تغرق سوريا يوما بعد يوم في مستنقع لا يبدوا أنها ستخرج منه بكامل أطرافها ، فالعجز الدولي بدا واضحا في إستمرار التفرج على الإبادة التي تتعرض لها سوريا بغض النظر عن الأطراف التي تقف وراء ذلك ، ما إنهيار هدنة العيد التي راهن عليها المبعوث الأممي السيد الأخضر الإبراهيمي سوى دليل جديد على أن الأزمة السورية وصلت نقطة اللاعودة ، فلا نحن أمام نظام قوي قادر على فرض سلطته على كافة التراب السوري ، ولا نحن أمام معارضة مسلحة قادرة على حسم المعركة ميدانيا ، بل والأسوء من ذلك ليست هناك ضمانات حول مصير سلاح المعارضة بعد إنهيار النظام الذي بدأ في قصف دمشق العاصمة بالطيران كدليل جديد على إنحسار قواته على الأرض وعلى قدرة المعارضة في دخول العاصمة . إختناق مسارات الحل السياسي والعسكري في سوريا لا يعبر فقط عن عجز المنتظم الدولي في إحداث إختراق للأزمة ، بل يعبر في أحد وجوهه التي يرفض الكثيرون النظر إليها ، إلى بداية تراجع الغرب عن دعم ما يسمى بالربيع العربي الذي كانت سوريا واحدة من الدول التي كان من المفروض أن يشملها " تسليم المفاتيح " طبقا للوصف الذي أطلقه حسنين هيكل على " الربيع العربي " ولعل التطورات في ليبيا ومصر وتونس تسند هذا الرأي بحكم إستمرار حالة الشك وعدم الاستقرار وعجز الحاكمين الجدد على بسط نفوذهم على الدولة ، خاصة مع ظهور تيارات سلفية متشددة تهدد كل ما بني من آمال بعد إنهيار الأنظمة السابقة ، علما أن هذه الدول جميعها توجد في مرحلة البداية على مستوى بناء دول جديدة من خلال حسم تصورات الدولة المستقبلية في الوثائق الدستورية وسط اختلافات عميقة ، لا تساعد الأوضاع الأمنية على تدبيرها تدبيرا ديمقراطيا بحكم غياب ثقافة ديمقراطية متأصلة سواء لدى النخب والشعوب . في سوريا يعرف الجميع أن المسألة لا تتعلق فقط بنظام بشار الأسد ولا في تعدد أوجه المعارضة الذي كان بالإمكان إستثماره إستثمارا إيجابيا بالنسبة للمستقبل ، بل في كون سوريا تمثل عمقا استراتيجيا بالنسبة لإيران وللتحالف الشيعي الممتد من طهران مرورا ببغداد ودمشق فحزب الله في لبنان ، إلى جانب ذلك هناك إسرائيل التي تتقاطع مصالحها مع خصومها على هذا المحور ، إذ يجب أن لا ننسى بأن دمشق كانت الجار الوديع في الميدان مع إسرائيل وأكثر القوة الاقليمية حديثا عن المقاومة والمواجهة مع الكيان الصهيوني ، لكن هذا الأمر لم يتجاوز أبدا حدود الشفوي والدليل السلام الموجود على مستوى الجولان المحتل دون حاجة إلى اتفاقية سلام. أين هو الشعب السوري من كل هذه الحسابات الإقليمية والدولية ؟ فكل ما تحمله لنا الصور هو ذلك الموت المجنون القادم من الشام والذي يعدم أي أفق زمني للحل ولرفع المعانات على شعب بكامله ، والمؤسف في كل ذلك أن الوقود اللازم لاستمرار الوضع متوفر من خلال دعم القوى الدولية لكل طرف يمثلها في المجازر الحاصلة هناك ، ولعل تصريح المرشحين الأمريكيين للبيت الأبيض أوباما وميت رومني بأن الولاياتالمتحدة لن تتدخل بشكل مباشر في النزاع ، لدليل آخر على أن المذبحة ستستمر في الشام أمام صمت مخجل للعالم.