يعرض أمام المحكمة الابتدائية بالرباط ملف مثير وغريب يدعي فيه المتهم أنه يعمل بجهاز أمني ورفض الكشف عما لديه من معطيات إلا في حالة عقد جلسة سرية حفاظا على السر المهني بعد الحديث عن أسماء مجموعة من كبار العسكريين المغاربة والأجانب والإدلاء للمحكمة بصور ملتقطة معهم وبالميداليات والهدايا التي تلقاها من بعضهم، حيث طالب الدفاع بالتأكد من مدى صحة وسائل إثبات براءة موكله. كما أنه في الوقت الذي يشير فيه الدفاع أن المتهم عديم السوابق فإن وثائق النازلة تؤكد أنه يتوفر على عدد من السوابق القضائية في مجال النصب والاحتيال والضرب والجرح والسرقة وخيانة الأمانة وانتحال صفة نظمها القانون، وذلك خلال سنوات 1995، 1998، 2000، 2002، و2011. وقد انهت المحكمة في ساعة متأخرة من مساء الخميس مناقشة نازلة مدير جريدة متهم بالنصب والتدخل في وظيفة عسكرية (رتبة كولونيل) بغير صفة والقيام بعمل من أعمالها وإدعاء لقب يتعلق بمهنة نظمها القانون دون إستفاء الشروط اللازمة لحمل اللقب وتزييف طابع بإحدى المصالح العامة واستعماله، وذلك بعد سلسلة من الجلسات وقع فيها كثير من شد الحبل بين المتهم والدفاع من جهة والمحكمة والنيابة العامة. وبمجرد الشروع في استنطاق المتهم دخل في مواجهة مع رئيس الجلسة قائلا: »الله يرحم الوالدين قلت لي ما غديش نتوادر معاك وأنا بغيت نتحاكم بالعدل لأني بريء قل لي إنك ستحاكمني بالعدل وأجيب على أسئلتك...«، وأضاف المتهم بعد أن شوهد شخص يقف في نافذة بأعلى قاعة الجلسة وقيل إنه يقوم بعملية التصوير دون إذن: »إن تصويرنا هو إهانة لكم ولنا السيد القاضي، هل أنت تحكم أم هذه الأجهزة إحموني من هؤلاء...«. وقد تعقب رجال الأمن المعني بالأمر إلا أنهم لم يعثروا على أي أحد. وتدخل ممثل النيابة العامة ليؤكد أنه يجب الحديث مع المحكمة باحترام وأن ملتمس الدفاع الرامي إلى رفع الجلسة للذهاب عند رئيس المحكمة أمر لايستقيم لكون وهيئة الحكم مستقلة، وأن حق الدفاع مضمون. وبالنظر لغياب مكبرات الصوت والضجيج بالقاعة وخارجها لم نتمكن من الاستماع إلى كل ما راج في هذه الجلسة التي أكد فيها المتهم جوابا على عدة أسئلة أن المحجوزات التي تؤكد براءته بقيت لدى قائد جهوي للدرك الملكي، وانه اعتقل من طرف أشخاص بزي مدني بعضهم كان يشتغل معه... وأنه كان في مهمة بتعليمات من جنرال... وهناك أشياء لا يمكن له الافصاح عنها إلا في جلسة سرية وأنه خدم بلاده وحاز على ميداليات، وعنده 360 مليون في البنك وعقار هو من عرق جبيني. واستمعت المحكمة إلى ثلاثة شهود لم نستطع مواكبة تصريحاتهم، إلا أن مصدراً أكد أن أحدهم أوضح أنه كان قد دخل رفقة الظنين إلى القاعدة الجوية بسلا رفقة وفد رسمي، وأن هذا الأخير كان قد اقترح عليه تأسيس مركز للدراسات والأبحاث العسكرية. وأوضح دفاع مطالب مدني في مرافعته أن المهام التي كان يقوم بها المتهم لا تهمه سواء كانت وطنية أو لا لأن مايعنيه هو الضرر الحاصل من اقتحامه محلا وسرقة محتوياته، حيث أخذ شيكا ووضع به 100 مليون، مطالبا الحكم في الدعوى العمومية وفق ملامسات النيابة العامة التي لم تدقق في الجرائم المقترفة في حق مؤازره، وفي الدعوى المدنية جبر الضرر »ويعطينا شيئا ما من مبلغ 360 مليون.