استبحت لنفسي الحديث عن المرحوم عبد الجبار السحيمي ، الذي قد يعجب المرء عن انتشار كتاباته الإبداعية ، وشيوع أفكار خواطره في حياتنا الثقافية مشرقة كانت أومظلمة ، في أسلوب سلس نفذ بشعاع قلمه إلى سبر أغوار النفس الإنسانية التي تعيش واقعها الراهن بمختلف مفارقاته ومتناقضاته .. إن ما أوجزته أعلاه يدفعني إلى أن أتساءل قائلا : كيف استطاع المرحوم تجسيد واقع ألمنا الاجتماعي؟ ثم كيف أن التوفيق يحالفه في اختيار المواضيع التي يثيرها بفنية متقنة مبنى ومعنى ؟ وأخيرا وليس آخرا ما الذي يجعل محاسن أفكاره وإبداعه تؤتي أكلها لدى قرائها، رغم مذاهبهم المتباينة، ومشاربهم المختلفة..؟ قد يكون سبب الاهتمام والإقبال في نظري على كتابات المرحوم بأجناسها المختلفة ، يؤول إلى عمق تصويرها ، وصدق تعبيرها في أن يعيش كل مواطن مغربي حياة حرة كريمة .. إضافة إلى أن شخصية المرحوم تتمتع بخفة الروح ، والعفو والسماحة وطيبة القلب ..شخصية وهبها الله سبحانه أجل هباته ، المتمثل بعضها في بساطة حياته ، وسعة معرفته ، وحبه الخير للناس .. لذلك فإني قد لا أكون مبالغا إذا ما قلت : بأن الكاتب والمبدع عبد الجبار السحيمي لم يكن مستخفا بأمانة القلم الذي حمله ، ولا مداهنا في طريق أدائها ..تقديرا منه لحامله الذي كرم الله عباده به ، حين قال في خطاب موجز لنبيه عليه الصلاة والسلام [ ..اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ..] تلك إشارة سريعة لبعض خصائص ومميزات شخصية المرحوم ، وإخلاصه أيضا للأمانة المنوطة بعاتقه ، كطائر حر فريد ليس له من المناصب ما يخشى عليه ، أو يخاف من أجله ..لأنه خلق كاتبا بالطبع لابالصنعة ، و» أديبا بالفعل لابالقوة « ، وهذا ما دل عليه لقاؤه مع مبعوث جريدة « النشرة « الصادرة بتاريخ 10 و16 يونيو1996 حين قال له عن عدم ترشيح نفسه للانتخابات الجماعية والبرلمانية ما يلي :[ لم ولن أترشح للانتخابات أبدا أبدا ، فأنا لست جماهيريا ، ولا أحب إطلاق الوعود التي أعرف أنها مجرد نوايا طيبة غيرقابلة للتحقيق ..ثم إنني لاأريد أن أجلس على كرسي في قاعة أعرف أن الحكم سمح لي بها، ولو في صيغة أنه أغمض العين عن انتخابات نزيهة في دائرة ، ثم لا أحب أن أجتمع في مكان واحد مع أشخاص سيظهر فيما بعد أن بينهم تاجر مخدرات ، أو تاجر سلعة فاسدة ، والأهم من هذا كله ، إنني لا أحب في مجلس النواب ، ولا في أي مكان آخر أن ألبس الشاشية ..] ما يمكن استنتاجه من الفقرة أن المرحوم عبر عن أفكاره بأسلوب سهل ، ذي عبارات واضحة شديدة التركيز ، بعيدة عن الثرثرة المؤدية إلى التشويش ..الشيء الذي دفعني إلى أن أخاطبه قائلا : إن في أفكارك يا السي عبد الجبار ، ومشاعرك ما نحتاج إليه في حياتنا الآنية ، باعتبارها كلمة حرة جريئة حاولت من خلالها انتشال مجتمعنا من مستنقع الوحل الذي يتردى فيه .. كما أن استخفافك بكل ما قد يبعدك عن حياة القهر التي تلهب بسياطها ظهور أغلبية حياة بني وطنك أعني القهر بجميع أشكاله : الاقتصادي والاجتماعي والسياسي دفعك إلى إبداء رأيك في شجاعة لاتوقر أحدا لايستحق التوقير..