لم أتمكن أمس من إرسال العمود للجريدة لأسباب تتعلق بصعوبة الولوج للأنترنت بسبب كتابة كل واجهات المواقع باللغة الصينية فقط...في اليوم الأول كان موعدنا مع عرض للسيد تشانغ جيانوي نائب مدير إدارة غرب آسيا وشما إفريقيا بدائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وكان موضوع العرض هو أوضاع الصين والحزب الشيوعي الصيني ما بعد المؤتمر الثامن عشر الذي إنعقد نهاية سنة 2012. سريعا جاءت الأفكار التي أراد تشانغ بثها في الحاضرين وكانت تتمحور حول فكرتين رئيسيتين, الأولى هي أن الصين دولة كبيرة بسكانها وأراضيها ومياهها, إذ يكفي أن عدد السكان يبلغ مليار و370 مليون نسمة, حيث يدرج الصينيون عدد سكان تايوان ضمن تعداد سكان الصين إمعانا في عدم الإعتراف بها كدولة مستقلة عن الصين الأم وكذلك الأمر مع سكان كل من هون كونغ ومكاو حيث تتمتعان بسيادة بأنظمة حكم خاصة, والفكرة الثانية والتي لم أعهدها سابقا في النسؤةلين الصينيين وهي تكرار القول بأن أية مخاطر يمكن أن تواجهها الصين على مستوى الإستقرار السياسي, فإنه يعني عدم الإستقرار والسلم في العالمي, ويضرب المحاضر نموذجا على ذلك بقوله , تصوروا فقط 100 مليون لاجئ من الصينين في دول الجوار وهو ما لايصل إلى 10% من عدد السكان الإجمالي..هذا الخوف من عدم الإستقرار يوحي أن هناك عدم إطمئنان لدى القيادة الصينية, خاصة مع التحولات السياسية التي عرفتها العديد من بلدان العالم. الصينيون واعون بالصعوبات التي تواجههم, ويدركون أن ثمار النمو الذي تحقق منذ إطلاق سياسة الإصلاح والإنفتاح سنة 1978,لم يتم توزيعها بشكل عادل ومتكافئ بين الأفراد والمقاطعات, وكذلك فإن هذا النمو السريع خلف أضرارا بليغة على البيئة وعلى مخزون البلاد من الثروات الطبيعية, وإضافة إلى كل ذلك كان هذا النمو معتمدا بشكل أساسي على التصدير وعلى السوق الأجنبية, وهو ما إنكشفت محدوديته ومخاطره مع الأزمة المالية و الإقتصادية التي بدأت سنة 2008. هنا في الصين يقولون بأنهم يعملون وفق إقتصاد السوق بالخصائص الصينية, في الواقع الأمر يتعلق برأسمالية الدولة, فلم يبقى من الإشتراكية في الصين سوى بعض الرموز والشعارات, حتى ماو لا يتحدث عنه أحد هنا, بل إن البعض يهمس في أذنك بأن مرحلته كانت تعني الفقر, ولا تصادف صورته الوحيدة في عاصمة دولته سوى في ساحة تيان أن مين الشهيرة على مدخل المدينة الإمبراطورية وتحت المنصة التي ترأس منها الكثير من الإستعراضات العسكرية والإحتفالات الشعبية الحاشدة على الطريقة السوفياتية. في بداية الزوال تحركنا في إتجاه صور الصين العظيم, وما كدنا نصل حتى بدأت الثلوج والأمطار في التساقط, مرافقونا قالوا بأن فأل خير عليهم , فنادرا ما تسقط الثلوج في شهر مارس في بكين ونواحيها, كانت أجناس مختلفة في الموقع, شخصيا ورغم أن هذه زيارتي الثانية لصور الصين العظيم , فإن الموقع يوحي لك دائما بالعظمة والرهبة, ليس فقط من الفكرة ولكن من الجهد الإنساني والهندسي الذي بدل من طرف الصينيين القدامى, لكن ما لفت إنتباهي في هذه الزيارة هو ظاهرة يقدم عليها العشاق سواء كانوا متزوجين أم ألا, من وضع أقفال على سلاسل الصور يرموزن بها إلى إرتباطهم الأبدي والدائم, ولعل ذلك تيمنا بالعمر الطويل الذي عاشها ذلك الصور الشامخ. إستمر الجو البارد والأمطار بعد حلول الليل, فقررنا أنا والزميل الصديقي إستكشاف محيط الفندق وأخذ حساء صيني ساخن..قادتنا الطريق والاتمطار والبرد القارس إلى مطعم على بعد حوالي سبعمآة متر من الفندق, دخلنا المطعم وكأننا كائنات نزلت توا من كوكب آخر, عدد محدود للزبناء في مقابل جيش من العاملين تحلقوا حولنا لتقديم الخدمة وهم يتغامزون فيما بينهم بشكل طفولي, تقدمت إحدى النادلات لتخاطبنا بالأنجليزية, فإكتشفنا أنها تعرف من الأنجليزية بالقدر الذي نعرفه نحن من اللغة الصينية, ضحكنا جميعا وتسببنا لها في فضيحة أمام زملائها ممن كانوا يعتقدون أنها مفخرة المطعم في اللغة الأنجليزية, لكن الصينين يملكون قدرة كبيرة على المرح والإصرار, فلم تفارقنا سوى وهي تفهم طبيعة الحساء الذي نريد. غادرنا المطعم فإنطلقت الثلوج خفيفة لكنها كثيفة بالقدر الذي كان كافيا بأن تبسط رداء أبيضا على بكين في صباح اليوم الموالي. إلى الغد. بكين الخميس 21 مارس