تعيش كل من مصر وتونس لحظات مهمة في مسار التحول السياسي الذي يبدو أنه فقد وجهته التي إنطلق ليصل إليها , فإنحرفت به القوى السياسية الحائزة على السلطة بل وترغب من موقعها الجديد أن تبني حكما شموليا جديدا أخطر من الأنظمة التي تم إسقاطها , ذلك بإستثمار كل الشكليات التي أفرزتها الديمقراطية في الغرب خاصة الإنتخابات التي يتم توظيفها بشكل بشع لإحكام السيطرة على السلطة وإسكات المخالفين في الرأي , ففي مصر يعيد الإخوان إستنساخ تجربة الحزب الوطني بل أكثر من ذلك فإنهم عمليا أصبحوا نسخة من النظام الإيراني حيث الدور المركزي للإمام الذي يقف على هرم السلطة , أما في حالة الإخوان الإسلاميين فإن الحاكم الفعلي لمصر والذي لم ينتخبه المصريون هو مرشد الجماعة وأعضاء مجلسرالشورى وهو ما يذكرنا بالأنظمة الشمولية التي كانت تحكم المنطقة تارة بمنطق الشرعية الثورية والوطنية وتارة أخرى بمنطق الغلبة والقوة لا فرق بين البعث والوطني.والشعبي والتجمع. في تونس لا يختلف الأمر حيث يلعب أنصار حزب النهضة نفس الدور الذي كان يلعبه أنصار التجمع الدستوري لبنعلي , حيث كان يتم تجييش مجموعات مدفوعة الأجر لإفساد أنشطة المعارضة والفعاليات الحقوقية وهو ما يتكرر اليوم سواء مع النقابات العمالية التي قادت ووجهت الشارع التونسي لحظة الإنتفاضة الشعبية, حيث ملئت الفراغ الذي تركته المعارضة السياسية التي كانت موزعة بين باريس ولندن يائسة من كل إمكانية لإحداث التغيير , ونفس الشيء يقع مع الأحزاب التي تخالف النهضة كحزب نداء تونس الذي يقوده الباجي قايد السبسي , حيث تم في الأيام القليلة الماضية إقتحام فندق بجربة من قبل مليشيات النهضة وذلك لإفشال أربعينية أحد مناضلي نداء تونس المتهمة بقتله نفس المليشيات , وعمل المليشيات في عقيدة الأحزاب الإسلامية الحديثة العهد بالسلطة ليست حديثة العهد , فالجامعات عرفت خلال نهاية السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات حروبا كثيرة , تم فيها توظيف الإسلاميين لمواجهة القوى الوطنية الديمقراطية واليسارية , فالكثير من التقارير تؤكد أن منشورات الإخوان في مصر نهاية السبعينات والتي كانت موجهة ضد الناصريين , كانت تطبع في مطابع المخابرات المصرية , أما اليوم فإن عمل المليشيات أصبح يقاد من قبل رئيس الجمهورية شخصيا , حيث منع بالقوة ومن خلال محاصرة مقر المحكمة العليا الدستورية وذلك لمنع القضاة من القيام بعملهم وتحييد دور القضاء الدستوري إلى حين إخراج مسرحية الدستور, وفي الجانب الآخر لتحالفات الإخوان نجد السلفيين ممن يحاصرون مدينة الإعلام في 6 أكتوبر حيث مقار القنوات الفضائية الخاصة والتي تعبر الكثير منها عن رفضها لطريقة إدارة البلاد , ولأن الحكم الشمولي لا يستسيغ تعدد الآراء , فإن جموع السلفيين تطالب ب " تطهير " الإعلام , أي بإختصار شديد القضاء النهائي على إحدى نقط الضوء الموجودة في مصر , ورهن الشعب المصري بالفضائيات التي تتحدث بصوت الحاكم الجديد للمحروسة وجماعته, علما أن أقطاب الجماعة كانت نفس الفضائيات التي يراد اليوم إعدامها , مقر إقامة شبه دائمة لهم للتعبير عن مواقفهم من النظام السابق , أما اليوم فقد إنتهت مهمتا وأصبحت من الفلول... الواقع اليوم هو أن الديمقراطية في أزمة حقيقية في بلدان ما كان يسمى بالربيع , وهذا الأمر تنبئنا به منذ بداية هذا الحراك الذي كان يفتقد البوصلة منذ البداية , الغريبة هو أن بعض الأقلام لازالت إلى اليوم تعاند هذه الحقيقة ,بل لا تكتفي بذلك إذ بها تتورط في إضفاء طابع الشرعية والمشروعية على كل الممارسات السلطوية التي تتحكم في هذه البلدان بإسم حماية الثورة , علما أن الحاكمين الحاليين لم يلتحقوا بالشارع وبما يسمى ثورة سوى بعد أن ظهر أن الشارع سينتصر , وأن التاريخ يسجل بأن ما وقع لا يعود الفضل فيه لأي حزب أو قائد سياسي , بل هول اليأس الذي زرعت الأنظمة التي سقطت كأوراق الخريف في نفوس البسطاء من شعوبها, فهل سيظل الديمقراطيون أو على الأقل من يحملون ثقافة ديمقراطية , يتفرجون على هذا الواقع المؤلم حيث يتم تأبيد الحكم الشمولي الجديد من خلال دساتير على المقاس تدعم التحكم والتسلط والإستبداد تحت عنوان كبير مزيف إسم الديمقراطية ? أما بالنسبة لبلادنا فهل من الحكمة أن لا نعتبر مما يجري في جوارنا قبل فوات الأوان?