على جانب بعيد من الجادة 14 بواشنطن، مازالت «تشانغ» تتذكر وجه أول زبون زارها قبل عشر سنوات واقتنى تذكارا تعرضه في محلها المحاذي للشارع الذي يشبه خيمة صغيرة. «لقد استغرب الزبون لما اكتشف أنني صينية أبيع تذكارات أمريكية، سألني بلطف عن سبب اختياري الإقامة بأمريكا وتمنى أن يزور سور الصين العظيم في أحد الأيام»، تردد البائعة الصينية -التي لها نفس لون الجواز الأزرق الذي تحمله منذ خمس سنوات- بلغة إنجليزية سليمة. التحقت تشانغ بزوجها الذي نجح في قرعة الهجرة الأمريكية، واستطاعت بسرعة الاندماج داخل المجتمع الأمريكي. قوه هذا الاندماج، حسب تشانغ، تتجلى في «تلاحم الصينيين واعتزازهم بانتمائهم إلى وطنهم الذي عكسوه في بروزهم بخصوصيتهم وهويتهم، ولم يسمحوا للثقافات الأخرى بأن تطغى على صينيتهم». تتناثر العديد من محلات بيع التذكارات في العاصمة الأمريكية، ويمثل الباعة الصينيون أعلى نسبة من الشريحة السوسيوديمغرافية التي تستأثر بهذا النشاط التجاري. التنزيلات التجارية تغري السياح وزوار العاصمة بشراء قمصان وقبعات ومجسمات مصغرة للكابيتول والبيت الأبيض، بينما يفضل الأمريكيون شراء القمصان التي تحمل صور أوباما وماكاين. وعن المرشح الذي يفضلونه، لا يكترث الصينيون كثيرا لهويته: «المهم أنه سيتم انتخابه بشكل ديمقراطي وسيعكس إرادة الناخب الأمريكي»، يؤكد أحد الباعة. أمام غلاء تذاكر وسائل النقل الناشطة على خط الذهاب من وإلى نيويورك التي تضم أشهر حي صيني، خصص أبناء ماوتسي حافلة بتذكرة رخيصة تنقل التجار الصغار إلى نيويورك لمدة أربع ساعات، ويسمحون للمسافرين الآخرين بالسفر معهم على متنها. سيجد الرئيس الأمريكي المقبل نفسه في موقف صعب: عليه مواجهة تبعات الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد، وتكريس سيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية باعتبارها القوة الأولى في البلاد، إضافة إلى مواجهة تغلغل التنين الصيني داخل الأسواق الأمريكية. وبدت أحدث التقارير متشائمة، حيث كشف معهد السياسة الاقتصادية أن العجز التجاري الأمريكي مع الصين كلف الأمريكيين خسارة 2.3 مليون وظيفة بين عامي 2001 و2007. وأفادت دراسة، أعدها الاقتصادي «ألبرت كايدل» ونشرتها منظمة كارنيجي للسلام العالمي، بأن نمو الاقتصاد الصيني السريع جاء بسبب الطلب المحلي أكثر من الصادرات إلى الخارج، وهذا سوف يستمر لعدة عقود أخرى مقبلة، كما أن الاقتصاد الصيني سوف يتخطى نظيره الأمريكي بحلول عام 2035، وسيواصل نموه ليتضاعف حجمه في منتصف القرن الحالي. لطالما اعترفت إدارة «بوش» بوجود مشكلات استراتيجية واقتصادية بالبلاد، فيما يؤكد الاقتصاديون أنه، على المدى الطويل، ستكون الصين «منافسا إستراتيجيا». وإلى حد الآن، لم يقتنع الأمريكيون بسبب تعنت الرئيس جورج بوش في فرض تعريفات جمركية على الواردات الصينية حسب ما ينص عليه مشروع قانون اسكومر-جراهام. وترفض الخزانة الأمريكية الطلبات المقدمة من المشرعين الأمريكيين لوصف الصين بكونها «محتكرة للعملة» تحت طائلة قانون التجارة الذي وضع عام 1988، إذ يحق للخزانة الأمريكية تجنب اتهام الصين بكونها محتكرة للعملة لأن بكين تحافظ على معادلات ثابتة لتغيير العملة. ويسخر الصينيون من الخطة الأمريكية لإنقاذ المصارف المفلسة، وشبهتها الدوائر الرسمية بالطعام الأمريكي «تيك أواي». وهذا لم يمنع وزارة التجارة الصينية من توقيع صفقات تجارية مع مؤسسات أمريكية فاقت 9 مليارات من الدولارات. ولو أجبرت الصين على رفع قيمة عملتها فإن سلعها ستبقى بالغة الرخص، ولن تستفيد من ذلك سوى بلدان أخرى مثل فيتنام وأندونيسيا، التي تغرق السوق الأمريكى بسلع رخيصة... ورسمت الواشنطن بوست في أحد أعمدتها صورة موجزة عن طبيعة العلاقة بين العم سام والتنين الصيني: «يتوفر البنك المركزي الصيني على كميات ضخمة من الدولارات، وهو الأمر الذي يؤكد أن الاقتصاد الأمريكي مازال يعتمد على الصين».