في سنة 2008، نشر مارك ليونارد، وهو باحث بريطاني من طينة نادرة، طينة المناضلين من أجل أوربا، كتاباً بعنوان» »بماذا تفكر الصين؟« وهو عبارة عن سنتين من البحث واللقاءات مع العديد من المثقفين والباحثين والمفكرين والصحفيين في الصين. كان ذلك سنة الألعاب الأولمبية في بكين والنمو الاقتصادي الهائل والصعود الزاحف للصين على الساحة الدولية. وشهدت الصين عودة عشرات الآلاف من مواطنيها الذين هاجروا للدراسة في الغرب، حيث استقروا هناك، والذين قرروا العودة الى الوطن تجذبهم هذه المغامرة الجديدة لإمبراطورية الوسط» يسمونهم »سلاحف البحر».« ويوضح مارك ليونارد، أن الصينيين لا ينتجون فقط، بل يفكرون أيضاً. ولا يفكرون، بالضرورة، بنفس الأشياء. بعد أربع سنوات، أصبح مارك ليونارد على رأس معهد للبحث حول السياسة الخارجية الأوربية، وأراد أن يعرف كيف تفكر الصين الجديدة التي أصبحت في غضون ذلك، القوة الاقتصادية العالمية الثانية تتأكد أكثر فأكثر على الساحة الدولية في مواجهة عالم غربي يغرق في أزمة اقتصادية حادة. وطيلة أسبوع، قاد مارك ليونارد إلى بكين مجموعة من الأوربيين ،وزراء خارجية سابقين اقتصاديين باحثين وصحفيين في لقاءات مع العديد من الباحثين الصينيين، من بينهم أفضل المفكرين في البلد من علماء الاجتماع والسياسة والخبراء في العلاقات الدولية أو في وسائل الإعلام وأكبر الجامعات وأكاديمية العلوم. وكلمة واحدة تلخص هذه اللقاءات: التساؤل. مثل كثيرين، منبهرون بالسرعة التي تغير بها بلدهم. وعشية المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي سيفرز قيادة جديدة للبلاد خلال عشر سنوات القادمة، تبدو العجرفة التي يبديها الرسميون، متناقضة لدى هؤلاء مع التساؤلات العميقة حول النموذج الواجب اتباعه، تساؤلات ممزوجة بالقلق حول ديمومة النمو، وإحساس عميق بانعدام الأمان تجاه المستقبل. أغلب هؤلاء مروا في فترة من حياتهم بجامعات أمريكية أو أوربية. وإزاء تعقيدات الصين وآسيا، فإنهم يبدون إعجاباً كبيراً بوحدة الغرب حتى وإن أضعفته الأزمة. وكصدى لشكوكهم، ذكرت صحيفة »نيويورك تايمز« يوم 1 نونبر بأن المهنيين الشباب في المدن الكبرى بدأوا الرحلة في الاتجاه المعاكس لرحلة »سلاحف البحر«، أتعبهم ضغط نمو سريع، وقلقون على أبنائهم، وبدأوا أكثر فأكثر يتوجهون للاستقرار في الغرب. حول ماذا يتساءل الصينيون؟ ماذا يناقشون؟ هذه بعض الأجوبة حول المواضيع المثارة، كما نقلتها مراسلة »لوموند« سيلفي كوفمان. النموذج: »كنا فقراء، وكنا نريد أن نصبح أغنياء. استدعينا الرأسماليين الأمريكيين، واستضفناهم ليأكلوا ويشربوا معنا. كنا نبتسم، لكننا كنا مجروحين«. هل يجب إعادة تقييم النموذج؟ تعبير »»إجماع بكين»« قد يوحي بأن للصين نموذجا، هذا تفسير سنة 2008، مع الألعاب الأولمبية والذكرى الثلاثين للإصلاحات، ثم تطور النقاش. الكثير من الصينيين لم يعودوا يعتقدون بأن هذا النموذج هو الأفضل«. »أزمة SRAS كشفت لنا أن النموذج الصيني لا يمكن أن يستمر، والكلفة بالنسبة للبيئة والموارد الطبيعية كبيرة جداً .لابد من إعطاء الأولوية للناس. الناس بحاجة للاستفادةمن الحياة بعد عدة سنوات من المجهودات لدينا قطار فائق السرعة، يسير بسرعة.. المال استعمل لبناء بنايات ضخمة بدل ان يوجه لبناء المدارس. على الصين ان تغير نموذج تنميتها.