في ظرف ااثل من أسبوع سقط حوالي 60 مغربي ضحية لحادثتي سر شاءت الأقدار أن يحدثا معا في إقليمالحوز , وبذلك تكون بلادنا في المرتبة الثانية من حيث قتل المدنيين بعد سوريا التي تعيش حربا إبادة جماعية يشنها نظام بشار الأسد , أهلا وسهلا هو إسم الحافلة التي هوت من علو 200 متر في ممر تيشكا وبالضبط بجماعة زرقطن لتكون نهاية رحلة كان من المفروض أن تربط بين زاكورة ومراكش لكن القدر ربطها بالآخرة مباشرة , والحصيلة مفجعة 43 قتيلا و24 جريحا بعضهم يصارع الموت والبعض الآخر سيخرج بعاهات تلازمه طول العمر لتذكره بالثواني المعدودة التي كانت كافية لحدوث الفاجعة. لقد شكلت حادثة تيشكا صدمة حقيقية للجميع , وأشعرتنا بجدية حرب الطرق الصامتة التي يعرقها المغرب منذ سنوات , وفي خضم الحدث تجاوزنا طرح السؤال من المسؤول , فطريق ترتفع بأزيد من 2000 متر عن سطح الأرض ويمنعرجات تمتد حوالي 140 كلم من الصعب الحديث عن مسؤولية الطريق , فمن يصعد ممر تيشكا يعرف مسبقا طبيعة الطريق , لكن أيضا لا يمكن لوم السائق فعلى إمتداد 140 كلم تتكز كل يوم بصورة روتينية فإنه من الصعب تنفادي الإحتكاك بالحافة خاصة في لحظات التقابل مع سيارة أخرى أو حافلة , ويبقى الحل / الجواب هو تحقيق حلم المنطقة بنفق تيشكل الذي من شأنه أن يجعل كل هذه الأحاديث الأسطورية عن الطريق الرايطة بسن مراكش و ورزازات تصبح من الماضي , وهذا المشروع إنطلق العمل فيه في زمن الإستعمار لكن توقف لأسباب تتعلق بتسارع الاحداث السياسية و إقتراب المغرب من تحقيق الإستقلال , ويالنظر إلى كلفة النفق فإن الإدارة الإستعمارية الفرنسية صرفت النظر عن المشروع مادامت لن تستفيد من ثماره , خاصة وأن العديد من الوثائق تؤكد أن دراسة الجدوى التي أنجزتها فرنسا كانت مشجعة خاصة على مستوى تقليص المسافة بين الموانئ و منطقة ورزازات التي تزخر بمعادن عديدة , أما اليوم فإن التعاطي مع هكذا مشروع يجب أن ينطلق من روح وطنية تضامنية , فالعديد من المشاريع أنجزت لأسباب سياسية وكقرار سياسي ينظر إلى المناطق البعيدة والمعزولة نظرة وطنية لا تقوم بعملية الربح والخسارة , و هناك أمثلة عديدة عن هذه المشاريع ومنها الطريق السيار فاسوجدة الذي إذا نظرنا إليه من الناحية الإقتصادية فإنه لم يكن ليتحقق على أرض الواقع , وإن كان هذا لا يعني أهميته الإقتصادية من خلال الدفعة القوية التي سيقدمها للفلاحة والتجارة والصناعة وخاصة السياحة من خلأ فك العزلة عن العديد من المناطق وتقصير المسافة مع محطة السعيدية الواعدة , وجانب رمزي آخر هو إيصال الطريق السيار إلى الحدود مع الجزائر في تعبير عى أن المعرب جاهز للوحدة المغاربية من خلال طريق سيار يريط عواصم المغرب الكبير , ورغم التكلفة التي بلغت حوالي 12 مليار درهم , فإن الأثر السياسي والإجتماعي والحضاري والإقتصادي للمشروع تبقى أكبر كثيرا من قيمته المالية. نفس الشيء يمكن قوله عن نفق تيشكا والذي تقدر تكلفته ,فمهما كانت التكلفة مرتفعة قإنها ليست بحجم الخسائر البشرية التي كبدتنا إياها تلك المرتفعات القاتلة , ويمكن إحصاء خسائر التأمينات في الحوادث التي جرت منذ سنوات في ممر تيشكا لنتأكد بأن غياب الممر هو الخسارة الحقيقية , وأن بناء مشروع كبير كهذا سيساهم في فك العزلة التاريخية عن منطقة درعة وذلك بسبب التضاريس والمناخ القاسي , علما أن منطقة كورززات يمكن أن تقدم منتوجا سياحيا واعدا ينافس ما تقدمه مراكش اليوم وهذا سيعيد التوازن للقطاع السياحي وخاصة السياحة الداخلية التي ذهبت ضحية السياحة اللوكس التي إختار الفاعلين السياحيين في مراكش نهجها , وهو ما يحرم آلالاف المغاربة من الإستفادة من سحر المدينة الحمراء. اليوم يندم المغرب لكونه أضاع سنوات ولم ينخرط في ورش البنيات التحتية في وضعية دولية وإقتصادية كانت فيه تكلفة هذه المشاريع منخفضة , اليوم ليس هناك إختيار فمثل هذه المشاريع عندما ينتظرها أكثر من جيل فإنها تتحول إلى أسطورة قد تكون مغذية لخطابات سياسية مختلفة , وقد ينشئ أجيالا حاقدة وكل ذلك ما هو إلا خسارة للوطن الواحد...يبقى أن حفر كمر تيشكا يمكن أن يكون عبارة عن عملية ورش وطني يذكر بطريق الوحدة , وبإمكان مليون شاب مغربي أن يحفروا نفقا ليس فقط لورززات بل للحجاز...