لا أدري لماذا إنتظرت منذ أن بدأت الإنتفاضة الشعبية في سوريا وخاصة منذ أن أصبح القتل الجماعي عنوانا " لشرعية " نظام شمولي ومطلق , أن يطلع علينا مندوب سوريا في الأممالمتحدة بشار الجعفري في لقاء لمجلس الأمن ليتبرأ من جرائم نظام الأسد وليطالب المنتظم الدولي أن يتدخل بصفة مستعجلة لإنقاذ الشعب السوري , وربما كانت صورة وزير الخارجية الليبي الأسبق وممثل ليبيا في الأممالمتحدة في نهاية مرحلة العقيد معمر القذافي شلقم , عندما تدخل في إجتماع لمجلس الأمن يطلب حماية الشعب الليبي بصفته مواطنا ليبيا..ماثلة أمامي أمني بها النفس بأن تكون أول ضربة ديبلوماسية لنظام الأسد تأتي من ممثله في الأممالمتحدة. لم تتحقق الأمنية كما رغبت لكن مجلس الأمن كان مسرحا لموقف من نوع آخر للسيد بشار الجعفري , حيث شن هذا الأخير هجوما كلاميا على المغرب ورموزه وسيادته في جلسة مجلس الأمن يوم الخميس الماضي , وأهم ما جاء به الجعفري هو إعتقاده أنه يمكن أن يهدد المغرب بقضية النزاع في الصحراء , بقوله أن هناك شعب في الصحراء يطالب بحقوقه , وهي إثارة تثير الشفقة , وذلك في سياق إثارة الموضوع للرد على مواقف المغرب من نظام الأسد وإستعداده لإستقبال أصدقاء سوريا في أكتوبر المقبل , وهو ما يعبر عن بؤس سياسي وأخلاقي كبير , فمن الناحية السياسية نعرف نحن المغاربة أن مكاتب جبهة البوليساريو كانت دائما مفتوحة في دمشق , وأن سوريا كانت إلى جانب الجزائر بصفة خاصة وقبلها ليبيا أكبر الداعمين عربيا لمشروع الإنفصال في الصحراء , كما أن معسكرات سوريا عرفت في مناسبات كثيرة إحتضان مجموعات من الشباب في السبعينات والثمانينات لتهييئهم وتأطيرهم لإطلاق حرب شعبية من أهدافها إسقاط النظام الملكي , في تنكر صارخ لدماء الشهداء المغاربة من الجنوح الذين واجهوا الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان ولازالت مقابرهم في القنيطرة السورية شاهدة على تلك الملحمة التي خلدها بشكل رائع الأديب مبارك ربيع في رواية " رفقة السلاح والقمر " وهي رفقة إمتزج فيه الدم المغربي مع السوري في الجولان التي تخلى عن تحريرها نظام الأسد الأب والإبن , وأدمنا معا خطاب الممانعة والحرب الكلامية على إسرائيل وأمريكا وتحويل دمشق إلى مقر إقامة لقيادات المقاومة الفلسطينية وفصائل من منظمة التحرير ممن كانوا على النقيض مع الشهيد أبو عمار ياسر عرفات...أما من الناحية الأخلاقية فإنه من العيب أن يتحدث من أوغل يديه في دماء شعبه عن حقوق شعوب أخرى بغض النظر عن وجودها الفعلي من عدمه , وعيب أن تكون مساومة كهاته على الإختيارات المبدئية. يبدوا أن نظام الأسد يملك أنواعا من الشبيحة لا تستثني السلك الديبلوماسي , و أن هذا النظام إنتهى بصفة نهائية , وما كلمة بشار الجعفري في مجلس الأمن سوى ما يشبه النحيب والصراخ الأخير للمحتضر , وإختيار الهجوم على المغرب هو مؤشر على ضياع البوصلة لقيادة أتى نهر التغيير الجارف على عرشها على حين غرة , بعد أن كانت تعتقد أنها زعيمة الممانعة وأن الشعوب تعتبرها قيادتها القومية , وأن الإتجار في قضية فلسطين قد تكون ورقة لإنتزاع شرعية مفتقدة , اليوم يعيش هذا النظام الدموي ساعة الحقيقة ورغم ما يمكن أن يضاف له من أيام أو أشهر فإنه إلى زوال , لكن بساديته يمكن أن يمطط النزاع ليصبح إقليميا وعبارة عن حروب أهلية وطائفية في المنطقة , لكن ذلك لا يبعث الروح أبدا...