يجب أن ننبه الآن وقبل فوات الأوان، إلى استمرار ضعف التواصل بين مكونات الأغلبية الواحدة، كل وزير يشتغل في جزيرته المعزولة بعيدا عن الباقي، وكل ورش مفتوح في زاوية مغلقة لا يقترب منها إلا من قررت الأقدار أن تقوده إلى هناك، وتضارب كبير في التصريحات والخطب الرنانة من هنا وهناك، وتوقف مفاجئ لاجتماعات قيادات مكونات الأغلبية، وتعطيل متعمد لاجتماعات برلمانيي هذه الأغلبية الذين لا يتذكرهم رئيس الحكومة، مع كامل الأسف، إلا حينما يحين موعد التصويت على مشروع القانون المالي، بالبرلمان، فيأتي بهم إلى فضاء جميل يدغدغ عواطفهم بكلام جميل لينتشروا بعد ذلك في الأرض. ما الذي يحدث؟ ومسؤولية من فيما يحدث؟ الجواب يعرفه القاصي والداني الذين يتساءلون حول أسباب الإصرار على إبقاء الوضع على ما هو عليه مما يتيح افتعال الأزمات وإشعال الحروب الوهمية لإلهاء الناس عن الاهتمام بالجوهر، وهي منهجية لانعتقد أنها ستعمر طويلا لأن مدة صلاحيتها وجيزة جدا. الوضع يتطلب أكثر من أي وقت مضى،تنسيقا حقيقيا وفعليا بين جميع مكونات الأغلبية،تنسيقا يأخذ منحيين أفقيا وعموديا،تنسيقا يتناول ويتدارس ويحسم في الاشكاليات الكبيرة والهامة التي تواجه بلادنا، وليس تنسيقا يُجتمع في إطاره لتبادل المعلومات وتقاذف التهم والتعاقب على الخطب. إن مكونات الأغلبية يجب أن تكون معنية وبصفة مباشرة بجميع الأوراش بدون استثناء، ولا يحق لشخص في هذا السياق وإن كان وزيرا أو حتى رئيسا للحكومة أن ينفرد بقرار أو يمسك بمفتاح باب يفتح به الباب لمن يشاء ومتى أراد، لماذا؟ لأن مكونات الأغلبية يجب أن تكون مؤهلة للدفاع عن الورش وعن الإصلاح وقادرة على تنفيذه أو على الأقل المساندة في تنفيذه، لأنها تكون قد شاركت في إعداده وفي إخراجه إلى الوجود، أما أن يطلب من مكون أو من عدة مكونات الأغلبية أن يكتفوا بالقيام بأدوار أدوات التنفيذ، فإنها لن تكون مؤهلة على كل حال للمساهمة الفعلية في ضمان شروط النجاح، الأمثلة كثيرة في هذا الصدد، فوزير يتحدث عن إصلاح صندوق المقاصة، وآخر يبدع في التعاطي مع الاختلالات في قطاع التربية الوطنية،وثالث يواجه ما يواجهه في قطاع الشباب ورابع تتفنن في المواجهة مع جمعيات المجتمع المدني وخامس ابتلي بحرب اللوائح من النقل إلى الرمال، وقس على ذلك إلى ما لا نهاية. هذا العزف المتقطع والسيئ للأغلبية، لا يمكن أن ينتج إلا موسيقى لا تطرب أبدا، لذلك حان الوقت لنقول هذا الكلام بكل هذا الوضوح، إذ يبدو وكأن الحزب الذي يقود للحكومة الآن مصر كل الإصرار على أن يقود التجربة لوحده وبمفرده وباقي المكونات يجب أن تكتفي بدور الموالاة، يبدو وكأن هذا الحزب يحرص على أن يتحمل مسؤولية هذه التجربة سواء كانت إيجابية أو سيئة لوحده، وهو أقرب إلى الاعتقاد بأن حصيلة التجربة سواء ستكون إيجابية. نعم! نتفق على وجود جيوب المقاومة، لكن هذه الجيوب وجدت منذ بزغ أمل التناوب الديمقراطي في هذه البلاد، بل بالعكس من ذلك إن مواجهة جيوب مقاومة التغيير تماسيح كانوا أو عفاريت تتطلب تقوية جبهة الأغلبية لتمكينها من شروط المواجهة، وليس إضعافها اعتقادا من البعض أن مواجهته وحيدا لهذه الجيوب ستدر عليه أرباحا سياسية عظيمة. إن الوقت لم يفت بعد للإقدام على مراجعات نقدية جذرية من طرف البعض في هذا الصدد.