عقد المجلس الوطني لحزب الاستقلال دورته الأولى يومي الجمعة والسبت 12-11يناير 2013, وذلك تنفيذا للقانون الأساسي للحزب وفق جدول أعمال تضمن المصادقة على مجموعة من القوانين الداخلية و انتخاب رئيس المجلس الوطني للحزب واللجنة المركزية ولجان المحاسبة و التحكيم والترشيح. إن المجلس الوطني, الذي ينعقد في يوم يخلد فيه الشعب المغربي ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال, يجدد الوفاء لشهداء الحرية والاستقلال, ولقادة الكفاح الوطني الذين قدموا ملاحم تاريخية لا يمسها التقادم في خدمة الوطن والدود عن حريته وصون كرامته بين الأمم, وهي محطة تؤرخ أيضا لحزب الاستقلال الذي عرف فيها منعطفا وتحولا كبيرا, حيث اجتمعت إرادة قادة الحزب على تغيير اسمه من الحزب الوطني إلى حزب الاستقلال, كعنوان على ركوب معركة كبيرة في وجه الاستعمار وأعوانه وخدامه, وربط الوطنيون ممن حصلوا على شرف توقيع الوثيقة, بين تحقيق الاستقلال وإقامة نظام ديمقراطي, وهي معركة اليوم والغد كما أكد على ذلك زعيم التحرير رئيس حزب الاستقلال المرحوم علال الفاسي._كما تنعقد دورة المجلس الوطني بتزامن مع السنة الأمازيغية الجديدة 2963، التي تحمل دلالات كبيرة على تنوع المكونات الثقافية للشعب المغربي, وغنى تاريخ الأمة المغربية الضارب في أعماق التاريخ, وهي فرصة للتأكيد على أولوية التنزيل الديمقراطي لدستور 2011 الذي أفرد مكانة خاصة لتعدد الهوية المغربية, وانصهارها منذ القدم لرسم هوية وطنية جامعة, هي من رسمت مجد الأمة وجعلت للحضارة المغربية ميزتها الخاصة بما يضاهي أكبر الحضارات الإنسانية. إن المجلس الوطني ينعقد أيضا في ظل ما تشهده قضية وحدتنا الترابية من تحولات, خاصة بعد الزيارة الأخيرة للممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للمنطقة, هذه الزيارة اتسمت بمنهجية جديدة ستكون لها انعكاسات على حل النزاع المفتعل، والذي عمر سنين طويلة تسببت في معاناة آلاف الأسر والأفراد خدمة لمصالح من يضاربون بمصالح الوطن. إن الوضعية الحالية في أقاليمنا الجنوبية تستدعي الإسراع بتطبيق الجهوية الموسعة بصيغة الحكم الذاتي وقطع الطريق على لعبة إطالة أمد النزاع واستنزاف المغرب في معركة طويلة، وينبه المجلس الوطني إلى أهمية مواجهة أصوات في الداخل تحاول مس معنويات الشعب المغربي في قضية وحدته الترابية بما يخدم الأجندات الخارجية المعادية لبلادنا ودعوة المنتظم الدولي الى التدخل العاجل لتمكين المحتجزين في مخيمات تيندوف من حقوق " اللاجئين " التي تعاند الجزائر في تمكينهم منها منذ بداية النزاع في مرحلة الترحيل القسري للعديد من الأسر الصحراوية لتوظيفها كدروع بشرية وللتلاعب في المساعدات الدولية والإنسانية. إن المجلس الوطني يجدد مواقف الحزب الثابتة فيما يخص المطالبة باستعادة سبتة ومليلية والجزر الجعفرية والصحراء الشرقية إلى حضن الوطن، عبر حوار صريح ومسؤول مع دول الجوار المعنية. وفيما يتعلق بوضعية الجالية المغربية في الخارج، فإن المجلس الوطني يعتز بما تحقق من جهد تنظيمي حزبي في الأشهر الأخيرة، وهي مناسبة للتضامن مع الجالية التي تعيش ظروفا صعبة نتيجة تأثيرات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية ، ما يتطلب من الحكومة بحث صيغ الدعم المناسب التي تتناسب مع هذه الوضعية ، كما يؤكد المجلس الوطني رفضه المطلق للإجراءات التي تعتزم الحكومة الهولندية تطبيقها على المهاجرين المغاربة من خلال المس بالتعويضات المستحقة لهؤلاء بعد سنوات من الجهد، وأن الحزب سيترافع أوربيا ودوليا لمنع المس بحقوق المهاجرين الأساسية. كما يثمن المجلس الوطني عاليا الدينامية التي عرفتها الديبلوماسية الحزبية في الفترة الأخيرة بما يعزز الحضور الدولي للحزب ، وهو ما يمكنه من الدفاع عن مصالح المغرب والتعريف بالقضايا العادلة لبلادنا ، وتقديمها بما تستحق من عناية للمجتمع الدولي . على المستوى الداخلي للحزب, تنعقد هذه الدورة بعد النجاح الكبير الذي حققه المؤتمر الوطني السادس عشر لحزب الاستقلال, والذي سجل تحولا ديمقراطيا كبيرا على مستوى انتخاب الأمين العام للحزب, حيث شكل ذلك، الحدث الوطني الأبرز في السنة الماضية, وهو ما يبعث على الاعتزاز وعلى تعزيز القناعة بأن حزبنا يشهد تحولات هادئة وتراكمية, بتجاوب تام مع ما تقتضيه المرحلة من حكامة حزبية فعالة وإرادة مبادرة وجريئة, وهذا الاختبار شكل تمرينا جماعيا لكل المناضلات والمناضلين، وعبر الجميع في كل المراحل عن نضج كبير ووعي مثالي, بأن الممارسة الديمقراطية وحرية الانتخاب ونتائجه, تعتبر امتحانا لتجدر وأصالة الانتماء إلى الهوية الديمقراطية, وكان طبيعيا أن يرسب البعض في هذا الامتحان لأسباب ذاتية وشخصية, ولأنها كذلك، فإنها عاجزة على التأثير في مجرى تاريخ الحزب وتطورات الأحداث به، وكل انحراف عن قواعد وضوابط العمل الحزبي الرصين والمسؤول, يجب معالجته وفق القوانين الجاري بها العمل داخل الحزب وعبر الأجهزة المختصة، صيانة لحرمة الحزب وكرامة مناضليه. ويوصي المجلس الوطني بجعل سنة 2013 سنة تنظيمية بامتياز استعدادا للاستحقاقات القادمة ، وإنجاز الدراسة الاستشرافية حول الوضعية السياسية بالمغرب ودور حزب الاستقلال بالنسبة للفترة 2014-2024 ، والتحضير لسنة الاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيس النواة الأولى لحزب الاستقلال. والمجلس الوطني إذ يعقد دورته الأولى في ظرفية وطنية خاصة, فإنه يؤكد على أن معركة الديمقراطية لازالت مستمرة رغم كل التراكمات الإيجابية التي تم تحقيقها في بلادنا بكفاح وطيد ومتين بين الحركة الوطنية و المؤسسة الملكية, وإن معركة اليوم هي على جبهات متعددة، إذ لا تهم فقط المؤسسات والقوانين, بل تتعدى ذلك لكي تكون معركة ثقافية تختبر السلوك والممارسة قبل الحكم على النوايا والشعارات, والمنطلق في ذلك هو أن الديمقراطية, ليست فقط وسيلة للوصول إلى الحكم, بل هي طريقة للحكم. إن المجلس الوطني, إذ يثمن ويبارك مبادرة إصدار مذكرة تسعى إلى تحسين وتطوير العمل الحكومي ومعالجة الإختلالات التي تعرفها الأغلبية, فإنه يعتبر ذلك يدخل في صميم الممارسة الديمقراطية، وتعبيرا راقيا على تعدد وجهات النظر داخل الحكومة الواحدة, فالمجلس الوطني عندما اتخذ قرار المشاركة, إستند على معطيات، من بينها الظرفية التي تجتازها البلاد, ونتائج صناديق الاقتراع, والتقاطعات الكثيرة بالنسبة للبرامج الانتخابية لأحزاب التحالف, وجاء كل من ميثاق الأغلبية والتصريح الحكومي لكي يوثقا طبيعة العلاقة بين مكونات الأغلبية, وكل تجاوز يستوجب التنبيه, ومن هنا يعتبر المجلس الوطني أن قيادة الحزب كانت موفقة في اختيار الظرفية وفي مضامين المذكرة التي يؤكد المجلس الوطني تبنيها بكل التفاصيل التي حملتها, ويؤكد على أن البلاد لا يمكن أن تطمئن إلى التباس الرؤية في تدبير العمل المشترك , وأن حزب الاستقلال ليس دوره هو ضمان الأغلبية لأي كان, فإما أن يكون موقع الحزب يعكس وزنه السياسي والانتخابي بما يمكنه من تنفيذ التزاماته وتقديم خبرته في تسيير الشأن العام، وفق ما تم التعاقد بشأنه في بداية الحكومة الحالية, في إطار وضوح العلاقة بين الشركاء، و إما أن يكون في موقع آخر لخدمة أفكاره وبرامجه ورؤيته للوضعية العامة للبلاد. يمكننا الجزم بأن مسعى كل خفافيش الظلام التي ظلت تراهن بل و تمني أحيانا النفس بأن بنيان أعتد الأحزاب الوطنية سينهار عند أول محطة تنظيمية بعد المؤتمر العام الأخير قد خاب و حساباتها الضبابية اتضح أنها اصطدمت بارادة