والسبب في ذلك يرجع في نظري إلى اسمك المركب تركيبا إضافيا ، من «عبد» المضاف إلى « الجبار» أحد أسماء الله الحسنى ، الدال على أن المرحوم يتنصل من أن يكون عبدا لأحد غير الخالق سبحانه ، الذي كان له عونا ونصيرا في الجهر بالحقائق أمام محدثي النعمة العابثين بأموال الشعب ومصالحه ..كما استطاع بنزاهته وصدقه أن ينير دهاليز الظلام ، ويكشف بصراحته المعهودة مرتكبي أشنع الجرائم والظلم فيها .. ثانيا : بعد الذي سبق ، أ نتقل إلى محاولة أخرى تتعلق بعرض بعض المعلومات التي استقيتها عن تعليم المرحوم الأولي ، وعلاقته بالصحافة ، كما هي مثبتة في الصفحات الثلاث التي خطها بيده ، ونشرتها ضمن الملف الخاص به ، مجلة « الثقافة المغربية « [ عدد 34 يناير2010 ] بهوامشها حفاظا للأمانة ، وحرصا على تقديمها بنفس الصورة التي تركها عليها المرحوم عبدالجبار ، الذي أوجز لنا في إحداها تقويمه لشخصية الفقيه سيدي المحجوب ، المتصفة بالعفة والمروءة والزهد عن الدنيا ..وغيرها من فضائل الإسلام النبيلة ، حين قال : [ رجال المغرب الذين لا يتكررون ..كل الرباط تعرف السي المحجوب المدور رحمه الله ..شخصيا حين أرى في مسيرة صلاة الاستسقاء وجه الفقيه سي المحجوب المدور يتصدر المسيرة ، أعلم بشبه يقين أن الله يستجيب ، وأن الأمطار ستصالح الأرض ، فالرجل يُعرف في كل المدينة بالفضل والطيبوبة ، وفعل الخير والتواضع ، والبعد عن المظاهر .. ] وعن ولوجه إلى كتاب سيدي المحجوب الذي كان يعلم فيه القرآن الكريم إلى أن لقي ربه ، الكائن بزاوية سيدي الفجيري بالرباط ، وكذلك دور المدرسة المعطوية الحرة المصحوبة بذكر بعض أسماء المتخرجين منها ، يستطرد قائلا : [ وكان من حسن حظي أن والدَي رحمهما الله أخذاني إلى كُتابه ، وهو الكتاب الذي سيتحول إلى المدرسة المعطوية ، التي أصبحت مع المدرسة المحمدية بالسويقة ، وهما متقاربان، مدرسة عصرية تطوع للتدريس فيها خيرة الأساتذة ..ومن الذين درسوا بالمدرسة المحمدية الدكتور محمد برادة ، وعبد الفتاح سباطة ، وإبراهيم سباطة ، والسيدة ثريا الشرقاوي زوج الأخ العربي المساري، وكانت أصغر تلميذات المدرستين ..ومن المدرستين معا كان الانتقال إلى مدارس محمد الخامس،حيث الباكلوريا ممهدة للمتابعة خارج المغرب ، برادة إلى مصر ، أحمد الرايسي إلى سوريا ..] لاحظت وأنا أقرأ ما خطه المرحوم عبد الجبار عن تعليمه في الكُتاب وغيره ، أنه لم يستخدم أوراقا مسطرة ، بل ورقا أبيض كبير الحجم غير مسطر..والسبب يرجع في نظري إلى اعتقاده بأن الفكرة الحرة التي يروم بثها ونشرها يجب أن تكون حرة طليقة خارج أسوار الحواجز/ السطور.. وعطفا على ما سبق فإن الحرية لديه تعد من التيمات الأساس التي تتسرب إلى جل كتابات المرحوم الفكرية والإبداعية ، التي انشغل بها منذ فترة تتلمذه على خيرة أساتذة مدارس محمد الخامس ..وقد استقصى بعض مظاهرها الدكتور علي القاسمي في دراسته القيمة عن المجموعة القصصية الثالثة للمرحوم ، الموسومة ب» سيدة المرايا « حين قال : [ ..أول ما يلفت انتباهنا في هذه القصص أنها تعالج موضوعة « تيمة « واحدة ، يمكن تشخيصها بوضوح في كل قصة ، وفي جميع قصص المجموعة تقريبا تلكم هي موضوعة الحرية ..] « ص 123 كتاب النور والعتمة إشكالية الحرية في الأدب العربي « وعن دور أساتذة مدارس محمد الخامس المشار إليهم أعلاه ، الذي حالفه الحظ في أن يتابع دراسته بها،وأثرهم في خدمة رسالتهم الوطنية والتربوية والثقافية ..