الأقدر على تقديم حلول ناجعة لقضية كانت توظف لكسب رهانات سياسية داخلية , متمثلة في فرملة مسيرة التغيير وتحقيق الديمقراطية بجميع معاييرها , كما أن بلادنا اليوم لا تستطيع حل هذا النزاع بإستمرار إرتباك الإرادة السياسية على مستوى تحديث الدولة والإنتصار لدولة الحق والقانون وعدم الإفلات من العقاب وتحقيق المبدأ الدستوري القائم على المحاسبة في مقابل المسؤولية. هل كان ضروريا أن يقبل المغرب كريستوفر روس وهو سفير لبلاده في الجزائر ? وهل كان ضروريا قبول ديبلوماسي أمريكي , يصبح أي إختلاف شخصي معه عبارة عن تحدي للديبلوماسية الأمريكية ? فكون روس سفيرا سابقا للولايات المتحدةالأمريكية في الجزائر , فهذا يعني بصفة مباشرة أنه أقرب إلى الرواية الجزائرية منه إلى الأطروحة المغربية , فروس عند إنطلاق مهامه كان قد راكم تصورا للنزاع وللحل , ولو أنه ظل يخفيه لمدة طويلة فإنه قد خرج للعلن في آخر تقرير رفعه للأمين العام للأمم المتحدة , وذلك بالتركيز على عنصرين , الأول يتعلق بإعادة إحياء أطروحة الإستفتاء , والثانية بتوظيف عصا حقوق الانسان ومحاولة توسيع إختصاصات المينورسو لتشمل هذا الجانب بعد أن كانت عبارة عن قوات أممية تشرف على إحترام إتفاق وقف إطلاق النار بسن الطرفين وتفعيل بعض المبادرات الإنسانية على شاكلة برنامج زيارة العائلات..يظهر أن الديبلوماسية المغرب أخطأت بقبول روس من البداية لكن ما العمل اليوم أمام متغيرين على درجة كبيرة من الأهمية. الأول هو تشبث الأمين العام للأمم المتحدة بروس , وهذا التشبث يعد خرقا للأعراف الديبلوماسية في الأممالمتحدة , فالوسطاء الدوليون في النزاعات التي لا تخضع للمادة السابعة من ميثاق الأممالمتحدة , يجب أن يكونوا مقبولين من طرفي النزاع ويكفي إعتراض أحد الأطراف على الوسيط الأممي لتغيره فورا , ونزاع الصحراء المغربية عرف هذه الحالة على الأقل مرتين المرة الأولى بإعتراض المغرب جيمس بيكر وللصدفة فهو أيضا أمريكي , وفي المرة الثانية إعترضت جبهة البوليساريو والجزائر على فان ولسوم الهولاندي , بسبب إقتناعه بالحل المغربي القتضي بمنح الحكم الذاتي , لكن تشبث بان كيمون بروس ليس مسألة شخصية أو تحدي من الأمين العام للمغرب , لكن الأخطر هو أن يكون هذا التشبث ناتجا عن إملاءات أمريكية. الديبلوماسية الأمريكية ومنذ كيسنجر لا ترى الحل في النزاعات المتعددة الأطراف سوى في المفاوضات المباشرة والتنفيذ التقني لبعض آليات الأممالمتحدة المسنودة بالقانون الدولي , مع فقر شديد في إدراك الأبعاد التاريخية والإجتماعية والثقافية والاقتصادية المرتبطة بالنزاعات الدولية , وهنا يمكن أن نذكر بكيفية معالجة الولاياتالمتحدة لقضايا مشابهة لقضية الصحراء المغربية , وإختارت فيها الحلول التقنية مثل الاستفتاء الذي أدرى إلى إنفصال تيمور الشرقية عن أندونيسيا , والاستفتاء الذي أدى إلى إنفصال جنوب السودان عن السودان , وكلها إستفتاءات خلفت نزاعات لا حصر لها ستستمر في شكل نزاعات إقليمية طويلة المدى خاصة بالنسبة للسودان وجنوب السودان , أما في تسمور الشرقية فقد إنقطعت أخبارها عن العالم وتركت الدويلة الصغيرة تواجه مصيرها بعد إستقلال مشوه لم يكن يعكس رغبة حقيقية بالنسبة لسكان تيمور الشرقية , بل تعرضوا لعملية غسيل للدماغ , كانت تصور لهم الدولة المقبلة بمثابة جنة يلتف العالم حولها. بلادنا اليوم بحاجة لكي تنهي تدبير موضوع الصحراء تدبيرا إنفراديا , بل أن يتم إشراك الجميع فيه وبصفة علانية و أن لا يكون حكرا على جهة معينة , وكما قلنا في مناسبة سابقة أن التحولات التي تعرفها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ستكون لها إنعكاسات مباشرة وغير مباشرة على قضية الصحراء وعلى الموقف الأمريكي , وهذا الوضع يحتاج إلى جو من الوحدة الوطنية والإستقرار...