وهذا التغيير سيبطئ من وتيرة النمو، وستكون لذلك كلفة:من سيتحمل هذه الكلفة؟ ولكن إذا لم نقم بهذا التصحيح، فإننا سنسير نحو مشاكل كبرى«. لأول مرة في تاريخ الصين،بدأت تظهر ملامح سياسة اجتماعية.شيء شبيه بعض الشيء بما عاشته أوربا خلال خمسين سنة. »أكبر زعمائنا ،كان هو دينغ كسياوبينغ. لقد ألغى الشيوعية. وهوجينتانو ليس زعيما كبيرا.واذا ما تم اختيار لسي جينيبينغ سنخسر عقدا من الزمن«. القيم لا أومن بالقيم الصينية، الصينيون بشر وليسوا فصيلة أو نوعا خاصا. وفي النهاية، كل ما يجري في العالم سيصل الى الصين. والقيم الاسيوية التي رفعها لي كوان يو ،مؤسس جمهورية سنغفورة، لا يعرف الشباب ما هي. لقد أعطت الكثير للقادة، لكن لم تعط شيئا للشهب. إنها ليست موضوع نقاش اليوم في الصين، القيم الصينية نعم». »السيناريو الايديولوجي للصين، معقد جدا. الغرب موحد، بينما الصين على مستوى القيم متنوعة جدا. على الانترنيت نجد كل انواع الايديولوجيات بما فيها القومية. ونجد ايضا الكثير من الانتقادات للزعماء ..كيف يمكن انعاش القيم الصينية؟ ليست لنا أدنى فكرة. ما نفعله لحد الان هو انفاق المال.في لحظة من اللحظات، المخطط كان هو انشاء مكتب للتلفزة المركزية الصينية،حينما كان لقناة س.إن .إن مكتب، ليست لنا استراتيجية كبرى، لا نقوم سوى برد الفعل على التحديات«. النقاش والديمقراطية »صورة النقاش اليوم في الصين ،أعقد مما نتصور.الكثير من الناس لا يعرفون إلى أين نسير. الى اليمين؟ الى اليسار؟ والشيء الوحيد الذي يحظى بالاجماع هو ان الصين ستتقدم«. »هناك اتجاه واضح نحو الديمقراطية.، انه الانفتاح السياسي أكثر منه ديمقراطية، لكن الانفتاح السياسي سيقود إلى الديمقراطية. الصينيون مستقلون أكثر فأكثر، اقتصاديا وفكريا واجتماعيا. هناك اليوم 400 الف منظمة غير حكومية وحوالي 3 ملايين جمعية غير مسجلة. وإذا ما تم منع واحدة فإن اثنتين او ثلاثا ستأخذ مكانها«، لا الصينيون، ليسوا أحرار اليوم. لكن تجري اليوم اشياء كثيرة. ظاهرات سرعان التغيير،والخوصصة المتسارعة للاقتصاد وانتشار الديمقراطية في العالم«. هل الصين ديمقراطية؟ بالنسبة لأغلب الغربيين، لا. لكن بالنسبة لي، هي نصف ديمقراطية.الديمقراطية تتضمن أمرين: الحقوق الفردية وانتخاب القادة عن طريق التنافس. فتحنا ورش الحقوق الفردية ولكن لم نفتح ورش السلطة. اذا فتحنا الاثنين دفعة واحدة، سيكون ذلك هو الجحيم،لأن الناس سيحاولون الاستحواذ على الحزب. وهذا ما وقع في أماكن أخرى. الانتخابات أتت بالفوضى هنا ستتم الامور تدريجيا، خلال 20 سنة القادمة. سننتخب رئيسنا بحرية كما انتخب اوباما«. المفارقة في الصين هي الحفاظ على النمو دون الحفاظ على عواقبة السلبية، المجتمع متعدد ولا ممركز إلى حد أنه من الصعب التحكم فيه . اليوم بالنسبة لكل قضية، الرأي العام منقسم الى جزأين. كيف يمكن التعامل مع اليابان؟ هل يجب ان نثق في الولاياتالمتحدة؟ هل يتعين الاستمرار في النمو؟« الانترنيت انه المجال الحقيقي للنقاش العمومي الانترنيت هو العامل الأهم في السياسة الصينية. الشبكات الاجتماعية هي نهر من النيران. حتى الان. يتمكن القادة من احتوائها بين ضفتين. هم قلقون إزاء هذه الظاهرة. هم باستمرار يقيسون الحرارة، هم بحاجة لللاستقرار الاجتماعي، ولهذا السبب يسمحون بين الفينة والاخرى بمنافذ لإخراج الضغط. اليوم، الصين هو البلد الذي يتوفر على أكبر سوق متنوع للأفكار. إنها فترة نشيطة من الأفكار والنقاش، وفي نفس الوقت هناك هذه المراقبة الشديدة على الأنترنيت.