عليه وعلى ثلة من أصدقائه الذين أصبحوا من ألأدباء ، كل ذلك وغيره أدى به إلى القول بأنها كانت فيما مضى من الزمن « أشبه بمعهد عال « تلقوا فيه معارفهم العلمية والوطنية على يد أساتذة وطنيين نبهاء ، ذكر من بينهم بعد الحاج أحمد الشرقاوي ، وعثمان جوريوالسادة الأساتذة قائلا : [ ..المهدي بن بركة ، والسي صالح الشرقاوي الذي كان يدرسنا الحساب ، والأستاذ عبد الكريم غلاب ، والمرحوم الهاشمي بناني الذي تعلمت على يديه رفقة العزيز عبد الإله كنون ، والعزيز الذي افتقدناه في عز عطائه محمد السوسي أبو درار الكاتب والفنان الموسيقي الملهم..بدايات خربشة الجمل نثرا وشعرا ، مع الفقيه الهاشمي بناني وتوجيهاته ، أصدرنا صحيفة حائطية أثارت الاهتمام ، وبفضلها رشحني الشهيد المهدي بن بركة لألتحق بجريدة «العلم « وكنت حينها قد بدأت تجميع أوراق الالتحاق بالمدرسة الإقليمية للمعلمين ، لولا أن ابن العمة الحاج محمد بوطالب حين استشرته وجهني إلى الصحافة ، مؤكدا أنها ستكون لي بمثابة كلية أتعلم فيها ومنه ، وأتثقف كل يوم ..] «جريدة العلم الصادرة بتاريخ 18 ماي 2006 « وفي نفس السياق تجدر الإشارة إلى أن أعز الأيام لدى تلاميذها وما أكثرها مع أساتذتهم تلك الأوقات الخاصة التي يقضونها في قراءة محتوى جريدتهم الحائطية ، التي يتزود منها كل منهم بالمعارف التي حوتها ، كما يعيشون فيها جدل التغيير والوجدان مع كل صباح مشرق ..وذلك بالقرب من أساتذتهم المناضلين الكبار ، الذين كان لهم دور هام في النفوس والعقول والضمائر..لتحرير البلاد ، وتحقيق الأهداف المنشودة لتقدمها وازدهارها بصدق ومحبة وإخلاص .. كما أن المتأمل لما حوته هذه الشذرات المتعلقة بالجزء الأول من حياته الثقافية ، يستنتج أن المرحوم أنفق حياته فيما اختاره وأحبه ، وما يدل على ذلك تجربته الفكرية التي تكاملت أمامنا كمثقف مخلص لرسالته الصحفية ، وأديب رعى الصفحات الأدبية لجريدة « العلم « الغراء ، ثم ملحقها الثقافي بعد ذلك .. إضافة إلى إصداره صحبة بعض رفقاء دربه الثقافي الأستاذين : محمد برادة ، ومحمد العربي المساري مجلة [ للقصة والمسرح ] ، ليدير بعدها مجلة [ ألفين ] الذي جعل أسرة تحريرها تتكون من كتاب عددها ، وهي سابقة لم تألفها المجلات التي صدرت قبل وبعد عددها الوحيد الصادر بتاريخ يونيو يوليو 1970 وإذاكان من المعلوم أن لكل كاتب مهمة استئثار حوافز كامنة في نفوس قرائه ، فإن كتابات المرحوم الصحفية والإبداعية ..علمتنا الصدق في الرأي ، والوضوح في التعبير ..بدل الثرثرة الكلامية التي لاتفضي إلى شيء، أو الصياغة الجهمة المنطفئة التي تغرق القارئ في قول ملتبس ، أو مصطلح مبهم يعجز كاتبه عن حل طلاسيمه . إن هذه الإشارات السريعة فيمن كان رائده الإخلاص والتضحية من أجل أن يكون الفوز والازدهار حليف قضايا وطنه المختلفة التي كان يعالجها بروح وطنية صادقة حيث لاتفوته شاردة ولاواردة عنه إلاأحصاها ، كأنه في عمله ذاك شبيه بآلة تسجيل خاطفة ..