تدبير الحكم ليس فسحة أو رياضة للتخسيس، وليست مجالا لتصريف الأحقاد الصغيرة أو مشجبا يعلق عليه الفشل...تدبير الحكم هو مسؤولية وشجاعة وإلتزام ووفاء بالعهد والبرامج التي على أساسها استحق ثقة الناس، وهي ثقة ليست أبدية كما يتوهم البعض، و قد يمكن الكذب على كل الناس بعض الوقت وكل الوقت على بعض الناس، لكن لايمكن الكذب على كل الناس كل الوقت. الكثير من مراكز الدراسات والأبحاث التي إلتأمت بعد صعود أحزاب ما يسمى بالإسلام السياسي في أعقاب التحول السياسي في شمال افريقيا والشرق الأوسط، أوصت هذه الأحزاب بالتخلي عن خطاب المظلومية، والعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بتحالف مع القوى الوطنية والديمقراطية والإبتعاد عن منطق الهيمنة العددية، تحت طائلة إنفراط الإلتفاف الشعبي عنها باعتبار أن النتائج الانتخابية التي حصل عليها هذا التيار في أعقاب انهيار الأنظمة السابقة، كان بخلفية اجتماعية تراهن على الخطاب الذي رفعه هذا التيار لسنوات طويلة، والذي كان يحمل شعارات سهلة سرعان ما اتضح بعد شهور من التواجد في الحكم، أنها غير قابلة للتنفيذ وأنها بسيطة إلى ساذجة تكشف من بين ما تكشفه، أن نقطة ضعف هذا التيار هو صعوبة الإنتقال من خطاب الدعوة إلى خطاب التدبير اليومي المبني على الوقائع والتحديات المرتبطة بعوامل بنيوية منها ماهو داخلي ومنها ماهو خارجي، وهذه الطبيعة البنيوية ، تنعكس على الإنجاز. لتجاوز هذه الوضعية هناك طريقان ، الأول مبني على اختيار الديمقراطية التوافقية، والقطع مع منطق الغلبة أو الأغلبية العددية والعمل بروح تشاركية مع باقي الشركاء في الوطن ، والطريق الثاني هو صنع أعداء وهميين أو تضخيم الأعداء الموجودين بصورة طبيعية، ليس بهدف القضاء عليهم، بل فقط لشحن بطارية المظلومية من جديد في إتجاه الإنتخابات المقبلة، وحتى لاتكون المحاسبة على نتائج التدبير، بل على درجة المظلومية المتوهمة، وأثناء ذلك تستمر أوضاع البلدان في الإنحدار ويستمر الثمن الإجتماعي الذي تؤديه الشعوب إرضاء لرغبات متضخمة في الحكم والسلطة تخفي أكثر مما تكشف. كل ما يجري اليوم في المنطقة من حروب دونكيشوتية اتجاه الفلول والتماسيح والعفاريت التي أضحت تهم جاهزة في وجه كل رأي مختلف أو يعبر عن رؤية جديدة ويبدي آراء ومشاريع، تكشف ضعف الماسكين بالمسؤوليات الأولى في السلطة وعلى هذا المستوى يجب أن تكون معركة الوضوح، وليس عيبا أن تراجع هذه التيارات خطابها وتحليلها، لأن المراحل الإنتقالية عادة، ليست مراحل مناسبة لإنتصارات حلقية في وجهها الآخر هزائم مؤسفة للوطن...