« أما ممثل النيابة العامة فأوضح في مستهل مرافعته أن الدفاع لم يثر مسألة المحجوز إلا أثناء الشروع في مناقشة القضية وكان عليه إثارته قبل ذلك، وأنه سحب النيابة ثم أعادها رغم أن ذلك يفترض اتخاذ مجموعة من الاجراءات إلا أن المحكمة تجاوزت الموضوع مشيرا إلى توفر شروط المحاكمة العادلة وأن المتهم هو الذي كان يعرقل سير المحاكمة وأن كلامه عن المسرحية يخص ما قام به المتهم، علما ان الأمر ليس سبّة، وأن طلبات تقديم شكايات والتجريح أمر عادي ومن حق أي أحد أن يتقدم بما يريد مع احترام المساطر... وابرز ممثل الحق العام أنه خصم شريف لكون النيابة العامة تمارس مهامها ولا مصلحة لها في أي نزاع، علما أن المحكمة والنيابة العامة تناقش محاضر الشرطة وتطبق القانون بعيدا عما يروج ويقال خارجا عنها... واستعرض ممثل النيابة العامة وقائع جرائم النصب والسرقة والتدخل بصفة في مهنة عسكرية وادعاء لقب، حيث كان المتهم يقوم بمرافقة وفود أجنبية ولم يثبت أنه يمتهن مهنة عسكرية، كما ادعى انه مارس التدريس بالجامعة مطالبا بإدانته من أجل هذه الأفعال. أما فيما يخص الدفاع فأكد أنه يستحيل على أي شخص اقتحام مجال وفد عسكري، مدليا بعدد من الصور والميدليات والهدايا التي تلقاها من جنرالات ومسؤولين عسكريين. في هذا السياق وقع شنآن بين الدفاع ورئيس الجلسة بخصوص عرض الصور على المتهم لإعطاء اسمائهم وصفاتهم باعتبارها حجة وأداة من شروط المحاكمة العادلة، متسائلا: ».. من هؤلاء الأشخاص الموجودون بالصور وعلاقة موكلي بهم .. كيف التقطت لمؤازري صور بحامية عسكرية مع جنرالات من إسبانيا وكولونيل ووزير دفاع برتغالي قدم هدية للمتهم وجنرال روسي والجنرال بناني والوزير والكولونيل بوعلام والجنرال إبراهيم.. إذن كيف جاءت هذه الصور التي يمكن عرضها على الجهة المختصة، ومن العبث القول إن موكلي ينتحل صفة كولونيل، علما انه لاوجود لجهة مشتكية بهذا الخصوص..«. وأبرز الدفاع انه يجب أن يظل القضاء بعيداً عن صراع الأجهزة وأن هناك احتمالين لتوريط موكله، الأول هو أنه تخطى أناسا ولم يعجبه ذلك، أو أنه دخل في صراع مع مسؤولين لكنهم أكثر منه، وأنه لم يتم الاستماع إلى أحمد السباعي الذي هو شخصية مرموقة واستُمع إلى شخص آخر يحمل نفس الكنية وتمت »مرمدته«، مطالبا ببراءة موكله لانعدام الأدلة. وقبل إدخال الملف للمداولة اعطت المحكمة الكلمة الأخيرة للمتهم الذي أوضح أنه لم ينصب على أي أحد وبريء من التهم المنسوبة إليه، وعمل على خدمة بلده ولم يخنه، مضيفا بعد أن استعرض تفاصيل اعتقاله: »تعرضت لتعذيب ممنهج وأتوفر على شريط »سيدي« للتعذيب لكن أطلب حماية النيابة العامة لتسليمه، ولا أريد أن أشوه السمعة، حيث كنْتُ قد سئلت عن الجهاز الذي اشتغل معه وكذا عن تهمة الخيانة العظمى..« وكان البحث في هذه النازلة قد انطلق إثر اختراق سائق سيارة رباعية الدفع حاجزاً بمحطة الأداء بتيط مليل دون تأدية تذكرة المرور حيث كانت السيارة تتقدم وفدا عسكريا من دولة البرتغال.