كل ذلك وغيره يؤهلني إلى القول بأن القصد من كلماتي المتواضعة تلك ، ينحصر في محاولة الكشف عن مشاعر الود والإخلاص لمن أحببت بعد شخصيته ، لغته التي يملك أدواتها ، ويتقن سبكها وصياغتها ، ثم ينفخ فيها من روحه لنفهم ما كتب ، فننفعل بحمولتها التي اشتبكت مع الواقع ، فصارت تناقضه صراحة ..لروح الحياة الكامنة فيها ، التي تبثها في كيان متلقيها ، حاثة إياه على احترام الإنسان ، والحفاظ على كرامته ، والذود عن حريته ....بربك ألم تقل ياسيدي في إحدى شذرات أورقك المنشورة « بالعلم الثقافي « الصادر بتاريخ 8 يونيو2006 تحت عنوان [ اليوم أيضا أتمنى أن تحبني قليلا ] ما يلي ؟ : [ الولد عاد ما حملت عيونه دهشة يعرف حديقة المدينة ، كان حول شجرتها يتسكع ، يعرف ساعة المدينة ، كانت دقاتها تملأ عليه كل الطرقات ، يعرف سيارة الشرطة الكبيرة حملته مرة ومرة ،يعرف خمارة الليل والنهار دخلها مليئا بالهم ، خرج منها مثقلا بالهم والغيبوبة ، يعرف المسجد الأعظم كان شرب من نافورة مائه حين يعطش ، يتبرد في أبهائه حين يغزو الصيف ، يقتعد حصيره حين يقلق الولد عاد أبشري ...سوف يطرق عليك الباب ] ففعل التبليغ الذي تسربلت به الشذرة ، عبر لغة أشبه ما تكون بالكتابة الحرة ، التي يتوازى فيها الشعروالنثر ، الوعي والتداعي ..ساعدني على أن أُدرجها ضمن رؤية الواقعية النقدية لدى المرحوم عبدالجبار ، خاصة وأن ما تشي به صياغتها يتجلى في تلك النغمة السوداوية التي طالت بنيتها السردية الكثيفة ، وكذلك رواية السارد للأحداث بضمير الغائب الذي يتيح للقارئ مراقبة الحدث المسرود ..تلك إشارة لبعض التقنيات التي قد تمكنني من تصنيف الشذرة ضمن الاتجاه المسمى بالقصة القصيرة جدا . تلك بعض الكلمات فيما يخص ألأوليات المتصلة بتعليم المرحوم ، التي استكملها بعصاميته فيما بعد.. نظرا لقريحته وذكائه ، وعزمه في الإحاطة بفن الصحافة ، وفنون المعرفة الإنسانية بشكل عام ..أدعها الآن، وأنتقل إلى بسط بعض مواضع الخلاف التي عنت لي أثناء قراءتي للدراسات التي شملها الملف الخاص بالمرحوم عبدالجبار،المنشورة بالعدد 34 من مجلة « الثقافة المغربية « يناير2010 ، التي حاولت أن تقررفي الأذهان أنها من المسلمات ، في حين أعتبرها مآخذ يجب إزالة اللبس عنها أولها : يتصل بما حوته الصفحة الأولى من الملف ، والمتعلقة بالإصدارات التي أدارها المرحوم عبد الجبار ، حيث جاء فيها ما يلي : [ مدير مجلة « للقصة والمسرح « 1964 صدر منها عددان ] والصحيح أن أعداد هذه المجلة ثلاث ، والصورة المرفقة للعدد الثالث منها تؤكد ذلك . ثانيها : جاء بين طيات الدراسة القيمة للأديب المبدع محمد عزالدين التازي ، والحاملة لعنوان « كان حداثي قبل الأوان وبعده « في محاولة منه لإبراز بعض مميزات لغة وأسلوب المرحوم الذي التقى به أول مرة 1969 ، قائلا [ ..