الاستقلاليين على الصمود و الوحدة و قدرتهم الغريزية المتوارثة على تدبير الاختلاف بالنقاش و الحوار الهادىء و وضع مصلحة الحزب و الوطن فوق كل إعتبار ذاتي . برلمان الحزب تداول بكل حرية و شفافية في كل القضايا الداخلية و السياسية التي تهم البلاد و العباد , و الاستقلاليون إحتكموا مجددا صناديق الاقتراع الزجاجية لانتخاب هياكلهم التنظيمية المركزية في إطار الشفافية و تكافؤ الفرص و تجديد النخب و الأفكار مع الحرص الشديد على الثوابث و القيم التي ظلت و ستظل اللحمة القوية التي يلتف حولها عشرات آلاف المناضلين في مختلف المواقع والجهات . حزب الاستقلال فتح نهاية الأسبوع بمركزه العام صفحة جديدة في تاريخ تراكماته و تحولاته الهادئة , و شيد بمجهود جماعي جبار لبنة جديدة في مساره التنظيمي و السياسي بقناعة التحول الديمقراطي العميق و الهادف و المسؤول الذي سيظل يبوأه مصدر الصدارة في المشهد السياسي الوطني و العربي . الحكامة الحزبية الفعالة و المثمرة مثلت الهاجس الرئيسي الذي يوحد الاستقلاليين و يؤلف بين قلوبهم و إراداتهم في البناء و الاصلاح و مختلف التدخلات المسجلة خلال أشغال دورة المجلس الوطني أكدت حرص و قناعة المناضلين أن معركة الديمقراطية لا زالت مستمرة و مسترسلة . المجلس الوطني تبنى بالكامل ودون قيد و شرط مذكرة الجزب الموجهة للأغلبية بكل تفاصيلها و مضامينها و بارك مبادرة إصدار المذكرة التي تسعى إلى تحسين وتطوير العمل الحكومي ومعالجة الإختلالات التي تعرفها الأغلبية مشددا على أن المبادرة تدخل في صميم الممارسة الديمقراطية_ و تشكل تعبيرا راقيا على تعدد وجهات النظر داخل الحكومة الواحدة. الزعماء و القادة التاريخيون للحزب الذين تداولوا على منبر التدخلات ركزوا بدورهم على أهمية المرحلة و الظرفية التي تجتازها البلاد و الحزب و شددوا على قوة المناعة التي يتصف بها المناضلون و التي تجعل حزبهم بمنأى عن التصدعات الداخلية و لكنها تكفل بنفس الحزم لجميع المناضلين بممارسة حقهم في التعبير عن أرائهم و في إطار توابث الحزب و فضيلة الاختلاف المبني على الاحترام و مقارعة الحجج و الأفكارو التصورات الكفيلة بإغناء مسيرة الحزب و إشعاعه . المجلس الوطني و بالقدر الذي عبر فيه عن قناعته و موقفه بأن حزب الاستقلال يتجه بإرادة قوية نحو توفير كافة عناصر نجاح التجربة الحكومية الحالية _ مدافعا عن تماسك الأغلبية الحكومية ومغلبا لروح الحوار والنقد الذاتي مع حلفائه بما يكفل التنزيل الديمقراطي للدستورفإنه أطلق إشارة سياسية عميقة في إتجاه ذات الأغلبية مفادها أن هذا الدعم لا يمكن أن يستمر و يتزايد إلا بإدراك المغاربة و المناضلين أن توجهات الحكومة الائتلافية تتشبث و تدافع عن منطق التضامن والمساواة كعقيدة راسخة تتجسد تاريخيا في رؤية الاستقلاليين و حزبهم الإيديولوجية المتمثلة في التعادلية الاقتصادية والاجتماعية المبنية على مبدأ دعم الفئات الفقيرة لترتقي في اتجاه الطبقة الوسطى. عموما حزب الاستقلال برصيده النضالي التاريخي و بتوابثه و مسؤولية و نضج مناضليه في مختلف مواقع المسؤولية المحلية أو المركزية ماض قدما في إستكمال دورته التنظيمية التي تنص عليها قوانينه و أعرافه , و موعد دورة المجلس الوطني التي تزامن مع ذكرى 11 يناير التي تحمل معاني خاصة في عاطفة ووجدان الاستقلاليين شكلت مناسبة جديدة ليصنع الحزب مجددا الحدث التاريخي السياسي و يؤكد أنه سيظل كما هو معهود فيه ضمير الأمة المتيقظ و لسان حال المغاربة في السراء و الضراء . فهنيئا لمئات آلاف الاستقلاليين على هذا الانجاز التاريخي الجديد , و لتخسىء الى الأبد ألسنة و نيات السوء التي تتربص في الظلام كل فرصة مواتية لزعزعزة معنويات المناضلين بسموم الحقد و الحسد التي لا تحيق إلا بأهلها .