بركان دمشق لم يمهل نظام الأسد كثيرا، فقد استطاع الجيش السوري الحر أن يضرب في عمق البنية الأمنية والعسكرية للنظام، وتحولت شوارع دمشق إلى ساحة لحرب شوارع قد تكون نهاية للنطام السياسي في سوريا الذي بقي إلى اليوم وفيا لآلية العنف كوسيلة وحيدة لإكتساب السلطة حيث كانت سوريا وفية للإنقلابات العسكرية منذ عقود، ويعتبر النظام الحالي أكثر الأنظمة الشمولية دموية في المنطقة جمع بين بنية بوليسية شديدة التعقيد من خلال أجهزة أمنية متعددة تراقب بعضها البعض وتعكس كيف أن النظام كان يعيش على الشك والشك المتبادل وصراع الأجهرة لخدمة أجندات خاصة، إضافة إلى ذلك راهن نظام الأسد الأب والإبن على البعد الطائفي لضبط التوازنات الداخلية، وكذلك الأمر على المستوى الدولي من خلال توظيف ماكر للموقع الجيوستراتيجي لسوريا في المنطقة واللعب على المتناقضات. الثورة السورية تقدم اليوم دليلا آخر على توهم بعض الأنظمة بأنها محصنة ضد التغيير على شاكلة ما وقع في مصر وليبيا وتونس، وأنها قادرة عبر آلة القمع أن تجعل مطالب التغيير ترد إلى الوراء، فعندما تصل الشعوب إلى نقطة اللاعودة حيث تتساوى المكاسب بالخسائر وتصبح الموت رديفة للحياة، ويتم تعميم المآثم وتتحول المدن إلى بيوت عزاء، ساعتها تنفخ في الشعوب روح جديدة كلها إصرار على التغيير مهما كلف الثمن، وبالقدر الذي تتوسع جبهة الرفض رغم تعدد أصواتها ومظاهرها وتياراتها، تضيق دائرة المؤيدين للنظام وتظهر تناقضاته الداخلية، ويسارع كثير من رموزه إلى القفز من السفينة عندما تدخل المياه، ومع كل اسم كبير يغادرها تنحدر السفينة بعمق نحو القعر، فمن لم يغادر بإرادته يغادرها بالقتل كما كان مصير وزير الدفاع ونائبه صهر الرئيس الأسد، بل هناك أخبار تتحدث عن مقتل شقيق بشارماهر الأسد والذي يعرف بأنه الحاكم الفعلي للبلاد، وأنه الأكثر دموية ومن منظري إختيار الأرض المحروقة، بل إن بشار نفسه أضحا مجهول العنوان في بلاد ورث حكمها دون أن يكون له طموح في ذلك أو أن يكون له إستعداد. قد لا تكون النهاية بهذه الصورة، فنظام حديدي مثل نظام البعث لا يمكن تصور استسلامه بهذه البساطة خاصة في ظل تحالفات إقليمية قوية خاصة مع إيران وحزب الله، أما روسيا فقد بينت بالممارسة أنها آخر من يتدخل لإنقاد حلفائها تأكد ذلك مع صدام حسين وميلوزوفيتش والقذافي وصالح، لكن نظام الأسد المرتكز على أساس طائفي ونجح في خلق عداء لطائفته، يمكن أن يقدم على مغامرة أخيرة سواء إتجاه الداخل أو إتجاه إسرائيل التي ظل وديعا معها , لكن في لحظة يأس يمكن أن يكرر معها ما قام به صدام عندما وجه صواريخ سكود إلى تل أبيب لجلب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية. مسؤولية المعارضة السورية ومن إنشق عن النظام تبقى اليوم على درجة كبيرة من الأهمية، فالجميع يعرف أن المعارضة غير منسجمة بل بينها تخوين متبادل وتاريخي، وأن معركة الحسم مع نظام الأسد تنطلق من وجود تصور مشترك ومتفق عليه كحد أدنى للمرحلة الإنتقالية وللنظام الجديد، وسيكون من العبث محاولة إستنساخ تجارب بلدان الربيع الديمقراطي التي تعاملت فيها كل دولة وفقا لخصوصيتها، فكما أن إسقاط حكام مصر وتونس وليبيا واليمن كان بصور وطرق مختلفة، فكذلك يكون بناء المستقبل.