ولعل القاص عبدالجبار السحيمي قد بلغ بلغته الخاصة في الكتابة ذروتها ، في واحدة من أجمل فصصه ، وهي من أجمل ما كتب في القصة القصيرة المغربية ، وعنوانها « سيدة المرايا « ولعلها متضمنة في مجموعته القصصية الثانية التي حملت عنوانا آخر شديد الاندهاش والغرابة والحنين والغضب وهو « مولاي « ] « الثقافة المغربية « ص 31 تأسيسا على مضمون كلمات التازي السابقة ألاحظ ما يلي : 1 : هناك خلط تضمنته كلماته ، إذ من المعلوم أن قصة « سيدة المرايا « نشرت أول مرة في العدد 11 من السلسلة الجديدة لمجلة اتحاد كتاب المغرب « آفاق « في دجنبر1982 ، كما أعيد نشرها مرة ثانية بالعدد الخامس من مجلة « الكاتب العربي « الصادرة بتاريخ 1983 عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بدمشق ، ضمن ملف خاص بالأدب المغربي ... وانطلاقا مما سبق فإن تصور الأستاذ التازي المتمثل في أن « سيدة المرايا « توجد ضمن قصص مجموعة « مولاي « يدل على عدم انتباهه للفترة الزمنية الفاصلة بين المجموعتين ، ف» مولاي « المتضمنة لقصة تحمل عنوان [ الذين يقولون لا ] المنشورة بمجلة « الأطلس « بتاريخ 15 ماي 1963 طبعت بالقاهرة سنة 1965 ، وهي بريئة منها براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام . بعد ذاك ينتقل الأستاذ التازي إلى الحديث عن مقالات كتاب « بخط اليد « الذي سبق له أن كُلف بتقديمه في لقاء ثقافي عُقد بطنجة بحضور مؤلف الكتاب ، وباقتراح منه لناشره الصحفي والإذاعي خالد مشبال ..حيث يرى بأن لغة المرحوم الأدبية برزت أيضا في كتاباته الصحفية التي منها الكتاب ، وفي ذلك يقول : [ ..قد تجلت أي لغته الأدبية على نحو آخر في كتاباته الصحفية ، سواء منها القديمة التي جمع بعضها في كتاب حمل عنوانا ساحرا آخر هو « بخط اليد « ] « ن . م . س «..من المعلوم أن زاوية «بخط اليد « لازمت قلم المرحوم ، إلى أن حالت ظروفه الصحية عن أن تتابع أنامله خط حروفها ..كما أنه لم يقم بجمع مقالات الكتاب استنادا مني على ما أوضحه المرحوم عبدالجبار في لقاء صحفي أجري معه ، والذي أرجأته ليكون بمثابة تصحيح أيضا لصنو له ، ورد ضمن دراسة قيمة للمقالات التي ضمها كتاب المرحوم بين دفتيه والحاملة لعنوان « بخط اليد : قلم الحكيم « للناقد والأديب عبد الرحيم مؤدن ، الذي يرى بعد تقديمه للدلالات التي ينطوي عليها عنوان الكتاب ، أن مسؤولية عدم تذييل المقالات بتواريخها تعود إلى المرحوم ، حين يقول : [ لعل الأستاذ عبد الجبارقد تعمد إغفال تواريخ هذه المقالات تاركا للقارئ حرية التخمين من جهة ، والإسهام من جهة ثانية في تزمين النص « المقال « ] « ن م ص 54 « وفي جواب ناصع دال على حقيقة الأمر فيما يتعلق بمقالات كتابه ، يقول المرحوم في جواب له عن سؤال : « كيف تبلورت لديك فكرة إصدار بخط اليد ؟ « ما يلي : [ لم أفكر مطلقا في أن أصدر ، لابخط اليد ، ولابخط القلب مما كتبته منذ ثلاثين سنة ، لولا أن الصديق خالد مشبال وفي شهر ماي 1995 فاتحني في الموضوع ، وأنني التزمت له ، وكان أن تطوع بعض الأصدقاء بجمع كتاباتي ، إذ لم أكن أحتفظ بها ، فملأت الأوراق المستنسخة غرفة المكتبة ببيتي ، وحين طاردني خالد مشبال ، سلمت له بعض ما اعتبرته الأصلح للنشر ، وقد نشر بعضه القليل فقط ، وهو ينوي إصدار الباقي في عدد آخر من سنة أخرى .. ] « جريدة النشرة ع 69 ، 10 و 16 يونيو 1996 « أعتقد أن جواب المرحوم فيما يتعلق بجمع وتاريخ مقالات كتابه لاتحتاج إلى تعليق . ثالثها : يتعلق بزعم صدر من الأديب الأستاذ عبد القادر الإدريسي أثناء تقديمه لمحتوى أحد مؤلفات الدكتور إبراهيم السولامي الحامل لعنوان « في صحبة الأحباب « ، المنشور بجريدة « العلم « في تاسع نونبر2010 ، فبعد إجماله لآراء وانطباعات الأستاذ السولامي عن أحبائه ..