ولكن كلما زاد المنع كلما زادت الحرية«. التوتر الإجتماعي »تحكم الدولة قوي جدا، وخلافا للشعارات، فإن انسجام المجتمع يضعف أكثر فأكثر«. »هناك قلق كبير بين صفوف الشباب المهنيين في الوسط الحضري. لدينا مشكل في تدبير انتظاراتهم«. »إنه أخطر مشكل. السلطة تنفق الكثير من المال لشراء السلم الاجتماعي. ولكن كلما زاد إنفاقها كلما زاد التوتر. وقوع حادث قد يؤدي إلى الانفجار في أية لحظة. والبنيات الجماعية انهارت، وعدم التنظيم الاجتماعي مشكل كبير، عندما تنهار الجماعة تبقى العائلة، ولكن هناك العائلة صغيرة جدا«. »هناك الكثير من الحوادث الاجتماعية، ولكن ليست هناك حركة اجتماعية«. »نقابة تضامن .النقابة التي قادت الاحتجاجات في بولونيا.. كلمة ممنوعة. الإضراب لا يجب أن يتحدى السلطة، فقط إجبار مقاولات سيئة، ومن الأفضل أن تكون أجنبية، على التفاوض. الصين والعالم »الصين بحاجة لأن يكون لها أصدقاء في العالم، ماذا تريد الصين؟ أي هدف تسير نحوه؟ الناس مازالوا متشككين. الفترة 2008-2001 كانت فترة ذهبية للعلاقات الصينية الأمريكية، لأن الأمريكيين كانوا منشغلين بالحرب على الإرهاب. الآن هم يركزون على آسيا.وهذا يخلق منافسة استراتيجية. نحن متشككون جدا في النوايا الأمريكية«. »الصين ليست بجاحة لأعداء، هي أكبر عدو لنفسها.منذ 2008 هناك إحساس بأن علينا أن نؤكد ذاتنا أكثر مع تراجع العالم الغربي،ولكن أين هي الأدوات السياسية لذلك؟ الوضع العالمي القائم في صالح الصين، ولكن هناك الجميع يعتقد أنه مؤيد للغرب«. «من الخطر ألا يكون لك أصدقاء. ولأننا بلد ضخم، يجب أن تكون لنا علاقات أفضل مع جيراننا، مع اليابان، مع الهند. أفضل أن يكون هناك نمو بطيء أكثر، وأصدقاء كثر. عندما تتطور بسرعة، لا تعرف بالضبط من تكون«. »للصين مشكل السلطة «الناعمة»«، لها سمعة سيئة في العالم. العالم لا يعرف بماذا تفكر الصين.وبالتالي نحن لسنا محبوبين. محاولة فهمنا صعبة للغاية. الحضارة الصينية هي الأقل روحانية في العالم، إنها حضارة مادية، بينما المسيحية تمنح الأمل في المستقبل«. »الصينيون يحبون الولاياتالمتحدة. ونصف أعضاء المكتب السياسي يرسلون أبناءهم للدراسة في الجامعات الأمريكية. ابنة الزعيم كسي جينبينغ تدرس في هارفارد. أوربا وسلطتها الناعمة تغري النخب أكثر. وأمريكا تجذب العموم أكثر«. »الصين ليست متأكدة من دورها الجديد. قادتها ونخبتها لا تعرف ماذا تفعل بهذا الدور. وبالتالي نحن نشكل مصدر مشاكل في العلاقات الدولية ... الأزمة في الغرب تظهر أن الديمقراطية غالية وثمينة. علينا أن نأخذ طريقا آخر لا هو طريق الغرب ولا هو الطريق الصينية، نظام على الطريقة الرومانية، نظام أكثر فعالية من لانظام الغربي، نحن أكثر وضوحا من الغرب حول مشاكلنا، ولدينا رغبة أكبر في الإصلاح. »كلما تقدمت الصين، كلما تراجع ميلها الى التعاون. هل تفضل الثنائية، وقلقي هو أن تصبح الصين أمريكا أخرى أكثر ثقة بنفسها.نحن نخلق لأنفسنا مشاكلنا الخاصة،كما خلقت أمريكا بنفسها مشاكلها في العراق. في بحر الصين الجنوبي، نحن أكثر شراسة، كيف يمكن إرسال مثل هذه الرسائل؟ لم نكن نملك كل الجزر قبل 1947. موقف مختلف ربما كان سيسمح بفهم موقفنا، وربما احترامنا. ليس من حق الصين الخطأ، لن يغفر لنا ذلك«.