ينتقل بنا إلى « الفصل المثير « على حد قوله ، والمتمثل في جلسة أدبية وفكرية أقيمت في بيت المرحوم صلاح عبدالصبور قائلا: [ ولكن الدكتور السولامي استطاع ببراعة عالية ، أن يجمع بين الشاعر المصري الكبير ، وفتح الله ولعلو ، في سياق زيارة قام بها إلى مصر رفقة زملاء مغاربة له ، والتي تخللتها زيارة لبيت صلاح عبد الصبور وقضاء سهرة معه « أذكر أن عبدالجبارالسحيمي كتب عن هذه الزيارة لبيت عبد الصبور في أحد أعداد مجلة الأطلس في مطلع الستينيات « ] إن المقالة التي كتبها المرحوم عبد الجبار والحاملة لعنوان « مع الفارس القديم الأسمر في سهرة ... وسمك مقلي « ، استهلها بقوله [ حين كان أديب وهو أحد رفيقي الرحلة ، يبحث كيف يلتقي فاتن والوهاب كنت أنا والرفيق إبراهيم نبحث عن لقاء مع نجيب محفوظ وصلاح عبد الصبورولويس عوض ولطفي الخولي ومجموعتهم ..] وبعد إشارته إلى أن لقاء الكتاب والمفكرين أهون وأيسر من لقاء الممثلين والمطربين ..يحدد أفراد هذه السهرة بقوله : [ كنا مجموعة ، عودة ، والفرسان الثلاثة القادمون من المغرب ، وصحفية من « أخبار اليوم « وصحفي من « الجمهورية « ] إن الفقرتين السالفتين تفندان زعم الأستاذ عبد القادر فيما يتعلق بكتابة المرحوم عن السهرة الفكرية التي أقيمت في بيت الشاعر المرحوم صلاح وما دار فيها من أحاديث ، خاصة رأي صلاح في الشعر الذي ذكرته إجابته عنه بإجابة المرحوم لويس عوض في لقاء أجراه معه المرحوم عبد الجبار..وعطفا على ما سبق فإن الكتابة المعنية بما دار في بيت صلاح نشرت في العدد الثاني من السنة الأولى بمجلة « الطريق» سنة1964 التي كان يديرها زميلهم في الرحلة الأديب والناقد محمد أديب السلاوي ، وليس في « الأطلس». رابعها : يتجلى فيما وقفت عليه لدى الأديب محمد الخطابي في شهادة ود ووفاء ضمت كلماتها المؤثرة إشارات لبعض القيم الإنسانية والوطنية التي تتحلى بها شخصية المرحوم ، وكذلك الأثر الذي يخلفه إنتاجه الفكري والإبداعي في نفس قارئه ، والكلمة التي دبجها يراع الأستاذ الخطابي عند ماكان المرحوم عبد الجبار طريح الفراش نشرت بالملحق الثقافي لجريدة « العلم « في 23 شتنبر 2010 ، جاء فيها قول : [ ..خجولا أنت من نفسك ، ومن أصدقائق ، ومن العاملين معك ، ومن محبيك ، ومن مريديك ، أنت كقمر الخمار أنشودة صدحت بها الأجيال ، ولما تزل خجولا تطل ..] من المعلوم أن صاحب قصيدة « القمر الأحمر « هو الشاعر عبد الرفيع الجوهري الذي أصبح الجواهري ، وليس الشاعر المرحوم محمد الخمار الذي أشار إليه الأستاذ الخطابي بقوله « أنت كقمر الخمار « ، والقصيدة في فترتها الزمنية ، وبالضبط في شهر مارس 1964 ، وفي الصفحة الفنية لجريدة « العلم « أثارت نقاشا بعد تعليق الأستاذ أحمد باكو عليها ، ساهم فيه كل من المرحوم محمد زفزاف ، والعلوي ، وابن الأطلس وغيرهم .. وأفضل ما أختم به حديثي عن المرحوم عبد الجبار السحيمي ، يتجلى في تلك الكلمات النيرة التي خطها بيده ، وأعني بها قوله : [ لم نفقد ذاكرتنا ، كأنك تعيش بيننا ، وحين نستحضرك الآن ، لانحس أبدا برهبة الموت ]